الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها كانت الزلازل بالشام فدامت أربعين يوما، فخربت البلاد، وكان معظم «1» ذلك بأنطاكية.
ذكر وفاة زين العابدين على بن الحسين
ابن على بن أبى طالب رضى الله عنهم ونبذة من أخباره كانت وفاته بالمدينة فى أول سنة [94 هـ] أربع وتسعين. وقيل فى سنة اثنتين. وقيل سنة ثلاث. وقيل سنة تسع وتسعين. وقيل سنة مائة. حكى هذا الاختلاف أبو القاسم بن عساكر فى تاريخ دمشق، واقتصر ابن الأثير الجزرى على سنة أربع وتسعين دون غيرها.
وكان رحمه الله يكنى أبا عبد الله، ويقال أبو محمد، ويقال أبو الحسن، ويقال أبو الحسين زين العابدين. ومولده سنة [33 هـ] ثلاث وثلاثين، وأمه أمّ ولد اسمها غزالة [خلف عليها بعد الحسين زييد مولى الحسين، فولدت له عبد الله بن زييد.
وقال إسماعيل بن موسى السّدّى: عبد الرحمن بن حبيب أخو علىّ ابن الحسين لأبيه] «2» ، وكان رحمه الله ثقة ورعا مأمونا كثير الحديث من أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة.
حكى أبو القاسم بن عساكر فى تاريخه عن الزهرى، قال:
شهدت علىّ بن الحسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام، فأوثقه حديدا، ووكل به حفّاظا فاستأذنتهم «3» فى التسليم عليه والتوديع له فأذنوا لى فدخلت عليه، وهو فى قبّة
والقيود فى رجليه والغلّ فى يديه، فسكنت «1» وقلت: وددت أنى مكانك وأنت سليم. فقال: يا زهرىّ، أو تظنّ هذا مما ترى علىّ وفى عنقى. أما إنى لو شئت ما كان. ثم أخرج يديه من الغلّ ورجليه من القيد.
ثم قال: يا زهرىّ، جزت معهم على هذا منزلتين من المدينة.
فما لبثنا إلا أربع ليال حتى قدم الموكّلون به يطلبونه بالمدينة، فما وجدوه، فكنت فيمن سألهم عنه، فقال لى بعضهم: إنا نراه متبوعا، إنه لنازل- ونحن حوله لا ننام نرصده- إذ أصبحنا، فما وجدنا إلا حديده.
قال الزهرى: فقدمت بعد ذلك على عبد الملك فسألنى عن علىّ ابن الحسين، فأخبرته، فقال لى: إنه قد جاءنى فى يوم فقده الأعوان، فدخل علىّ، فقال: أنا وأنت! فقلت: أقم عندى.
فقال: لا أحبّ، فخرج، فو الله لقد امتلأ ثوبى منه خيفة.
فقال الزهرى: فقلت: يا أمير المؤمنين، ليس علىّ بن الحسين حيث تظنّ، إنه لمشغول بنفسه. فقال: نعم.
وقيل: وقع حريق بالمدينة فى بيت فيه علىّ بن الحسين، فجعلوا يقولون: يا ابن رسول الله، النار! فما رفع رأسه حتى أطفئت، فقيل له: ما الذى ألهاك عنها؟ قال: ألهانى عنها النار الأخرى..
وقيل: كان إذا مشى لا تجاوز يده فخذيه، ولا يخطر بيده.
وكان إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له: مالك؟ فقال:
ما تدرون بين يدى من أقوم ومن أناجى.
قيل: وكان إذا توضّأ اصفرّ فيقول له أهله: ما هذا الذى يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: تدرون بين يدى من أريد أقوم؟
وعن سفيان بن عيينة قال: حجّ على بن الحسين، فلما أحرم واستوت به راحلته اصفرّ لونه وانتفض، ووقع عليه الرعدة، ولم يستطع أن يلبّى. فقيل له: ما لك لا تلبّى؟ فقال: أخشى أن أقول لبّيك، فيقول لى: لا لبّيك. فقيل له: لا بدّ من هذا. فلما لبّى غشى عليه، وسقط من راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجّه.
وقيل: كان رضى الله عنه يصلّى فى كلّ يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات رضى الله عنه.
وكان يسمّى بالمدينة زين العابدين لعبادته. وقيل: إنه قاسم الله ماله مرّتين، وكان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين فى ظلمة الليل، ويقول: إن الصّدقة فى ظلمة الليل تطفئ غضب الرّبّ.
