الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكتب الوليد إلى سليمان يأمره بالقدوم عليه، فأبطأ، فعزم على المسير إليه ليخلعه، وأخرج خيمة فمات قبل أن يسير إليه.
قال: وكان الوليد لحانا لا يحسن العربية، فعاتبه أبوه، وقال:
إنه لا يلى العرب إلّا من يحسن كلامهم؛ فجمع النّحاة، ودخل بيتا فلم يخرج منه ستة أشهر، ثم خرج وهو أجهل منه يوم دخل، فقال عبد الملك: قد أعذر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ذكر بيعة سليمان بن عبد الملك
هو أبو أيوب سليمان بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، وأمّه ولادة أم أخيه الوليد، وهو السابع من ملوك بنى أمية. بويع له يوم السبت للنصف من جمادى الآخرة، وهو يوم وفاة أخيه الوليد، وكان إذ ذاك بالرّملة، وكان الوليد قد أراد خلعه من ولاية العهد، فمات قبل أن يتمّ له ما أراد من ذلك.
ولنذكر الحوادث الكائنة فى أيامه على حكم السنين:
[سنة (96 هـ) ست وتسعين:]
ذكر قتل «1» قتيبة بن مسلم
وفى هذه السنة قتل قتيبة بن مسلم الباهلى بخراسان، وكان سبب ذلك أنه أجاب الوليد إلى خلع سليمان كما ذكرنا، فلما أفضت الخلافة إلى سليمان خشى قتيبة أنّ سليمان يستعمل يزيد بن المهلب على خراسان، فكتب قتيبة إلى سليمان كتابا يهنّئه بالخلافة ويذكر
بلاءه وطاعته لعبد الملك والوليد، وأنه له على مثل ذلك إن لم يعزله عن خراسان.
وكتب إليه كتابا آخر يعلمه فيه بفتوحه ومكانته، وعظم قدره عند ملوك العجم، وهيبته فى صدورهم، ويذمّ آل المهلّب، ويحلف بالله لئن استعمل يزيد على خراسان ليخلعنّه.
وكتب كتابا ثالثا فيه خلعه، وبعث الكتب مع رجل من أهله، وقال له: ادفع الكتاب الأول إليه، فإن كان يزيد حاضرا فقرأه ثم ألقاه إليه فادفع إليه هذا الثانى. فإن قرأه ودفعه إلى يزيد فادفع إليه الثالث، وإن قرأ الأول ولم يدفعه إلى يزيد فاحبس الكتابين عنه.
فقدم رسول قتيبة، فدخل على سليمان وعنده يزيد بن المهلّب، فدفع إليه الكتاب الأوّل، فقرأه وألقاه إلى يزيد، فدفع إليه الثانى، فقرأه وألقاه إليه، فأعطاه الثالث، فقرأه وتغيّر «1» لونه وختمه وأمسكه بيده. فقيل «2» : كان فيه: لو لم «3» تقرّنى على ما كنت عليه وتؤمننى لأخلعنّك، ولأملأنّها عليك خيلا ورجلا «4» .
ثم أمر سليمان بإنزال رسول قتيبة، ثم أحضره ليلا وأعطاه دنانير وعهد قتيبة على خراسان وسيّر معه رسولا، فلما كانا «5» بحلوان بلغهما خلع قتيبة، فرجع رسول سليمان، وكان قتيبة لما همّ بخلع سليمان استشار إخوته فقال عبد الرحمن: اقطع بعثا [فوجّه]«6»
فيه كلّ من تخافه، ووجّه قوما إلى مرو، وسر حتى تنزل سمرقند، وقل لمن معك: من أحبّ المقام فله المواساة، ومن أراد الانصراف فغير مستكره، فإنه لا يقيم عندك إلّا مناصح. وقال له أخوه عبد الله: اخلعه مكانك فلا يختلف عليك رجلان. فوافقه وخلع سليمان، ودعا الناس إلى خلعه فلم يجبه أحد، فغضب، وقال:
لا أعزّ الله من نصرتم، والله لو اجتمعتم على عنز ما كسرتم قرنها، وسبّهم طائفة طائفة وقبيلة قبيلة، وذكر مساويهم ومعايبهم، ونزل؛ فغضب الناس واجتمعوا على خلع قتيبة وخلافه، وكان أوّل من تكلم فى ذلك الأزد، فأتوا حضين «1» بن المنذر، فقالوا: إنّ هذا قد خلع الخليفة، وفيه فساد الدّين والدنيا، وقد شتمنا فما ترى؟ فأشار عليهم أن يأتوا وكيع بن أبى سود التميمى، ويقدّموه لرياسته فى قومه، فأتوه وسألوه أن يلى أمرهم، ففعل.
