الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر خروج مطرف بن المغيرة ابن شعبة ومقتله
كان خروجه وقتله فى سنة [77 هـ] سبع وسبعين، وذلك أنه لما قدم الحجّاج العراق استعمل أولاد المغيرة على أعماله لشرفهم ومنزلتهم من قومهم، واستعمل عروة [بن المغيرة]«1» على الكوفة، ومطرّفا على المدائن، وحمزة على همذان، فكانوا على أعمالهم أحسن الناس سيرة، وأشدّهم على المريب، وكان المطرّف على المدائن لما خرج شبيب، وقد ذكرنا أن المطرّف أرسل يستدعى منه أن يسيّر إليه من أصحابه من يدارسه ويسمع منه، وأنه سيّر إليه جماعة، ولم يحصل بينهم اتّفاق، وكان ممّا تكلّموا فيه أنّ المطرّف سألهم عما يدعون إليه، فقالوا: ندعو إلى كتاب الله وسنة رسوله، وأنّ الذى نقمنا على «2» قومنا الاستئثار بالفىء وتعطيل الحدود والتسلّط بالجبرية، فقال لهم مطرّف: ما دعوتم إلا إلى حق، وما نقمتم إلّا جورا ظاهرا، أنا لكم متابع «3» ، فبايعونى «4» على ما أدعوكم إليه: أن نقاتل هؤلاء الظّلمة على أحداثهم، وندعوهم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم، وأن يكون هذا الأمر شورى بين المسلمين، يؤمّرون من يرضون «5» على مثل الحال التى تركهم عليها عمر بن الخطاب،
فإنّ العرب إذا علمت أنها إنما يراد بالشورى الرضا من قريش رضوا وكثر تبعكم وأعوانكم.
فقالوا: هذا مالا نجيبك إليه، وفارقوه، وأحضر مطرّف نصحاءه «1» وثقاته، فذكر لهم ظلم الحجاج وعبد الملك، وأنه ما زال يؤثر مخالفتهم ومناهضتهم، وأنه يرى ذلك دينا لو وجد عليه أعوانا، وذكر لهم ما جرى بينه وبين أصحاب شبيب، وأنهم لو تابعوه على رأيه لخلع عبد الملك والحجاج، واستشارهم فيما يفعل.
فقالوا له: أخف هذا الكلام ولا تظهره لأحد. فقال له يزيد ابن أبى زياد مولى أبيه: والله لا يخفى على الحجاج مما كان بينك وبينهم كلمة واحدة وليزادن على كل كلمة عشر أمثالها، ولو كنت فى السحاب «2» لا لتمسك الحجاج حتى يهلكك، فالنّجاء النّجاء.
فوافقه أصحابه على ذلك، فسار عن المدائن نحو الجبال، ثم دعا أصحابه الذين لم يعلموا بحاله إلى ما عزم عليه، فبايعه بعضهم، ورجع عنه بعضهم، وسار نحو حلوان وبها سويد بن عبد الرحمن السعدى من قبل الحجاج، [فأراد هو والأكراد منعه ليعذر عند الحجاج]«3» ، فأوقع مطرّف بالأكراد فقتل منهم، وسار.
فلما دنا من همذان وبها أخوه حمزة بن المغيرة تركها ذات اليسار، وأرسل إلى أخيه حمزة يستمدّه بالمال والسلاح، فأرسل إليه ما طلب
سرّا، وسار مطرّف حتى بلغ قمّ «1» وقاشان، وبعث عماله على تلك النواحى، وأتاه الناس.
وكان ممّن أتاه سويد بن سرحان الثقفى، وبكير بن هارون النّخعى «2» ، من الرىّ فى نحو مائة رجل، وكتب البراء بن قبيصة- وهو عامل الحجاج على أصفهان- إليه يعرّفه حال المطرّف ويستمدّه، فأمدّه بالرجال بعد الرجال على دوابّ البريد.
وكتب الحجّاج إلى عدىّ بن زياد «3» عامل الرىّ يأمره بقصد مطرّف، وأن يجتمع هو والبراء على محاربته، فسار عدىّ من الرّىّ واجتمع هو والبراء وعدى الأمير، واجتمعوا فى نحو ستة آلاف مقاتل.
وكان حمزة بن المغيرة قد أرسل إلى الحجاج يعتذر، فأظهر قبول عذره، وأراد عزله وخاف أن يمتنع عليه، فكتب إلى قيس بن سعد العجلى، وهو على شرطة حمزة بعهده على همذان، ويأمره أن يقبض على حمزة ابن المغيرة؛ فسار قيس بن سعد إلى حمزة فى جماعة من عشيرته فأقرأه العهد بولايته، وكتاب الحجّاج بالقبض عليه، فقال:
سمعا وطاعة. فقبض قيس عليه وسجنه، وسار عدىّ والبراء نحو مطرّف فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم أصحاب مطرّف وقتل هو وجماعة كثيرة من أصحابه، قتله عمر «4» بن هبيرة الفزارى، وكان الحجاج يقول: إن مطرّفا ليس بولد المغيرة بن شعبة، إنما هو