الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبلغ الخبر ابن ملك الخزر، فجمع أصحابه من نواحى أذربيجان، فاجتمع له عساكر كثيرة، فحرّضهم، وسار نحو الحرشىّ، وسار الحرشىّ إليه، فالتقيا بزرند «1» ، واقتتلوا أشدّ قتال، فانحاز المسلمون يسيرا ثم عادوا إلى القتال، فاشتدّت نكايتهم فى العدوّ، فهزموهم، وتبعهم المسلمون حتى بلغوا بهم نهر أوس «2» ، وعادوا عنهم وحووا ما فى عسكرهم من الأموال والغنائم، وأطلقوا الأسارى والسّبايا، وحملوا الجميع إلى باجروان، ثم جمع ابن ملك الخزر من لحق به من عساكره، وعاد بهم نحو الحرشى، فنزل على نهر البيلقان «3» ، فسار الحرشى نحوه؛ فوافاهم هناك، والتقوا، فكانت الهزيمة على الخزر، فكان من غرق منهم أكثر ممن قتل، وجمع الحرشى الغنائم، وعاد إلى باجروان وكتب إلى هشام بالفتح، وأرسل إليه الخمس. فكتب إليه هشام يشكره، ويثنى عليه، ويأمره بالمسير إليه، واستعمل هشام أخاه مسلمة على أرمينية وأذربيجان، فوصل إلى البلاد، وسار إلى الترك حتى جاز البلاد [فى آثارهم]«4» .
ذكر وقعة الجنيد بالشعب
وفى سنة [112 هـ] ثنتى عشرة ومائة أيضا خرج الجنيد أمير خراسان غازيا يريد طخارستان؛ فوجه عمارة بن خريم
إلى طخارستان فى ثمانية عشر ألفا، ووجّه إبراهيم بن بسام الليثى فى عشرة آلاف إلى وجه آخر، وجاشت التّرك فأتوا سمرقند، وعليها سورة بن الحر؛ فكتب إلى الجنيد أنّ خاقان جاش بالترك، فخرجت إليهم، فلم أطق أن أمنع حائط سمرقند، فالغوث الغوث.
فعبر الجنيد النهر، وقد فرّق عساكره، فسار بمن معه حتى نزل كشّ «1» ، وتأهّب للمسير، وبلغ ذلك الترك؛ فعوّروا الآبار التى فى طريق كش، وسار الجنيد يريد سمرقند، فأخذ طريق العقبة، وارتقى فى الجبل، ثم سار حتى صار بينه وبين سمرقند أربعة فراسخ، ودخل الشّعب فصبّحه خاقان فى جمع عظيم؛ فكانت بينهم وقعة عظيمة صبر الناس فيها وقاتلوا حتى كانت السيوف لا تقطع شيئا، فقطع عبيدهم الخشب يقاتلون به، ثم كانت المعانقة؛ ثم تحاجزوا، فاستشهد من المسلمين جماعة.
فبينما الناس كذلك إذ أقبل رهج «2» ، وطلعت الفرسان»
، فنادى منادى الجنيد: الأرض الأرض! وترجّل، وترجّل الناس، ثم أمر أن يخندق كلّ قائد على حياله، فخندقوا وتحاجزوا وقد أصيب من الأزد يومئذ مائة وتسعون رجلا، وكان قتالهم يوم الجمعة، فلما كان يوم السبت قصدهم خاقان وقت الظهر، فلم ير موضعا للقتال أسهل من موضع بكر بن وائل، وعليهم زياد
ابن الحارث، فقصدهم، فلما قربوا حملت بكر عليهم فأفرجوا لهم، واشتد القتال بينهم.
فلما رأى الجنيد شدّة الأمر استشار أصحابه، فقال له عبيد الله بن حبيب: اختر إمّا أن تهلك أنت أو سورة بن الحرّ.
فقال: هلاك سورة أهون على. قال: فاكتب إليه فليأتك فى أهل سمرقند؛ فإنه إذا بلغ الترك إقباله توجّهوا إليه فقاتلوه.
فكتب إليه الجنيد يأمره بالقدوم، فسار فى اثنى عشر ألفا، فأصبح على رأس جبل، فتلقّاه خاقان، وقد بقى بينه وبين الجنيد نحو فرسخ فقاتلهم فاشتدّ «1» القتال، وسقط سورة بن الحرّ، فاندقّت فخذه، وقتل وتفرّق الناس، وقتلهم الترك، ولم ينج منهم غير ألفين. ويقال: ألف.
ولما استقلّ خاقان بقتال سورة خرج الجنيد مبادرا يريد سمرقند، فلقيه الترك قبل وصوله إليها، فقاتلهم قتالا شديدا.
وقال الجنيد: أىّ عبد قاتل فهو حر. فقاتل العبيد قتالا عجبت منه الناس، وهزم الله الترك.
ومضى الجنيد إلى سمرقند، وكتب إلى هشام بن عبد الملك بالخبر. فكتب إليه هشام: قد وجّهت إليك عشرة آلاف من أهل البصرة، وعشرة آلاف من أهل الكوفة، ومن السلاح ثلاثين ألف رمح، ومثلها ترسة «2» ، فافرض فلا غاية لك فى الفريضة لخمسة «3» عشر ألفا.