الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العجم من يستنصحه. وإذا بعث طليعة أمر بلوح فنقش ثم شقّه نصفين، وجعل شقّة عنده، وأعطى نصفه للطليعة، ويأمرهم أن يدفنوه فى موضع يصفه لهم من شجرة أو مخاضة أو غيرها، ثم يبعث بعد الطّليعة من يستخرجه ليعلم أصدقت الطليعة أم لا.
ولنذكر من الغزوات والفتوحات فى أيام الوليد خلاف ما ذكرنا:
ذكر فتح السند وقتل ملكها وما يتّصل بذلك من أخبار العمال عليها
وفى سنة [89 هـ] تسع وثمانين قتل محمد بن القاسم بن محمد ابن الحكم بن أبى عقيل الثقفى داهر «1» بن صصّة ملك السند، وملك بلاده، وكان الحجاج قد استعمله على ذلك الثّغر وسيّر معه ستة آلاف مقاتل، وجهّزه بجميع ما يحتاج إليه حتى المسالّ والإبر والخيوط، فسار [محمد]«2» إلى مكران، وأقام بها أياما. ثم أتى قنّزبور ففتحها ثم سار إلى أرمائيل «3» فقدمها يوم جمعة، ووافته سفن كان حمل فيها السلاح والرجال والأداة. فأنزل الناس منازلهم وخندق ونصب عليها منجنيقا يقال له العروس كان يمدّ به خمسمائة رجل، وكان بالدّيبل بدّ «4» عظيم عليه
دقل عظيم، وعلى الدّقل راية حمراء إذا هبّت الريح أطافت بالمدينة، والبدّ: صنم فى بناء عظيم بأعلاه منارة عظيمة مرتفعة، والدّقل فى رأس المنارة. فرمى الدّقل بحجر «1» العروس فكسره فتطيّر الكفّار بذلك وأعظموه، ثم فتحها محمد عنوة بعد قتال، وقتل فيها ثلاثة أيام، وهرب عامل داهر عنها، وأنزلها محمد أربعة آلاف من المسلمين، وبنى جامعها، وسار إلى البيرون «2» ، وكان أهلها قد بعثوا إلى الحجّاج وصالحوه، فلقوا محمدا بالميرة، وأدخلوه مدينتهم، ثم سار عنها، وجعل لا يمر بمدينة إلا فتحها حتى عبر نهرا دون مهران فصالحه أهل سربيدس «3» ، ووظّف عليهم الخراج، وسار إلى سهبان «4» ففتحها، ثم أتى نهر مهران فنزل به، وبلغ خبره داهرا فاستعدّ لمحاربته. وبعث محمد جيشا إلى سدوسان «5» ، فطلب أهلها الأمان والصلح فأمّنهم، ووظّف عليهم الخراج، ثم عبر نهر مهران مما يلى بلاد راسل «6» الملك على جسر عقده، هذا وداهر مستخفّ به، فلقيه محمد ومن معه وهو على فيل، والفيلة حوله ومعه الذكاكرة «7» ،
فاقتتلوا قتالا شديدا، وترجّل داهر، وقاتل فقتل عند المساء، وانهزم الكفار وقاتلهم المسلمون كيف شاءوا، وقال قائلهم «1» :
الخيل تشهد يوم داهر والقنا
…
ومحمد بن القاسم بن محمّد
أنّى فرجت الجمع غير معرّد «2»
…
حتى علوت عظيمهم بمهنّد
فتركته تحت العجاج مجندلا «3»
…
متعفّر الخدّين غير موسّد
قال: ولما قتل داهر تغلّب محمد على بلاد السند وفتح راور «4» عنوة، وكان بها امرأة لداهر، فخافت أن تؤخذ فأحرقت نفسها وجواريها وجميع مالها. ثم سار إلى برهمنا باذ «5» العتيقة، وكان المنهزمون من الكفّار قد لجئوا إليها، ففتحها عنوة بعد قتال، وقتل بها بشرا كثيرا، وسار يريد الرّور «6» وبغرور، فلقيه أهل ساوندرى «7» ، فطلبوا الأمان فأمّنهم واشترط عليهم ضيافة «8» المسلمين، ثم أسلم أهلها بعد ذلك، ثم تقدم إلى بسمد «9» فصالحه أهلها، وسار إلى الرّور، وهى من مدائن
السند على جبل، فحاصرهم شهورا فصالحوه، وسار إلى السكة «1» ففتحها، ثم قطع نهر بياس «2» إلى الملتان، فقاتله أهلها وانهزموا، فحصرهم، وجاء إنسان فدلّه على قطع الماء الذى يدخل المدينة، فقطعه فعطشوا وألقوا بأيديهم، ونزلوا على حكمه، فقتل المقاتلة وسبى الذّريّة وسدنة البدّ، وهم ستة آلاف، وأصابوا ذهبا كثيرا، فجمع فى بيت طوله عشرة أذرع وعرضه ثمانية أذرع يلقى إليه من كوّة فى وسطه، فسمّيت الملتان فرج بيت الذهب، والفرج: الثغر، وكان بدّ الملتان تهدى إليه الأموال من كل مكان ويحجّ «3» إليه من البلاد، ويحلقون عنده رءوسهم ولحاهم، ويزعمون أنّ صنمه هو أيوب النبى عليه الصلاة والسلام.
