الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دابّة فشجّته، وهو غلام، فدخل على أمه فضمّته إليها ولامت أباه حيث لم يجعل معه حاضنا «1» . فقال لها عبد العزيز: اسكتى يا أمّ عاصم، فطوبى له إن كان أشجّ بنى أميّة.
وكان عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما يقول: يا ليت شعرى، من هذا الذى من ولد عمر فى وجهه علامة يملأ الدنيا عدلا؛ فكان عمر بن عبد العزيز؛ لأنّ أمّه ابنة عاصم بن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنهم أجمعين.
ذكر نبذة من سيرته رضى الله عنه
كان رحمه الله ورضى عنه قد بثّ العدل ونشره فى الدنيا واقتصر من دنياه على سدّ الخلّة «2» حتى إنّ مسلمة بن الملك عاده فى مرض موته، فرأى عليه قميصا دنسا «3» ، فقال لأخته فاطمة، وهى زوجة عمر: اغسلوا ثياب أمير المؤمنين. فقالت: نفعل. ثم عاده فرأى الثّوب بحاله، فقال: ألم آمركم أن تغسلوا قميصه. فقالت: والله ما له غيره، وكانت نفقته فى كل يوم درهمين.
قال: ولما ولى الخلافة أتاه أصحاب مراكب الخلافة يطلبون علفها، فأمر بها فبيعت، وجعل ثمنها فى بيت المال، وقال: بغلتى هذه تكفينى.
قال: ولما ولى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس،
من صحبنا فليصحبنا لخمس «1» ، وإلّا فلا يقربنا: يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها، ويعيننا على الخير بجهده، ويدلّنا على ما لا نهتدى إليه من الخير، ولا يغتابنّ أحدا، ولا يعترض فيما لا يعنيه.
فانقشع الشعراء والخطباء، وثبت عنده الفقهاء والزّهّاد، وقالوا:
ما يسعنا أن نفارق هذا الرجل حتى يخالف قوله فعله.
ولما ولى أحضر قريشا ووجوه الناس فقال: إنّ فدك «2» كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم [فكان]«3» يضعها حيث أراه الله، ثم وليها أبو بكر كذلك، وعمر كذلك، ثم أقطعها مروان.
ثم إنها صارت لى، ولم يكن من مالى أعود علىّ منها، وإنى أشهدكم أنى قد رددتها على ما كانت عليه فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فيئس الناس من الظّلم.
وأخذ من أهله ما بأيديهم، وسمّى ذلك مظالم، ففزع بنو أمية إلى عمّته فاطمة بنت مروان فأتته، فقالت [له] «4» : تكلّم أنت يا أمير المؤمنين. قال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة «5» ، ثم اختار له ما عنده، وترك للناس نهرا شربهم سواء، ثم ولى أبو بكر فترك النهر على حاله، ثم ولى عمر فعمل عملهما، ثم لم يزل النهر يستقى منه يزيد
ومروان، وعبد الملك ابنه، والوليد وسليمان ابنا عبد الملك، حتى أفضى الأمر إلىّ، وقد يبس النهر الأعظم، فلن يروى «1» أصحابه حتى يعود إلى ما كان عليه.
فقالت: حسبك [قد أردت كلامك «2» ] ، فأما إذا كانت مقالتك هذه فلا أذكر شيئا أبدا، ورجعت إليهم فأخبرتهم بكلامه.
وقد قيل: إنها قالت له: إن بنى أميّة كذا وكذا- ذكرت إنكارهم لفعله بهم- فلما تكلم بهذا قالت له: إنهم يحذّرونك يوما من أيامهم، فغضب وقال: كل يوم أخافه غير يوم القيامة؛ فلا أمّننى «3» الله شرّه.
فرجعت إليهم فأخبرتهم وقالت: أنتم فعلتم هذا بأنفسكم، تزوجتم بأولاد عمر بن الخطاب، فجاء يشبه جدّه، فسكتوا.
قالت فاطمة امرأة عمر: دخلت عليه فى مصلّاه ودموعه تجرى على لحيته، فقلت: أحدث شىء؟ قال: إنى تقلّدت أمر أمّة محمد صلى الله عليه وسلم، فتفكرت فى الفقير الجائع، والمريض الضائع والعارى «4» والمظلوم والمقهور «5» ، والغريب والأسير، والشيخ الكبير وذى العيال الكثير والمال القليل وأشباههم فى أقطار الأرض، فعلمت أنّ ربى سيسألنى عنهم يوم القيامة، وأنّ خصمى دونهم محمد صلّى الله
عليه وسلّم، فخشيت ألّا تثبت حجّتى عند الخصومة، فرحمت نفسى فبكيت.
