الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذى كنتم تتولّونه «1» ، فأيّهما المهتدى؟ وأيّهما المبطل؟ قالوا:
يا أعداء الله، رضينا بذاك إذ كان يتولّى أمرنا ونرضى بهذا. قالوا:
لا، والله، ولكنكم إخوان الشياطين وعبيد الدنيا.
قال: ولم يف عبد الملك لأحد بأصبهان، واستعمل قطن بن عبد الله الحارثى على الكوفة، ثم عزله، واستعمل أخاه بشر بن مروان.
واستعمل محمد بن عمير «2» على همذان، ويزيد بن ورقاء بن رؤيم على الرىّ، واستعمل خالد بن عبد الله بن [خالد بن]«3» أسيد على البصرة، وعاد إلى الشام.
ذكر خبر عبد الملك بن مروان وزفر بن الحارث وما كان بينهما من القتال وانتظام الصّلح بينهما
قد ذكرنا أن زفر بن الحارث لما فر من مرج راهط إلى قرقيسياء، واستولى عليها، وتحصّن بها، واجتمعت قيس عليه، وكان فى بيعة عبد الله بن الزبير وفى طاعته. فلما مات مروان بن الحكم وولى عبد الملك كتب إلى أبان بن عقبة بن أبى معيط، وهو على حمص، يأمره أن يسير إلى زفر، فسار إليه، وعلى مقدّمته عبد الله بن زميت الطائى، فواقع عبد الله زفر قبل وصول أبان فقتل من أصحابه ثلاثمائة، فلامه أبان على عجلته، وأقبل أبان فواقع زفر فقتل ابنه وكيع ابن زفر. فلما سار عبد الملك إلى العراق لقتال مصعب بدأ بقرقيسياء، فحضر زفر فيها، ونصب عليها المجانيق، فأمر زفر أن ينادى فى
عسكر عبد الملك: لم نصبتم المجانيق علينا؟ فقالوا: لنثلم ثلمة نقاتلكم «1» عليها. فقال زفر: قولوا لهم: فإنا لانقاتلكم من وراء الحيطان، ولكنا نخرج إليكم. وقاتلهم زفر.
وكان خالد بن يزيد بن معاوية مجدّا فى قتال زفر، فقال رجل من أصحابه من بنى كلاب: لأقولن لخالد كلاما لا يعود إلى ما يصنع.
فلما كان الغد خرج خالد للمحاربة فقال له الكلابى:
ماذا ابتغاء خالد وهمّه
…
إذ سلب الملك و
…
أمه
فاستحيا وعاد، ولم يعد لقتالهم.
وقالت كلب لعبد الملك: إنا إذا لقينا زفر انهزمت القيسيّة الذين معك، فلا تخلطهم معنا. ففعل. فكتبت القيسية على نبلها: إنه ليس يقاتلكم غدا مضرى، ورموا النّبل إلى زفر. فلما أصبح دعا ابنه الهذيل فقال: اخرج إليهم، فشدّ عليهم، ولا ترجع حتى تضرب فسطاط عبد الملك، وأقسم لئن رجع دون أن يفعل ذلك ليقتلنّه.
فجمع الهذيل خيله، وحمل، فصبروا قليلا ثم انكشفوا، وتبعهم الهذيل بخيله حتى وطئوا أطناب الفسطاط، وقطعوا بعضها، ثم رجعوا. فقبّل زفر رأس ابنه الهذيل. فقال: والله لو شئت أن أدخل الفسطاط لفعلت.
قال: وكان رجل من كلب يقال له الذيّال يخرج فيسبّ زفر فيكثر، فقال زفر للهذيل ابنه أو لبعض أصحابه: أما تكفينى هذا؟
قال: أنا آتيك به، فدخل عسكر عبد الملك ليلا، فجعل ينادى
من يعرف بغلا من صفته كذا وكذا؟ حتى انتهى إلى خباء الرجل.
فقال الرجل: ردّ الله عليك ضالّتك. فقال: يا عبد الله، إنى قد أعييت، فلو أذنت لى فاسترحت قليلا. قال: ادخل، فدخل، والرجل وحده فى خبائه، فرمى بنفسه، ونام صاحب الخباء، فقام إليه فأيقظه، وقال: والله، لئن تكلمت لاقتلنّك، قتلت أو سلمت، فماذا ينفعك قتلى إذا قتلت أنت؛ ولئن سكت وجئت معى إلى زفر فلك عهد الله وميثاقه أن أردّك إلى عسكرك بعد أن يصلك زفر ويحسن إليك، فخرجا وهو ينادى: من دلّ على بغل من صفته كذا وكذا حتى أتى زفر.
والرجل معه، فأعلمه أنّه قد أمّنه، فوهبه «1» زفر دنانير وحمله على رحال النساء وألبسه ثيابهنّ، وبعث معه رجالا حتى دنوا من عسكر عبد الملك، فنادوا: هذه جارية قد بعث بها زفر إلى عبد الملك، وانصرفوا! فلما رآه أهل العسكر عرفوه، وأخبروا عبد الملك الخبر فضحك، وقال: لا يبعد الله رجال مضر، والله إنّ قتلهم لذلّ، وإن تركهم لحسرة.
وكفّ الرجل فلم يعد يسبّ زفر.
وقيل: إنه هرب من العسكر، ثم أمر عبد الملك أخاه محمدا أن يعرض على زفر وابنه الهذيل الأمان على أنفسهما ومن معهما وأن يعطيا ما أحبّا. ففعل ذلك، فأجابا على أنّ لزفر الخيار فى بيعته سنة، وأن يترك حيث شاء، وألا يعين عبد الملك على قتال ابن الزبير.
فبينما الرسل تختلف بينهم إذ جاء رجل من كلب، فقال: قد هدم من المدينة أربعة أبراج، فقال عبد الملك: لا أصالحهم،
وزحف إليهم، فهزموا أصحابه حتى أدخلوهم عسكرهم، فقال:
أعطوهم ما أرادوا. قال زفر: لو كان قبل هذا لكان أحسن، واستقرّ الصلح على أمان الجميع، ووضع الدماء والأموال، وألّا يبايع عبد الملك حتى يموت ابن الزّبير للبيعة التى له فى عنقه، وأن يعطى مالا يقسّمه فى أصحابه، وخاف زفر أن يغدر به عبد الملك كما غدر بعمرو بن سعيد، فلم ينزل إليه، فأرسل إليه بقضيب النبى صلى الله عليه وسلم أمانا له، فنزل إليه، فلما دخل عليه أجلسه معه على سريره، فلما رأى عبد الملك قلّة من مع زفر قال: لو علمت بأنه فى هذه القلّة لحاصرته أبدا حتى نزل على حكمى، فبلغ قوله زفر فقال: إن شئت رجعنا ورجعت.
قال: بل نفى لك يا أبا الهذيل.
وأمر زفر ابنه الهذيل أن يسير مع عبد الملك إلى قتال مصعب، وقال: أنت لا عهد عليك، فسار معه، فلما قارب مصعبا هرب إليه، وقاتل مع ابن الأشتر. فلما قتل ابن الأشتر اختفى الهذيل فى الكوفة حتى استؤمن له من عبد الملك فأمّنه.
قال: وتزوّج مسلمة بن عبد الملك الرّباب بنت زفر فكان يؤذن لإخوتها: الهذيل والكوثر فى أول الناس.
وفى هذه السنة، أعنى سنة [71 هـ] إحدى وسبعين، افتتح عبد الملك قيساريّة «1» فى قول الواقدى رحمه الله.