وعظمت فتوحاته، فنظر الحجاج فى النفقة على ذلك الثغر، فكانت ستين ألف ألف درهم، ونظر إلى»
الذى حمل إليه منه فكان مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف، فقال: ربحنا ستين ألف ألف، وأدركنا ثأرنا ورأس داهر.
قال: واستمر محمد بن القاسم بالهند إلى أن مات الحجاج فى سنة [95 هـ] خمس وتسعين، فأتاه الخبر وهو بالملتان فرجع إلى الرّور والبغرور «5» ، فأعطى الناس، ووجّه إلى البيلمان «6»
جيشا، فأعطوا الطاعة من غير قتال، وسالمه أهل شرشت «1» ، ثم أتى محمد الكيرج، فخرج إليه دوهر فقاتله فانهزم دوهر.
وقيل: بل قتل، فنزل أهل المدينة على حكم محمد، فقتل المقاتلة، وسبى الذريّة؛ فقال شاعرهم:
نحن قتلنا داهرا ودوهرا
…
والخيل تردى منسرا فمنسرا «2»
قال: ولما مات الوليد بن عبد الملك وولّى سليمان عزل محمّد بن القاسم عن السند، واستعمل يزيد بن أبى كبشة السكسى على السند، فأخذ محمدا وقيّده وحمله إلى العراق، فقال متمثلا «3» :
أضاعونى وأىّ فتى أضاعوا
…
ليوم كريهة وسداد ثغر
فبكى أهل السند.
ولما وصل إلى العراق حبسه صالح بن عبد الرحمن بواسط فقال «4» :
فلئن ثويت بواسط وبأرضها
…
رهن الحديد مكبّلا مغلولا
فلرب قينة «5» فارس قد رعتها
…
ولرب قرن قد تركت قتيلا
قال: فعذّبه صالح فى رجال من آل أبى عقيل حتى قتلهم، فقال حمزة بن بيض يرثى محمدا «6» :
إن المروءة والسماحة والندى
…
لمحمد بن القاسم بن محمد
ساس الجيوش لسبع عشرة حجة
…
يا قرب ذلك سؤددا من مولد
قال: وأما يزيد بن أبى كبشة فإنه مات بعد مقدمه إلى السند بثمانية عشر يوما، فاستعمل سليمان على السند حبيب بن المهلب، فقدم السند وقد رجع الملوك إلى ممالكهم، ورجع حيسبة «1» بن داهر إلى برهمنا باذ، فنزل حبيب على شاطىء مهران، وحارب قوما فظفر بهم.
ثم مات سليمان، وولى عمر بن عبد العزيز، فكتب إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام والطاعة على أن يملكهم، ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، فأسلم حيسبة والملوك، وتسمّوا بأسماء العرب، وكان عمرو بن مسلم الباهلى عامل عمر على ذلك الثغر، فغزا بعض الهند فظفر بهم، ثم ولّى الجنيد بن عبد الرحمن السند أيام هشام بن عبد الملك، فأتى شطّ مهران فمنعه حيسة بن داهر من العبور، وأرسل إليه: إنى قد أسلمت وولّانى الرجل الصالح بلادى، ولست أمكنك. فأعطاه رهنا، وأخذ منه رهنا على خراج بلاده، ثم ترادّ الرهون وكفر حيسبة، وحارب.
وقيل: لم يحارب، وإنما الجنيد تجنّى عليه، فأتى الهند، فجمع جموعا وأعدّ السفن، واستعدّ للحرب، فسار إليه الجنيد فى السفن، فالتقوا، فأسر حيسبة فقتله الجنيد، وهرب صصّة بن داهر، وهو
يريد أن يمضى إلى العراق فيشكو غدر الجنيد، فلم يزل الجنيد يؤنسه حتى وضع يده فى يده فقتله.
وغزا الجنيد الكيرج؛ وكانوا قد نقضوا، فظفر ودخل المدينة فغنم وسبى، ووجّه العمال إلى المرمد. «1» والمندل ودهنج «2» ، ووجّه جيشا إلى أزين «3» فأغاروا عليها، وحرقوا ربضها، وفتح الجنيد البيلمان، وحصل «4» عنده سوى ما حمله «5» أربعون ألف ألف، وحمل مثلها.
وفى أيامه خرج المسلمون عن بلاد الهند. ثم ولى الحكم بن عوام «6» الكلبى، وقد كفر أهل الهند إلّا أهل قصّة «7» ، فبنى مدينة سماها المحفوظة، وجعلها مأوى للمسلمين، وكان معه عمرو بن محمد بن القاسم فأغزاه من المحفوظة، فقدم عليه وقد ظهر أمره، فبنى مدينة وسمّاها المنصورة، واسترجع «8» ما كان غلب عليه العدوّ، ثم قتل الحكم، فكان العمال يقاتلون العدوّ، ويفتتحون ما تيسر لهم لضعف الدولة الأموية، ثم جاءت الدولة العباسية فكان من أمر السند ما نذكره إن شاء الله تعالى، وإنما ذكرنا أخبار السند ههنا لتكون متّسقة، فلنرجع إلى تتمّة الغزوات فى أيام الوليد بن عبد الملك: