الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتّابه: سعيد بن الوليد، والأبرش الكلبى، ومحمد بن عبد الله ابن حارثة.
قاضيه: محمد بن صفوان الجمحى.
حاجبه: غالب مولاه الأمراء بمصر: محمد بن عبد الملك أخوه، ثم استعفاه فولّاها [بعده أنس بن يوسف بن يحيى بن الحكم بن العاص، ثم استعفى فولاها]«1» حفص بن الوليد الحضرمى، ثم صرفه وولّاها عبد الملك ابن رفاعة، ثم مات فولّاها أخاه الوليد بن رفاعة، ثم مات فولّاها عبد الرحمن بن خالد التميمى «2» ، ثم صرفه وولّاها حنظلة بن صفوان، ثم سيّره إلى إفريقية، وولى حفصا.
وكان على قضائها من قبل هشام يحيى بن ميمون الحضرمىّ إلى أن وليها الوليد بن رفاعة فصرفه، وولّاها أبا نضلة الخيار ابن خالد، ثم مات فولى سعيد بن ربيعة الصّدفى، واستعفى، فولى توبة بن يمين «3» الحضرمى، ثم مات فولّاها جبر «4» بن نعيم الحضرمى.
ذكر بيعة الوليد بن يزيد
هو أبو العباس الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، وأمه أمّ الحجاج بنت محمد بن يوسف [أخى الحجاج بن يوسف]«5» الثقفى، وهو الحادى عشر من ملوك بنى أمية.
بويع له لستّ مضين من شهر ربيع الآخر سنة [125 هـ] خمس وعشرين ومائة.
قال: وكان يزيد قد جعل ولاية العهد لأخيه هشام من بعده، ثم من بعده للوليد، وكان عمر الوليد إحدى عشرة سنة، ثم عاش يزيد حتى بلغ الوليد خمس عشرة سنة، فكان [يزيد] «1» يقول:
الله بينى وبين من جعل هشاما بينى وبينك «2» .
فلما ولى هشام أكرم الوليد بن يزيد حتى ظهر من الوليد مجون واشتهر بشرب الشراب، وكان يؤدّبه عبد الصمد بن عبد الأعلى يحمله على ذلك، واتّخذ له ندماء، فأراد هشام أن يقطعهم عنه، فولّاه الحج سنة [116 هـ] ست عشرة ومائة، فحمل معه كلابا فى صناديق، وعمل قبّة على قدر الكعبة ليضعها على الكعبة، وحمل معه الخمر، وأراد أن ينصب القبّة على الكعبة ويشرب فيها الخمر، فخوّفه أصحابه، وقالوا: لا نأمن الناس عليك وعلينا معك، فلم يفعل.
وظهر للناس منه تهاون بالدّين واستخفاف، فطمع هشام فى البيعة لابنه مسلمة «3» ، وخلع الوليد، وأراد الوليد على ذلك فأبى، فقال له:
اجعله بعدك، فأبى؛ فتنكّر له هشام، وعمل سرّا فى البيعة لابنه مسلمة، فأجابه قوم، فكان ممن أجابه خالاه: محمد، وإبراهيم ابنا هشام ابن إسماعيل، وبنو القعقاع بن خليد العبسى وغيرهم من خاصّته.
وأفرط الوليد فى الشراب، وطلب اللذات؛ فقال له هشام: يا وليد،
والله ما أدرى أعلى الإسلام أنت أم لا؟ ما تدع شيئا من المنكر إلّا أتيته غير متحاش؛ فكتب إليه الوليد «1» :
يأيّها السائل عن ديننا
…
نحن على دين أبى شاكر
نشربها صرفا وممزوجة
…
بالسّخن أحيانا وبالفاتر
فغضب هشام على ابنه مسلمة، وكان يكنى أبا شاكر، وقال له:
يعيرنى الوليد بك، وأنا أرشّحك للخلافة. فألزمه الأدب، وأحضره الجماعة، وولّاه الموسم سنة تسع عشرة ومائة، فأظهر النّسك واللّين، وقسم بمكة والمدينة أموالا، فقال مولى لأهل المدينة:
يأيّها السائل عن ديننا
…
نحن على دين أبى شاكر
الواهب الجرد «2» بأرسانها
…
ليس يزنديق ولا كافر
يعرض بالوليد.
