الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلما تتابع عليهم البلاء طلبوا الأمان على أن يمكّنوه من سعيد ابن هشام وابنيه: عثمان ومروان، ومن رجل كان يسمى السكسكى، كان يغير على عسكره، ومن رجل حبشيّ كان يشتم مروان، فأجابهم إلى ذلك، واستوثق من سعيد وابنيه، وقتل السكسكى، وسلّم الحبشى إلى بنى سليم، لأنه كان يخصّهم بالسّبّ، فقطعوا ذكره وأنفه ومثّلوا به.
ولما فرغ مروان من حمص سار نحو الضحّاك الخارجى.
وقيل: إن سليمان لما انهزم بخساف أقبل هاربا حتى التحق بعبد الله ابن عمر بن عبد العزيز بالعراق، فخرج معه [إلى «1» ] الضحاك، فقال بعض شعرائهم «2» :
ألم تر أنّ الله أظهر دينه
…
وصلّت «3» قريش خلف بكر بن وائل
ذكر خروج الضحاك محكما وما كان من أمره إلى أن قتل
وفى سنة [127 هـ] سبع وعشرين ومائة خرج الضحّاك بن قيس الشيبانى محكما ودخل الكوفة.
وكان سبب ذلك أنّ الوليد لما قتل خرج بالجزيرة حروريّ يقال له سعيد بن بهدل الشيبانى فى مائتين من أهل الجزيرة، فاغتنم سعيد قتل الوليد واشتغال مروان بالشام فخرج بأرض كفر توثا «4» ،
وخرج بسطام البيهسىّ، وهو مخالف لرأيه فى مثل عدّتهم من ربيعة، فسار كلّ واحد منهما إلى صاحبه.
فلما تقاربا أرسل سعيد أحد قوّاده فى مائة وخمسين، فقتلوا بسطاما ومن معه إلا أربعة عشر رجلا. ثم مضى سعيد نحو العراق فمات فى الطريق، واستخلف الضحّاك بن قيس. فأتى أرض الموصل ثم شهرزور، فاجتمعت عليه الصّفريّة حتى صار فى أربعة آلاف، وهلك يزيد بن الوليد وعامله على العراق عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ومروان بالجزيرة. فكتب مروان إلى النّضر بن سعيد الحرشىّ «1» - وهو أحد قوّاد ابن عمر بولاية العراق- فلم يسلّم ابن عمر إليه العمل، فشخص النّضر إلى الكوفة و [بقى]«2» عبد الله بالحيرة، وتحاربا أربعة أشهر.
فلما سمع الضحّاك باختلافهم أقبل نحوهم، وقصد العراق سنة [127 هـ] سبع وعشرين، فأرسل ابن عمر إلى النّضر فى الاجتماع عليه، فتعاقدا واجتمعا بالكوفة؛ وكان كلّ منهما يصلّى بأصحابه.
وأقبل الضحاك فنزل بالنّخيلة «3» فى شهر رجب سنة [127 هـ] سبع وعشرين ومائة، والتقوا، واقتتلوا قتالا شديدا، فكشفوا ابن عمر، وقتلوا أخاه عاصما وجعفر بن العباس الكندىّ، ودخل ابن عمر خندقه، وبقى الخوارج عليهم إلى الليل ثم انصرفوا؛ وذلك
فى يوم الخميس ثم اقتتلوا يوم الجمعة، فانهزم أصحاب ابن عمر.
فلما كان يوم السبت تسلّلوا «1» إلى واسط، فلحق بها وجوه الناس، فرحل عند ذلك ابن عمر إليها، فلم يأمنه عبيد الله بن العبّاس الكندى على نفسه، فسار مع الضحاك وبايعه.
ولما نزل ابن عمر إلى واسط نزل بدار الحجّاج بن يوسف، وعادت الحرب بينه وبين النّضر إلى ما كانت عليه، وسار الضحّاك من الكوفة إلى واسط، ونزل باب المضمار، فترك ابن عمر والنّضر الحرب بينهما، واتّفقا على قتال الضحاك، فلم يزالوا على ذلك شعبان ورمضان وشوّال، والقتال بينهم متواصل. ثم صالحه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن هشام، وبايعاه، ودفعاه إلى مروان.
قال: وكاتب أهل الموصل الضحّاك فى القدوم ليمكّنوه من البلد، فسار إلى الموصل ففتح أهلها له أبوابها، فدخلها، واستولى عليها وعلى كورها، وذلك فى سنة [128 هـ] ثمان وعشرين، فبلغ مروان خبره وهو يحاصر حمص، فكتب إلى ابنه عبد الله- وهو خليفته بالجزيرة- أن يسير إلى نصيبين، ويمنع الضحاك من توسّط الجزيرة؛ فسار إليها فى سبعة آلاف أو ثمانية آلاف، وسار إليه الضحاك، فحصر عبد الله بن مروان بنصيبين، وكان مع الضحّاك ما يزيد على مائة ألف.
ثم سار مروان إليه، والتقوا بنواحى كفر توثا من أعمال
ماردين، فقاتله يومه أجمع، فقتل الضحاك ولم يعلم به مروان ولا أصحابه؛ ثم بلغ مروان قتله، فاستخرجه من بين القتلى وفى وجهه ورأسه أكثر من عشرين ضربة.
وبعث مروان رأسه إلى مدائن الجزيرة.
وقيل: إنّ قتله كان فى سنة [129 هـ] تسع وعشرين ومائة [والله أعلم «1» ] .
وحيث ذكرنا أخبار الضحاك فلنذكر أخبار من خرج بعده فى أيام مروان:
ذكر خبر الخيبرى (الخارجى)«2» وقتله وقيام شيبان
قال: ولما قتل الضحّاك أصبح أهل عسكره فبايعوا الخيبرىّ؛ وكان سليمان بن هشام معه، وأصبحوا واقتتلوا، فحمل الخيبرىّ على مروان فى نحو أربعمائة فارس من [أهل «3» ] الشّراة، فهزم مروان وهو فى القلب، وخرج من العسكر منهزما، ودخل الخيبرى ومن معه عسكر مروان ينادون بشعارهم ويقتلون من أدركوه، حتى انتهوا إلى خيم مروان، فدخلها الخيبرى وجلس على فرش مروان، هذا وميمنة مروان ثابتة، وعليها ابنه عبد الله؛ وميسرته [ثابتة «4» ] وعليها إسحاق بن مسلم العقيلى.
فلما رأى أهل العسكر قلّة من مع الخيبرى ثار إليه «5» عبيدهم بعمد الخيم، فقتلوا الخيبرىّ وأصحابه جميعا فى خيم مروان