الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر دخول أبى حمزة المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام
قال: ودخل أبو حمزة المدينة فى ثالث [عشر]«1» صفر، ومضى عبد الواحد إلى الشام.
ولما دخل أبو حمزة رقى المنبر فخطب، وقال: يأهل المدينة، مررت زمان الأحول- يعنى هشام بن عبد الملك- وقد أصاب ثماركم عاهة، فكتبتم إليه تسألونه أن يضع عنكم خرصكم «2» . ففعل فزاد الغنىّ غنى والفقير فقرا، فقلتم له: جزاك الله خيرا، فلا جزاكم الله خيرا، ولا جزاه. واعلموا يأهل المدينة أنّا لم نخرج من ديارنا أشرا ولا بطرا، ولا عبثا ولا لدولة [ملك]«3» نريد أن نخوض فيه «4» ولا لثأر قديم نيل منا، ولكنا لمّا رأينا مصابيح الحقّ قد عطّلت، وعنّف القائل بالحق، وقتل القائم بالقسط- ضاقت علينا الأرض بما رحبت، وسمعنا داعيا يدعو إلى طاعة الرحمن وحكم القرآن، فأجبنا داعى الله، ومن لا يجب داعى الله فليس بمعجز فى الأرض؛ فأقبلنا من قبائل شتّى، ونحن قليلون مستضعفون فى الأرض.
فآوانا وأيّدنا بنصره، فأصبحنا بنعمته إخوانا.
ثم لقينا رجالكم فدعوناهم إلى طاعة الرحمن، وحكم القرآن، فدعونا إلى طاعة الشيطان وحكم بنى مروان، فشتّان- لعمر الله- ما بين الغىّ والرّشد. ثم أقبلوا يهرعون قد ضرب الشيطان فيهم بجرانه،
وغلت بدمائهم مراجله، وصدق عليهم ظنّه، وأقبل أنصار الله تعالى [كتائب]«1» بكلّ مهنّد ذى رونق، فدارت رحانا، واستدارت رحاهم بضرب يرتاب منه المبطلون.
وأنتم يأهل المدينة إن تنصروا مروان وآل مروان يسحتكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا، ويشف صدور قوم مؤمنين.
يأهل المدينة؛ أوّلكم خير أول، وآخركم شرّ آخر، يأهل المدينة، أخبرونى عن ثمانية أسهم فرضها الله تعالى فى كتابه على القوىّ والضعيف، فجاء تاسع ليس له فيها سهم، فأخذها لنفسه مكابرا محاربا ربّه.
يأهل المدينة، بلغنى أنكم تنتقصون أصحابى، قلتم: شباب أحداث، وأعراب جفاة، ويحكم وهل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شبابا أحداثا، شباب والله «2» ، إنهم مكتهلون فى شبابهم، غضّة عن الشرّ أعينهم، ثقيلة عن الحقّ أقدامهم.
قال: وأحسن السيرة مع أهل المدينة، واستمال الناس حتى سمعوه يقول: من زنى فهو كافر، من سرق فهو كافر، ومن شكّ فى كفرهما فهو كافر.
وأقام أبو حمزة بالمدينة ثلاثة أشهر، ثم ودّعهم، وقال: يأهل المدينة؛ إنّا خارجون إلى مروان، فإن نظفر نعدل فى أحكامكم ونحملكم على سنّة نبيكم، وإن يكن ما تتمنّون فسيعلم الذين ظلموا أىّ منقلب ينقلبون.