وأعتق غلاما أعطاه به عبد الله بن جعفر عشرة آلاف درهم وألف دينار. قيل: وسكبت جارية عليه الماء ليتهيّأ للصلاة، فسقط الإبريق من يدها على وجهه، فشجّه، فرفع رأسه إليها، فقالت: إن الله عز وجل يقول «1» :
«وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ»
. قال: قد كظمت غيظى. قالت «2» :
. قال: قد عفا الله عنك. قالت «3» : وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» *
. قال: اذهبى فأنت حرّة.
قيل»
: وأذنب له غلام ذنبا استحقّ منه العقوبة، فأخذ السّوط.
فقال الغلام: «قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله» ، وما أنا كذلك، إنى لأرجو رحمة الله، وأخاف عذابه، فألقى السّوط، وقال: أنت عتيق.
وقيل: حجّ هشام بن عبد الملك فى زمن عبد الملك أو فى زمن الوليد، فلما طاف جهد أن يستلم الحجر فلم يطق لزحام الناس عليه، فنصب له منبر، وجلس ينظر إلى الناس، إذ أقبل علىّ بن الحسين رضى الله عنه من أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا، فطاف بالبيت، فكان كلما بلغ الحجر تنحّى الناس له حتى يستلمه. فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذى قد هابه الناس هذه المهابة؟ فقال هشام:
لا أعرفه- مخافة أن يرغب الناس فيه، وكان حوله وجوه أهل الشام، والفرزدق الشاعر، فقال الفرزدق: لكننى أنا أعرفه، فقال أهل الشام: من هذا يا أبا فراس؟ فزبره هشام، وقال:
لا أعرفه. فقال الفرزدق: بل تعرفه، ثم أنشد مشيرا إليه «2» :
[هذا سليل حسين وابن فاطمة
…
بنت الرسول الذى انجابت به الظّلم] «3»
هذا الذى تعرف البطحاء وطأته
…
والبيت يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلّهمو
…
هذا النّقى التّقىّ الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها
…
إلى مكارم هذا ينتهى الكرم
يرقى «1» إلى ذروة العزّ الذى قصرت
…
عن نيلها عرب الإسلام «2» والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته
…
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضى حياء ويغضى من مهابته
…
فلا يكلّم إلا حين يبتسم
بكفّه خيزران ريحها عبق
…
من كفّ أروع فى عرنينه شمم
من جدّه دان فضل الأنبياء له
…
وفضل أمته دانت له «3» الأمم
ينشقّ نور الهدى عن نور غرّته
…
كالشمس تنجاب عن إشراقها الظّلم «4»
مشتقة من رسول الله نبعته
…
طابت عناصرها والخيم والشّيم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله
…
بجدّه أنبياء الله قد ختموا
الله شرّفه قدما وفضّله
…
جرى بذاك له فى لوحه القلم
[فليس قولك من هذا بضائره
…
العرب تعرف من أنكرت والعجم] «1»
كلتا يديه غياث عمّ نفعهما
…
يستو كفان ولا يعروهما عدم «2»
حمّال أثقال أقوام إذا فدحوا
…
حلو الشمائل تحلو عنده نعم
لا يخلف الوعد ميمون نقيبته
…
رحب الفناء أريب حين يعتزم
من معشر حبّهم دين وبغضهمو
…
كفر وقربهمو منجى ومعتصم
إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمتهم
…
أو قيل من خير أهل الأرض قيل همو
لا يستطيع جواد بعد غايتهم
…
ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت
…
والأسد أسد الشّرى والبأس محتدم
لا ينقص العسر بسطا من أكفّهم
…
سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا
يستدفع السوء والبلوى بحبّهمو
…
ويستردّ به الإحسان والنعم
مقدّم بعد ذكر الله ذكرهمو
…
فى كل أمر ومختوم به الكلم
يأبى لهم أن يحلّ الذّلّ «1» ساحتهم
…
خيم كريم وأيد بالندى هضم
أىّ الخلائق ليست فى رقابهمو
…
لأوّليّة هذا أو له نعم
من يشكر الله يشكر أوليّة ذا
…
فالدّين من بيت هذا بابه الأمم
قال: فغضب هشام لذلك وتنغّص عليه يومه، وأمر بحبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة، وبلغ ذلك علىّ بن الحسين رضى الله عنه، فبعث إليه باثنى عشر ألف درهم، وقال: اعذر أبا فراس، لو كان عندنا أكثر من هذا لو صلناك بها، فردّها الفرزدق، وقال: ما قلت الذى قلت إلّا غضبا لله ولرسوله، وما كنت لأرزأ عليها شيئا، فردّها عليه، وقال: بحقّى عليك إلا قبلتها، فقد علمت أنّا أهل بيت إذا أنفذنا أمرا لا نرجع فيه،