وكتب إلى عمّاله نسخة واحدة: أما بعد فإنّ الله عز وجل أكرم بالإسلام أهله، وشرّفهم وأعزّهم، وضرب الذّلّة والصّغار على من خالفهم، وجعلهم خير أمّة أخرجت للناس، فلا تولّينّ أمر «1» المسلمين أحدا من أهل ذمتهم وخراجهم، فتنبسط عليهم أيديهم وألسنتهم فتذلّهم بعد أن أعزّهم الله، وتهينهم بعد أن أكرمهم الله، وتعرّضهم لكيدهم والاستطالة عليهم، ومع هذا فلا يؤمن غشّهم إياهم، فإنّ الله عز وجل يقول «2» :«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ»
. وقال تعالى «3» : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ»
. والسلام.
وكتب لما ولى الخلافة إلى يزيد بن المهلب بن أبى صفرة، وهو إذ ذاك يلى العراق وخراسان:
أما بعد فإنّ سليمان كان عبدا من عبيد الله، أنعم الله عليه ثم قبضه، واستخلفنى ويزيد بن عبد الملك من بعدى إن كان، وإن الذى ولّانى الله من ذلك وقدرّ لى ليس علىّ بهيّن، ولو كانت رغبتى فى اتخاذ أزواج واعتقاد «4» أموال لكان فى الذى أعطانى الله من ذلك ما قد بلغ بى أفضل ما بلغ بأحد من خلقه، وأنا أخاف فيما ابتليت به حسابا شديدا
ومسألة غليظة إلّا ما عافى «1» الله ورحم، وقد بايع من قبلنا فبايع من قبلك.
فلما قرأ الكتاب قيل له: لست من عمّاله، لأن كلامه ليس ككلام من مضى من أهله.
وكتب إلى عبد الرحمن بن نعيم:
أما بعد فاعمل عمل من يعلم أنّ الله لا يصلح عمل المفسدين.
وكتب إلى سليمان بن أبى السرى: أن اعمل خانات، فمن مرّ بك من المسلمين فاقروه يوما وليلة، وتعهّدوا دوابّهم. ومن كانت به علة فاقروه يومين وليلتين، وإن كان منقطعا [به]«2» فأبلغه بلده.
فلما أتاه كتاب عمر قال له أهل سمرقند: إنّ قتيبة ظلمنا وغدر بنا، وأخذ بلادنا، وقد أظهر الله العدل والإنصاف فأذن لنا فليقدم منا وفد على أمير المؤمنين، فأذن لهم، فوجّهوا وفدا إلى عمر، فكتب إلى سليمان: إنّ أهل سمرقند شكوا ظلما وتحاملا من قتيبة عليهم حتى أخرجهم من أرضهم، فإذا أتاك كتابى فأجلس لهم القاضى فلينظر فى أمرهم، فإن قضى لهم فأخرج العرب إلى معسكرهم كما كانوا قبل أن يظهر عليهم قتيبة.
فأجلس لهم سليمان جميع بن حاضر القاضى، فقضى أن تخرج العرب إلى معسكرهم وينابذوهم على سواء، فيكون صلحا جديدا
أو ظفرا عنوة. فقال أهل الصّغد: نرضى بما كان ولا نحدث شيئا «1» وتواصوا بذلك.
وكتب إلى عبد الحميد: أما بعد فإنّ أهل الكوفة أصابهم بلاء وشدة وجور فى أحكام الله؛ وسنّة خبيثة سنّها عليهم عمّال السوء، وإن قوام الدّين العدل والإحسان، فلا يكوننّ [شىء]«2» أهمّ إليك من نفسك؛ فإنه لا قليل من الإثم «3» ، ولا تحمل خرابا على عامر، وخذ منه ما أطاق؛ وأصلحه حتى يعمر، ولا يؤخذن من العامر إلا وظيفة الخراج فى رفق وتسكين لأهل الأرض، ولا تأخذنّ أجور الضرابين ولا هديّة النوروز والمهرجان؛ ولا ثمن الصحف ولا أجور الفيوج «4» ولا أجور البيوت؛ ولا دراهم النكاح؛ ولا خراج على من أسلم من أهل الأرض، فاتّبع فى ذلك أمرى، فإنى قد ولّيتك من ذلك ما ولّانى الله، ولا تعجل دونى بقطع ولا صلب حتى تراجعنى فيه، وانظر من أراد من الذريّة أن يحج فعجّل له مائة ليحجّ بها. والسلام.
قال محمد بن [على]«5» الباقر: إن لكل قوم نجيبة، وإن نجيبة بنى أمية عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده.
وقال مجاهد: أتينا عمر نعلّمه؛ فلم نبرح حتى تعلّمنا منه «6» .