الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتركهم، وأقبل إلى ربع آخر، فكانوا كذلك، وقاتل الربع الثالث والرابع وهم كذلك، فما برح يقاتلهم حتى ذهب ثلاثة أرباع الليل، ثم نازلهم راجلا، فسقطت بينهم «1» الأيدى وكثرت القتلى، وفقئت الأعين، وقتل من أصحاب شبيب نحو ثلاثين رجلا، ومن أهل الشام نحو مائة. واستولى التّعب والإعياء على الطائفتين حتى إن الرجل ليضرب بسيفه فلا يصنع شيئا، فلما يئس شبيب منهم تركهم وانصرف عنهم، ثم قطع دجلة وأخذ فى أرض جوخى ثم قطع دجلة مرة أخرى عند واسط، وأخذ نحو الأهواز إلى فارس ثم إلى كرمان ليستريح هو ومن معه.
ذكر مهلك شبيب
كان مهلك شبيب فى سنة [77 هـ] سبع وسبعين، وسبب ذلك أن الحجاج أنفق فى أصحاب سفيان بن الأبرد مالا عظيما، وأمرهم بقصد شبيب، فساروا نحوه مع سفيان بن الأبرد، وكتب الحجاج إلى الحكم بن أيوب زوج ابنته- وهو عامله على البصرة- أن يرسل أربعة آلاف فارس من أهل البصرة، ففعل وسيّرهم مع زياد بن عمرو العتكى، فلم يصل إلى سفيان حتى التقى سفيان مع شبيب. وكان شبيب قد أقام بكرمان حتى استراح وأراح، ثم أقبل راجعا فالتقى مع سفيان بجسر «2» دجيل الأهواز، فعبر شبيب الجسر إلى سفيان فوجده قد نزل فى الرجال، وجعل مهاصر بن سيف «3» على الخيل، وأقبل
شبيب فى ثلاثة كراديس «1» ، فاقتتلوا أشدّ قتال، ورجع شبيب إلى المكان الذى كان فيه، ثم حمل عليه هو وأصحابه أكثر من ثلاثين حملة، وأهل الشام على حالهم فى ثبات القدم، ومازلوا يقاتلون الخوارج حتى اضطرّوهم إلى الجسر. فلما انتهى شبيب إلى الجسر نزل ونزل معه نحو مائة رجل؛ فقاتلوا حتى المساء، وأوقعوا بأهل الشام من الضّرب والطعن ما لم يروا مثله، فأمر سفيان الرّماة أن يرموهم فتقدّموا، ورموهم ساعة، فحمل شبيب وأصحابه على الرّماة، فقتلوا منهم أكثر من ثلاثين رجلا، ثم عطف على سفيان ومن معه فقاتلهم حتى اختلط الظّلام، ثم انصرف، فقال سفيان لأصحابه: لا تتبعوهم.
فلما انتهى شبيب إلى الجسر قال لأصحابه: اعبروا فإذا أصبحنا باكرناهم إن شاء الله. فعبروا أمامه، وتخلّف فى آخرهم، وجاء ليعبر وهو على حصان وبين يديه حجر «2» ، فنزا فرسه عليها وهو على الجسر فاضطربت تحته، ونزل حافر رجل حصانه على حرف السفينة، فسقط فى الماء، فلما سقط قال: ليقضى الله أمرا كان مفعولا. وانغمس «3» فى الماء، ثم ارتفع، وقال: ذلك تقدير العزيز العليم. وغرق.
قال: وكان أهل الشام قد عزموا على الانصراف، فأتاهم صاحب
الجسر، فقال لسفيان: إنّ رجلا منهم وقع فى الماء، فتنادوا بينهم:
غرق أمير المؤمنين. ثم انصرفوا راجعين، وتركوا عسكرهم ليس فيه أحد، فكبّر سفيان وكبّر أصحابه، وأقبل حتى انتهى إلى الجسر، وبعث إلى المعسكر، وإذا «1» ليس فيه أحد، وإذا هو أكثر العساكر خيرا، ثم استخرجوا شبيبا فشقّوا جوفه، وأخرجوا قلبه؛ فكان صلبا كأنه صخرة، فكان يضرب به الصّخرة فينبو «2» عنها قامة إنسان.
قال: وكان شبيب ينعى لأمه فيقال لها: قتل، فلا تقبل ذلك.
فلما قيل لها غرق صدّقت ذلك، وقالت: إنى رأيت حين ولدته أنه خرج منّى شهاب نار، فعلمت أنه لا يطفئه إلّا الماء، وكانت أمّه جارية رومية اشتراها أبوه فأولدها شبيبا سنة [25 هـ] خمس عشرين يوم النّحر، وقالت: إنى رأيت فيما يرى النائم أنه خرج من قبلى شهاب نار، فذهب ساطعا إلى السماء، وبلغ الآفاق كلّها، فبينا هو كذلك إذ وقع فى ماء كثير فخبا، وقد ولدته فى يومكم الذى تهريقون فيه الدّماء، وقد أوّلت ذلك أنّ ولدى يكون صاحب دماء وأنّ أمره سيعلو ويعظم سريعا.