وكان بخراسان يومئذ من أهل البصرة والعالية من المقاتلة تسعة آلاف، ومن بكر سبعة «2» آلاف، ورئيسهم حضين ابن المنذر، ومن تميم عشرة آلاف وعليهم ضرار بن حصين، ومن عبد القيس أربعة آلاف وعليهم عبد الله بن حوذان «3» ، ومن أهل الكوفة سبعة آلاف وعليهم جهم بن زحر. ومن الموالى سبعة آلاف وعليهم حيّان النبطى مولى بنى شيبان، وهو من الدّيلم وقيل من خراسان، وإنما قيل له النبطى للكنته.
فأرسل حيّان إلى وكيع يقول: إن أنا كففت عنك وأعنتك تجعل لى الجانب الشرقى من نهر بلخ آخذ خراجه مادمت حيا، وما دمت أميرا! قال: نعم. فقال حيان للعجم: هؤلاء يقاتلون على غير دين، فدعوهم يقتل بعضهم بعضا. ففعلوا.
وقيل لقتيبة: إن وكيعا يبايع الناس، فدسّ عليه ضرار بن سنان الضبى، فبايعه سرّا، فظهر أمره لقتيبة، فأرسل إليه يدعوه، فوجده قد طلى رجليه بمغرة «1» ، وعلّق على ساقه «2» خرزا، وعنده رجلان يرقيان رجله. فقال للرسول: قد ترى ما برجلى. فرجع إليه فأخبر قتيبة، فأعاده إليه يقول: لتأتينّى به محمولا، فأتاه فقال:
لا أستطيع. فقال قتيبة لصاحب شرطته: انطلق إلى وكيع فأتنى به، فإن أبى فاضرب عنقه، ووجّه معه خيلا.
وقيل: أرسل إليه شعبة «3» بن ظهير التميمى. فقال له وكيع:
يا ابن ظهير، لبّث قليلا تلحق الكتائب. ولبس سلاحه، ونادى فى الناس، فأتوه، وركب فرسه، وخرج، فأتاه الناس أرسالا، واجتمع إلى قتيبة أهل بيته وخواصّ أصحابه وثقاته، منهم إياس ابن بيهس بن عمرو، وهو ابن عمّ قتيبة، ودعا قتيبة ببرذون له مدرّب ليركبه، فاستعصعب عليه حتى أعياه، فجلس على سريره وقال: دعوه، فإن هذا أمر يراد.
وجاء حيان فى العجم وقتيبة واجد عليه، فقال عبد الله أخو
قتيبة: أحمل عليهم. فقال حيّان: لم يأت بعد. وقال حيّان لابنه:
إذا رأيتنى قد حوّلت قلنسوتى وملت نحو عسكر وكيع فمل بمن معك من العجم إلىّ. فلما حوّل حيان قلنسوته مالت الأعاجم إلى عسكر وكيع فكبّروا وهاجوا، فقتل عبد الرحمن أخو قتيبة، وجاء الناس حتى بلغوا فسطاط قتيبة، فقطعوا أطنابه، وجرح قتيبة جراحات كثيرة، فقال جهم بن «1» زحر بن قيس لسعد: انزل فحزّ رأسه، فنزل وشقّ الفسطاط، واحتزّ رأسه؛ وقتل معه من أهله وإخوته:
عبد الرحمن، وعبد الله، وصالح، وحضين، وعبد الكريم: بنو مسلم «2» .
وقتل كثير ابنه، وكان عدّة من قتل مع قتيبة من أهله أحد عشر رجلا، فأرسل وكيع إلى سليمان برأسه ورءوس أهله.
ولما قتل قال رجل من خراسان: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة، والله لو كان منّا فمات لجعلناه فى تابوت، فكنا نستفتح به إذا غزونا.
وقال عبد الرحمن بن جمانة الباهلى يرثى قتيبة «3» :
كأن أبا حفص قتيبة لم يسر
…
بجيش إلى جيش ولم يعل منبرا
ولم تخفق الرايات والجيش حوله
…
وقوف ولم تشهد له الناس عسكرا
دعته المنايا فاستجاب لربّه
…
وراح إلى الجنّات عفّا «4» مطهّرا
فما رزى الإسلام بعد محمّد
…
بمثل أبى حفص فبكّيه «5» عبهرا
وعبهر: أمّ ولد له.