الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عطارد، فإنه كان قد بعث إلى كلّ منهما يقول: هلمّ إلىّ فامنعنى، فقال: إن أتيتنى منعتك. وحبس الغضبان وقال: أنت القائل:
تعشّ بالجدى قبل أن يتغدّى بك! فقال: ما نفعت من قيلت له ولا ضرّت من قيلت فيه! فكتب عبد الملك إلى الحجاج بإطلاقه.
ذكر ما كلم به الحجاج أنس بن مالك
رضى الله عنه وشكواه إياه وما كتب به عبد الملك من الإنكار على الحجاج وسبّه بسببه قال: كان عبد الله بن أنس بن مالك الأنصارى رضى الله عنه ممن قتل مع ابن الجارود، فلما دخل الحجاج البصرة أخذ ماله، فدخل عليه أنس بن مالك رضى الله عنه، فحين رآه الحجاج قال له:
لا مرحبا ولا أهلا، إيه يا خبثة «1» ؛ شيخ ضلالة، جوّال فى الفتن، مرّة مع أبى تراب، ومرّة مع ابن الزّبير، ومرّة مع ابن الجارود؛ أما والله لأجردنّك جرد القضيب، ولأعصبنّك عصب السّلمة، ولأقلعنّك قلع الصّمغة.
فقال أنس: من يعنى الأمير؟ فقال: إياك أعنى، أصمّ الله صداك.
فرجع أنس، فكتب إلى عبد الملك كتابا يشكو فيه الحجاج وما صنع به.
فكتب عبد الملك إلى الحجّاج: أما بعد يابن أمّ الحجاج فإنك عبد طمت بك الأمور فغلوت فيها حتى عدوت طورك، وتجاوزت قدرك، يابن المستفرمة بعجم الزبيب «2» لأغمزنّك غمزة كبعض
غمزات الليوث «1» الثعالب، ولأخبطنّك خبطة تودّ لها لو أنك رجعت فى مخرجك من بطن أمك. أما تذكر حال آبائك بالطائف حيث كانوا ينقلون الحجارة على ظهورهم، ويحفرون الآبار بأيديهم فى أوديتهم ومياههم؛ أم نسيت حال آبائك فى اللؤم والدناءة فى المروءة والخلق.
وقد بلغ أمير المؤمنين الذى كان منك إلى أنس بن مالك جرأة وإقداما، وأظنّك أردت أن تسبر ما عند أمير المؤمنين فى أمره فتعلم إنكاره ذلك وإغضاءه عنك، فإن سوّغك ما كان منك مضيت عليه قدما، فعليك لعنة الله من عبد أخفش العينين «2» ، أصكّ «3» الرجلين، ممسوح الجاعرتين «4» ، ولولا أنّ أمير المؤمنين ظنّ أن الكاتب كثّر [فى الكتابة]«5» عن الشيخ إلى أمير المؤمنين فيك لأتاك من يسحبك ظهرا لبطن حتى يأتى بك أنسا فيحكم فيك، فأكرم أنسا وأهل بيته، واعرف له حقّه وخدمته رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تقصّرنّ فى شىء من حوائجه، ولا يبلغنّ أمير المؤمنين عنك خلاف ما تقدّم فيه إليك من أمر أنس وبرّه وإكرامه، فيبعث إليك من يضرب ظهرك، ويهتك سترك، ويشمت بك عدوّك، والقه فى منزله متنصّلا إليه، وليكتب إلى أمير المؤمنين برضاه عنك، إن شاء الله. والسلام.
وبعث بالكتاب مع إسماعيل بن عبد الله مولى بنى مخزوم، فأتى إسماعيل أنسا بكتاب عبد الملك فقرأه، وأتى الحجاج بالكتاب فجعل يقرؤه ووجهه يتغيّر ويتمعّر «1» ، وجبينه يرشح عرقا، ثم قال «2» :
يغفر الله لأمير المؤمنين.
ثم اجتمع بأنس فرحّب به الحجاج، وأدناه، واعتذر إليه، وقال: أردت أن يعلم أهل العراق إذ كان من ابنك ما كان وإذ بلغت منك ما بلغت أنى إليهم بالعقوبة أسرع.
فقال أنس: ما شكوت حتى بلغ منى الجهد، وقد زعمت أنّا الأشرار، وقد سمّانا الله الأنصار، وزعمت أنّا أهل النفاق، ونحن الذين تبوّءوا الدّار والإيمان، وسيحكم الله بيننا وبينك، فهو أقدر على التغيير، لا يشبه الحق عنده الباطل، ولا الصدق الكذب، وزعمت أنك اتخذتنى ذريعة وسلما إلى مساءة أهل العراق باستحلال ما حرّم الله عليك منى، ولم يكن لى عليك قوة، فوكلتك إلى الله ثم إلى أمير المؤمنين، فحفظ من حقّى ما لم تحفظ، فو الله لو أنّ النصارى على كفرهم رأوا رجلا خدم عيسى ابن مريم يوما واحدا لعرفوا من حقّه ما لم تعرف أنت من حقى، وقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين. وبعد فإن رأينا خيرا حمدنا الله عليه، وأثنينا، وإن رأينا غير ذلك صبرنا. والله المستعان.
وردّ عليه الحجاج ما كان أخذ منه.