الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر خلاف أهل فلسطين
وفى هذه السنة وثب أهل فلسطين على عاملهم سعيد بن عبد الملك فطردوه، وكان الوليد قد استعمله عليهم، فأحضروا يزيد بن سليمان بن عبد الملك فجعلوه عليهم، فدعا الناس إلى قتال يزيد، فأجابوه إلى ذلك؛ وبلغ أهل الأردن أمر أهل فلسطين، فولّوا عليهم محمد بن عبد الملك، واجتمعوا «1» معهم على قتال يزيد ابن الوليد، فبعث يزيد إليهم سليمان بن هشام بن عبد الملك فى أهل دمشق وأهل حمص الذين كانوا مع السفيانى، وعدّتهم أربعة آلاف ونيّف، فبايع الناس ليزيد، واستعمل ضبعان «2» بن روح على فلسطين وإبراهيم بن الوليد بن عبد الملك على الأردن.
ذكر عزل يوسف بن عمر عن العراق وما كان من أمره، واستعمال منصور بن جمهور
وفى هذه السنة عزل يزيد بن الوليد يوسف بن عمر عن العراق، واستعمل منصور بن جمهور، وقال له لمّا ولّاه العراق: اتّق الله واعلم أنى إنما قتلت الوليد لفسقه، ولما أظهر من الجور، فلا تركب مثل ما قتلناه عليه. فسار حتى إذا بلغ عين «3» التّمر كتب إلى من بالحيرة من قوّاد أهل الشام يخبرهم بقتل الوليد وتأميره على العراق ويأمرهم بأخذ يوسف وعماله، وبعث بالكتب
كلّها إلى سليمان بن سليم بن كيسان ليفرقها على القوّاد، فحبس الكتب؛ وحمل كتابه فأقرأه يوسف بن عمر، فتحيّر فى أمره، وقال: ما الرّأى يا سليمان؟ قال: ليس لك إمام تقاتل معه، ولا يقاتل أهل الشام معك، ولا آمن عليك منصورا. وما الرأى إلّا أن تلحق بشامك.
قال: فكيف الحيلة؟ قال: تظهر الطاعة ليزيد وتدعو له فى خطبتك؛ فإذا قرب منصور تستخفى عندى وتدعه والعمل.
ثم مضى سليمان إلى عمرو بن محمد بن سعيد بن العاص، فأخبره بالأمر، وسأله أن يؤوى «1» يوسف بن عمر عنده، ففعل، فانتقل يوسف إليه، فلم «2» ير رجل كان مثل عتوّه خاف مثل خوفه.
وقدم منصور الكوفة فحضّهم وذمّ الوليد ويوسف، وقامت الخطباء فذمّوهما معه، فأتى عمرو بن محمد إلى يوسف، فأخبره:
فجعل لا يذكر له رجلا ممن ذكره بسوء إلا قال: لله علىّ أن أضربه كذا وكذا سوطا؛ فجعل عمرو يتعجّب من طمعه فى الولاية.
ويهدّده الناس.
وسار يوسف من الكوفة سرّا إلى الشام، فنزل البلقاء «3» .
فلما بلغ خبره يزيد بن الوليد وجّه إليه خمسين فارسا، فعرض رجل من بنى نمير ليوسف، وقال: يابن عمر، أنت والله مقتول، فأطعنى وامتنع.
قال: لا، فدعنى أقتلك أنا ولا تقتلك هذه اليمانية فتغيظنا بقتلك.
قال: ما لى فيما عرضت خيار، فطلبه المسيّرون إليه، فلم يروه، فتهدّدوا ابنا له، فقال لهم: انطلق إلى مزرعة له، فساروا فى طلبه، فلما أحسّ بهم هرب وترك نعليه، ففتّشوا عليه فوجدوه بين نسوة قد ألقين عليه قطيفة خز وجلسن على حواشيها حاسرات، فجرّوا برجله، وأخذوه، وأقبلوا به إلى يزيد، فوثب عليه بعض الحرس، فأخذ بلحيته ونتف بعضها، وكان من أعظم الناس لحية، وأصغرهم قامة.
فلما أدخل على يزيد قبض على لحية نفسه، وهى إلى سرّته، وجعل يقول: يا أمير المؤمنين؛ نتفت والله لحيتى، حتى لم يبق فيها شعرة؛ فأمر به فحبس فى الخضراء فأتاه إنسان فقال له:
أما تخاف أن يطلع عليك بعض من وترت فيلقى عليك حجرا فيقتلك؟
قال «1» : ما فطنت لهذا، فأرسل إلى يزيد يطلب منه أن يحوّل إلى حبس «2» غير الخضراء، وإن كان أضيق منه، فعجبوا من حمقه، فنقله وحبسه مع ابنى الوليد، فبقى فى الحبس ولاية يزيد وشهرين وعشرة أيام من ولاية إبراهيم.
فلما قرب مروان من دمشق ولى يزيد بن خالد [القسرى]«3»
مولى لأبيه يقال له أبو الأسد «1» قتلهم «2» ، فقتل الحكم وعثمان ويوسف على ما نذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
وكان يوسف بن عمر يحمّق، وفيه أشياء متباينة متناقضة؛ كان طويل الصلاة، ملازما للمسجد، ضابطا لحشمه وأهله عن الناس، ليّن الكلام، متواضعا، حسن المملكة كثير التضرّع والدعاء، فكان يصلّى الصّبح، ولا يكلم أحدا حتى يصلى الضّحى، وهو فيما بين ذلك يقرأ القرآن ويتضرّع، وكان بصيرا بالشعر والأدب، وكان شديد العقوبة، مسرفا فى ضرب الأبشار، وكان يأخذ الثوب الجيّد فيمر ظفره عليه فإن تعلّق به طاقه ضرب صاحبه، وربما قطع يده.
حكى أنه أتى يوما بثوب فقال لكاتبه: ما تقول فى هذا الثوب؟
قال: كان ينبغى أن تكون بيوته أصغر مما هى. فقال للحائك:
صدق يابن اللخناء. فقال الحائك: نحن أعلم بهذا. فقال لكاتبه:
صدق يابن اللخناء. فقال الكاتب: هذا يعمل فى السنة ثوبا أو ثوبين وأنا يمرّ على يدى فى السنة مائة ثوب مثل هذا. فقال للحائك: صدق يابن اللّخناء، فلم يزل يكذّب هذا مرة، وهذا مرة حتى عدّ أبيات الثوب، فوجدها تنقص بيتا من أحد جانبى الثوب، فضرب الحائك مائة سوط.
وقيل: إنه أراد السفر فدعا جواريه، فقال لإحداهنّ: تخرجين معى؟ قالت: نعم. قال: يا خبيثة. كلّ هذا من حبّ النكاح،