الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر خروج صالح بن مسرح التميمى وشبيب بن يزيد بن نعيم الشيبانى
قال: كان صالح بن مسرّح «1» التميمى رجلا ناسكا مصفرّ الوجه صاحب عبادة، وكان بدارا وأرض الموصل والجزيرة، وله أصحاب يقرئهم القرآن والفقه، ويقصّ عليهم، فدعاهم إلى الخروج وإنكار المظالم وجهاد المخالفين لهم، فأجابوه إلى ذلك، فبينما هم فى ذلك إذ ورد عليهم «2» كتاب شبيب يقول [له] «3» : إنك كنت تريد الخروج، فإن كان ذلك من شأنك اليوم فأنت شيخ المسلمين، ولن نعدل بك أحدا، وإن أردت تأخير ذلك فأعلمنى؛ فإنّ الآجال غادية ورائحة، ولا آمن أن تختر منى المنيّة، ولم أجاهد الظّالمين.
فكتب إليه صالح: إنه لم يمنعنى من الخروج إلا انتظارك، فاخرج إلينا، فإنك ممن لا يستغنى عن رأيه، ولا تقضى دونه الأمور.
فلما قرأ شبيب كتابه دعا نفرا من أصحابه؛ منهم أخوه مصاد «4» ابن يزيد، والمحلّل «5» بن وائل اليشكرى وغيرهم «6» ، وخرج بهم
حتى قدم على صالح بدارا، فلما لقيه قال: اخرج بنا رحمك الله، فو الله ما تزداد السّنة إلّا دروسا، ولا يزداد المجرمون إلّا طغيانا.
فبثّ صالح رسله، وواعد أصحابه للخروج هلال صفر سنة [76 هـ] ست وسبعين، فاجتمعوا عنده ليلة الموعد، فسأله بعض أصحابه عن القتال؛ أيكون قبل الدعاء أو بعده؟ فقال: بل ندعوهم، فإنه أقطع لحجّتهم. فقال: كيف ترى فيمن قاتلنا فظفرنا بهم، ما تقول فى دمائهم وأموالهم؟ فقال: إن قاتلنا فغنمنا فلنا، وإن عفونا فموسّع علينا.
ثم وعظ أصحابه وأمرهم بأمره، وقال لهم: إن أكثركم رجّالة، وهذه دوابّ لمحمد بن مروان فابدءوا بها، فاحملوا عليها راجلكم وتقوّوا بها على عدوّكم.
فخرجوا تلك الليلة فأخذوا الدوابّ، وأقاموا بأرض دارا ثلاث عشرة ليلة، وتحصّن أهلها منهم وأهل نصيبين وسنجار «1» ، وكان خروجه فى مائة وعشرين، وقيل: وعشرة.
وبلغ ذلك محمد بن مروان وهو أمير الجزيرة يومئذ، فأرسل إليهم عدىّ بن عدىّ الكندى فى ألف، فسار من حرّان، وكأنّه يساق إلى الموت، وأرسل عدىّ إلى صالح يسأله أن يخرج من هذه البلد، ويعلمه أنه يكره قتاله. وكان عدىّ ناسكا. فأعاد صالح إليه:
إن كنت ترى رأينا خرجنا عنك. فأرسل إليه: إنى لا أرى رأيك، ولكنى أكره قتالك وقتال غيرك. فقال صالح لأصحابه: اركبوا،
فركبوا، وحبس الرسول «1» عنده ومضى. فأتى عديّا وهو يصلّى الضّحى، فلم يشعروا إلا والخيل فد طلعت عليهم، وهو على غير تعبئة، فحمل عليهم شبيب وهو على ميمنة صالح، وسويد بن سليم وهو على ميسرته؛ فانهزموا، وأتى عدىّ بدابّته فركبها، وانهزم. وجاء صالح فنزل فى معسكره، وأخذ ما فيه، ودخل أصحاب عدىّ على محمد ابن مروان فغضب على عدىّ. ثم دعا خالد بن جزء السلمى، فبعثه فى ألف وخمسمائة، وبعث الحارث بن جعونة «2» فى ألف وخمسمائة، وقال: اخرجا إلى هذه المارقة «3» ، وأغذّا السير، فأيّكما سبق فهو الأمير على صاحبه، فخرجا متساندين يسألان عن صالح؛ فقيل:
إنه نحو آمد «4» ، فقصداه، فوجّه صالح شبيبا فى شطر [من]«5» أصحابه إلى الحارث، وتوجّه هو نحو خلد، فالتقيا، واقتتلوا وقت العصر أشدّ قتال حتى أمسوا، وقد كثر الجراح فى الفريقين، فلما حال بينهما الليل خرج صالح وأصحابه، فساروا حتى قطعوا أرض الجزيرة والموصل، وانتهوا إلى الدّسكرة «6» .
فلما بلغ خبرهم الحجاج سرّح إليهم الحارث بن عميرة فى ثلاثة آلاف من أهل الكوفة، فلقيهم صالح فى تسعين رجلا، وذلك لثلاث