الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد رأى الله مكانك، وعلم نيّتك، والجزاء عليه تعالى. فقبلها.
وجعل الفرزدق يهجو هشاما، فكان مما هجاه به «1» :
أتحبسنى «2» بين المدينة والتى
…
إليها قلوب الناس يهوى منيبها
يقلّب رأسا لم يكن رأس سيّد
…
وعينين حولاوين باد عيوبها
وكان على بن الحسين يقول: لقد استرقّك بالودّ من سبقك بالشكر.
ولما حضرته الوفاة أوصى ألّا يؤذنوا به أحدا، وأن يكفّن فى قطن، ولا يجعلوا فى حنوطه مسكا، ودفن بالبقيع رحمه الله ورضى عنه.
ومات أيضا فى هذه السنة عروة بن الزبير رضى الله عنهما، وسعيد بن المسيّب، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام.
وحجّ بالناس مسلمة بن عبد الملك. وقيل عبد العزيز بن الوليد.
وفيها استقضى الوليد على الشام سليمان بن حبيب.
سنة (95 هـ) خمس وتسعين:
ذكر وفاة الحجاج بن يوسف الثقفى وشىء من أخباره
هو أبو محمد الحجّاج بن يوسف بن الحكم بن أبى عقيل ابن عامر بن مسعود بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف ابن ثقيف، كانت وفاته فى شوال سنة [95 هـ] خمس وتسعين،
وقيل لخمس بقين من شهر رمضان من السنة، وله من العمر أربع وخمسون، وقيل ثلاث وخمسون.
روى أن عمر بن عبد العزيز ذكر عنده ظلم الحجاج وغيره من ولاة الأمصار فى أيام الوليد بن عبد الملك، فقال عمر بن العزيز:
الحجاج بالعراق، والوليد بالشام، وقرّة بن شريك بمصر، وعثمان بالمدينة، وخالد بمكة؛ اللهم قد امتلأت ظلما وجورا، فأرح الناس. فلم يمض غير قليل حتى توفى الحجاج وقرّة فى شهر واحد، ثم تبعهم الوليد، وعزل عثمان بن حيّان، وخالد بن عبد الله القسرى.
واستجاب الله لعمر.
وما أشبه هذه القصة بقصة عبد الله بن عمر رضى الله عنهما لما بلغه أنّ زياد ابن أبيه كتب إلى معاوية يقول: إنّى قد ضبطت العراق بشمالى ويمينى فارغة. فقال ابن عمر: اللهم أرحنا من يمين زياد، وأرح أهل العراق من شماله. فاستجاب الله له.
وكان من خبر وفاة زياد ما ذكرناه.
وكانت ولاية الحجاج العراق عشرين سنة، ولما حضرته الوفاة استخلف على الصلاة ابنه عبد الله، وعلى حرب الكوفة والبصرة يزيد بن أبى كبشة، وعلى الخراج يزيد بن أبى مسلم، فأقرّهما الوليد بعده.
وكان الحجاج من أفصح الناس. قال أبو عمرو بن العلاء:
ما رأيت أفصح من الحجاج ومن الحسن، وقد ذكرنا من كلامه عند مقدمه الكوفة ما يدلّ على فصاحته.
ومن أخباره أنّ عبد الملك كتب إليه يأمره بقتل أسلم بن عبد الله البكرى لشىء بلغه عنه، فأحضره الحجاج، فقال: أمير المؤمنين غائب وأنت حاضر، والله تعالى يقول «1» : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا
…
»
الآية. والذى بلغه عنى فباطل «2» .
فاكتب إلى أمير المؤمنين أنى أعول أربعا وعشرين امرأة، وهنّ بالباب؛ فأحضرهن، وكان فى آخرهن جارية قاربت عشر سنين.
فقال لها: من أنت منه؟ قالت: ابنته، أصلح الله الأمير، ثم أنشأت «3» :
أحجاج لو «4» تشهد مقام بناته
…
وعماته يندبنه الليل أجمعا
أحجاج لا «5» تقتل به إن قتلته
…
ثمانا وعشرا واثنتين وأربعا
أحجاج من هذا يقوم مقامه
…
علينا فمهلا أن تزدنا تضعضعا
أحجاج إما أن تجود بنعمة
…
علينا وإما أن تقتّلنا معا
فبكى الحجاج، وقال: والله لا أعنت الدهر عليكنّ ولازدتكنّ تضعضعا.
وكتب إلى عبد الملك بخبره وخبر الجارية، فكتب إليه:
إذا كان الأمر كما ذكرت فأحسن صلته وتفقّد «6» الجارية، ففعل.
قال عاصم بن بهدلة: سمعت الحجاج يقول: اتّقوا الله ما استطعتم، هذا والله مثنوية، واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ليس فيه مثنوية، والله لو أمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من هذا لحلّت لى دماؤكم، ولا أجد أحدا يقرأ على قراءة ابن أمّ عبد- يعنى ابن مسعود- إلّا ضربت عنقه، ولأحكّنّها من المصحف ولو بضلع خنزير.
قال الأوزاعى: قال عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كلّ أمّة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم.
قال الحسن: سمعت عليا يقول على المنبر: اللهم ائتمنتهم فخانوا، ونصحتهم فغشّونى، اللهم فسلّط عليهم غلام ثقيف يحكم فى دمائهم وأموالهم بحكم الجاهلية، فوصفه. قال الحسن: هذه والله صفة الحجاج.
قال حبيب بن أبى ثابت: قال علىّ رضى الله عنه لرجل: لا تموت حتى تدرك فتى ثقيف. قيل: يا أمير المؤمنين؛ ما فتى ثقيف؟
قال: ليقالنّ له يوم القيامة: اكفنا زاوية من زوايا جهنم، رجل يملك عشرين سنة أو بضعا وعشرين، فلا يدع لله معصية إلا ارتكبها، حتى لو لم يبق إلا معصية واحدة وبينها وبينه باب مغلق لكسره.
حتى يرتكبها، يقتل «1» من أطاعه بمن عصاه.
وقيل: أحصى من قتله الحجاج صبرا فكانوا مائة ألف وعشرين ألفا.