وكان هشام ينتقص الوليد ويعيبه، فخرج الوليد ومعه ناس من خاصّته ومواليه، فنزل بالأزرق على ماء يقال له الأغدف، وخلف كاتبه عياض بن مسلم عند هشام ليكاتبه بما عندهم.
وقطع هشام عن الوليد ما كان يجرى عليه، وكاتبه فيه الوليد فلم يجبه إلى ردّه، وأمره بإخراج عبد الصمد من عنده، فأخرجه وسأله أن يأذن لابن سهيل فى الخروج إليه، فضرب هشام ابن سهيل وسيّره إليه، وأخذ عياض بن مسلم كاتب الوليد فضربه وحبسه.
فقال الوليد: من يثق بالناس، ومن يصنع المعروف؟ هذا الأحول
المشئوم أبى، قدّمه على أهل بيته فصيّره ولىّ عهده، ثم يصنع [بى]«1» ما ترون، لا يعلم أنّ لى فى أحد هوى إلا عبث به.
وكتب إلى هشام فى ذلك يعاتبه، ويسأله أن يردّ عليه كاتبه. فلم يردّه، فكتب إليه الوليد «2» :
رأيتك تبنى دائما «3» فى قطيعتى
…
ولو كنت ذا حزم «4» لهدّمت ما تبنى
تثير على الباقين مجنى ضغينة
…
فويل لهم إن متّ من شرّ ما تجنى
كأنى بهم والليت أفضل قولهم
…
ألا ليتنا والليت إذ ذاك لا يغنى
كفرت يدا من منعم لو شكرتها
…
جزاك بها الرحمن ذو الفضل والمنّ
قال، ولم يزل الوليد مقيما بتلك البريّة حتى مات هشام، فلما كان صبيحة اليوم الذى جاءته فيه الخلافة قال لأبى الزّبير المنذر بن أبى عمرو:
ما أتت علىّ ليلة منذ عقلت عقلى أطول من هذه الليلة، عرضت لى أمور، وحدّثت نفسى فيها بأمور من أمر هذا الرجل- يعنى هشاما- قد «5» أولع بى، فاركب بنا نتنفّس، فركبا فسارا ميلين، ووقف على كثيب، فنظر إلى رهج «6» ، فقال: هؤلاء رسل هشام، نسأل الله من خيرهم؛ إذ بدا رجلان على البريد: أحدهما مولى لأبى محمد السّفيانى، فلما قربا نزلا يعدوان حتى دنوا منه، فسلّما عليه بالخلافة،
فوجم، ثم قال: أمات هشام؟ قالا: نعم والكتاب معنا من سالم ابن عبد الرحمن صاحب ديوان الرسائل. فقرأه؛ وسأل مولى أبى محمد السّفيانى عن كاتبه عياض، فقال «1» : لم يزل محبوسا حتى نزل بهشام الموت، فأرسل إلى الخزّان فقال: احتفظوا بما فى أيديكم، فأفاق هشام فطلب شيئا فمنعوه، فقال: إنا لله، كنا خزّانا للوليد، ومات من ساعته.
وخرج عياض من السجن، فختم أبواب الخزائن، وأنزل هشاما عن فرشه وما وجدوا له قمقما يسخّن فيه الماء حتى استعاروه، ولا وجدوا له كفنا من الخزائن، فكفّنه غالب مولاه، فقال الوليد «2» :
هلك الأحول المشو
…
م فقد أرسل المطر
وملكنا من بعد ذا
…
ك، فقد أورق الشجر
فاشكر الله إنّه
…
زائد كلّ من شكر
وقيل: إنّ هذا الشعر لغير الوليد.
قال: ولما سمع الوليد بموته كتب إلى العباس بن عبد الملك ابن مروان أن يأتى الرّصافة فيحصى ما فيها من أموال هشام وولده وعماله وحشمه إلّا مسلمة بن هشام فإنه كان يكلم أباه فى الرفق بالوليد، فقدم العباس الرّصافة ففعل ذلك وكتب به إلى الوليد، فقال الوليد «3» :
ليت هشاما كان حيّا يرى
…
محلبه الأوفر قد أترعا
ليت «1» هشاما عاش حتى يرى
…
مكياله الأوفر قد طبّعا «2»
كلناه بالصّاع الذى كاله «3»
…
وما ظلمناه به إصبعا «4»
وما أتينا ذاك عن بدعة
…
أحلّه الفرقان لى أجمعا
وضيّق الوليد على أهل هشام وأصحابه، واستعمل العمّال، وكتب إلى الآفاق بأخذ البيعة، فجاءته بيعتهم.
قال: ولما ولى الوليد أجرى على زمنى أهل الشام وعميانهم وكساهم، وأمر لكل إنسان منهم بخادم، وأخرج لعيالات الناس الكسوة والطّيب، وزادهم؛ وزاد الناس فى العطاء عشرات؛ ثم زاد أهل الشام بعد العشرات عشرة عشرة، وزاد الوفود، ولم يقل فى شىء يسأله: لا.
وفى هذه السنة، عقد الوليد البيعة لابنيه: الحكم، وعثمان من بعده، وكتب بذلك إلى الأمصار، وجعل الحكم مقدما والآخر من بعده.
وفيها استعمل الوليد خالد بن يوسف بن محمد بن يوسف الثقفى على المدينة ومكة والطائف، ودفع إليه محمدا وإبراهيم ابنى هشام ابن إسماعيل المخزومى موثقين فى عباءتين؛ فقدم بهما المدينة فى شعبان، فأقامهما للناس، ثم حملا إلى الشام، فأحضرا عند الوليد، فأمر، بجلدهما، فقال محمد: نسألك القرابة. قال: وأىّ قرابة بيننا!
قال: فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بسوط إلّا فى حد. قال: ففى حدّ أضربك وقود، أنت أوّل من فعل بالعرجى وهو ابن عمى؛ وابن أمير المؤمنين عثمان- وكان محمد قد أخذه وقيّده وأقامه للناس وجلده، وسجنه إلى أن مات بعد تسع سنين لهجاء العرجى «1» إياه، ثم أمر به الوليد فجلد هو وأخوه إبراهيم ثم أوثقهما، وبعث بهما إلى يوسف بن عمر، وهو على العراق فعذّبهما حتى ماتا.
وفيها عزل الوليد سعد بن إبراهيم عن قضاء المدينة، وولّى القضاء يحيى بن سعيد الأنصارى.
وفيها خرجت الروم إلى زبطرة «2» وهو حصن قديم كان افتتحه حبيب بن مسلمة الفهرى، فأخربه الروم الآن فبنى بناء غير محكم، فعاد الروم وأخربوه أيام مروان بن محمد ثم بناه الرشيد وشحنه بالرجال.
فلما كانت خلافة المأمون طرقه الروم فشعّثوه، فأمر المأمون بمرمّته وتحصينه، ثم قصده الروم بعد ذلك أيام المعتصم.
وفيها أغزى الوليد أخاه الغمر بن يزيد، وأمّر على جيش البحر الأسود بن بلال المحاربى، وسيّره إلى قبرس ليخيّر أهلها بين المسير إلى الشام أو إلى الروم، فاختارت طائفة جوار المسلمين، فسيّرهم إلى الشام، واختار آخرون الروم فسيّرهم إليهم.