الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انتهاء الدولة السلجوقية بحلب ودخولها تحت سلطة بني أرتق وحوادثهم فيها، وهم من فروع الدولة السلجوقية
وفي سنة 511 قتل لؤلؤ الخادم، وكان قد حكم في دولة سلطان شاه ودولة أخيه الأخرس من قبله كما أراد، ثم عزم على أن يقتل سلطان شاه كما قتل أخاه من قبله، ففطن لذلك أصحاب سلطان شاه ورصدوا فرصة يقتلون بها لؤلؤا، حتى إذا خرج يوما إلى قلعة جعبر ليجتمع بالأمير سالم بن مالك العقيلي قصدوه وصاحوا: أرنب أرنب، وأوهموا أنهم يتصيدون ورموه بنشّاب فقتل وهو يبول عند قلعة نادر ونهبوا خزانته ثم استعيدت منهم. وولّي أتابكيّة «1» سلطان شاه: شمس الدين الخواجي ياروقطاش، وبقي شهرا وعزلوه وولّوا أبا المعالي بن المقلمي الدمشقي ثم عزلوه وصادروه. وكانوا خائفين من الفرنج فسلموا البلد إلى نجم الدين إيلغازي أرتق صاحب ماردين. ولما تسلمها لم يجد فيها مالا ولا ذخيرة لأن لؤلؤا الخادم كان قد فرّق الجميع فصادر إيلغازي جماعة من الخدم وصانع الفرنج وهادنهم وسار إلى ماردين وخلّف بحلب ابنه حسام الدين تمرتاش.
وفي سنة 513 سار الفرنج إلى نواحي حلب وملكوا بزاعة «2» وغيرها وخربوا بلد حلب ونازلوها، ولم يكن فيها من الذخائر ما يكفيها شهرا فخافهم أهلها وصانعوهم على أن يقاسموهم أملاكهم حتى الأملاك التي بباب حلب. ثم أرسل أهل حلب رسولا إلى بغداد يستغيثون ويطلبون النجدة فلم يغاثوا. وكان إيلغازي بماردين يجمع العساكر فسار إلى الفرنج والتقى بهم عند تل عفرين في نصف ربيعها الأول فهزمهم «3» وقتل منهم كثيرا، وممن قتل سرخال صاحب أنطاكية. وفتح عقيب الوقعة الأثارب وزردنا.
وفي سنة 514 سار إيلغازي إلى الفرنج واقتتل معهم عند دانيث البقل، من بلد سرمين، وظفر بهم ثم اجتمع إيلغازي وأتابك طغتكين صاحب دمشق وحصروا الفرنج في معرّة قنسرين يوما وليلة، فضايقهم. ثم أفرج عنهم خوفا أن يستقتلوا ويخرجوا للمسلمين فيظفروا بهم. وكان إيلغازي يخاف من التركمان الذين يحاربون معه لأنهم كانوا يجتمعون للطمع، فيحضر أحدهم ومعه جراب «1» فيه دقيق وشاة ويعد ساعات الغنيمة، فإذا طال مقامهم تفرقوا، ولم يكن مع إيلغازي ما يفرقه فيهم.
وفي سنة 515 عصى سليمان بن إيلغازي على أبيه بحلب فبغته أبوه، وسمل عيني من حسّن له العصيان وقطع لسانه، وهو أمير اسمه ناصر، وكان التقطه أرتق والد إيلغازي ورباه. وقطع إيلغازي أطراف رجل حموي من بيت قرناص وسمل عينيه لأنه من جملة المزيّنين لولده العصيان. والحموي المذكور كان محسنا إليه إيلغازي ومرئّسه «2» على حلب، فجزاه بهذا الجزاء. ثم أراد إيلغازي أن يقتل ولده فمنعته رحمة الوالديّة فأفلته فهرب إلى دمشق. واستناب إيلغازي بحلب سليمان ابن أخيه عبد الجبار الملقب ببدر الدولة. وفي سنة 515 أغار الفرنج على حصن الأثارب وأسروا وغنموا. وفيها هدمت قلعة الشريف.
وفي سنة 516 بنيت مدرسة بحلب لأصحاب الشافعي، وهي مدرسة الزجاجية التي تكلمنا عليها في باب الآثار في الكلام على محلة الجلوم. وفي سنة 517 أغار الفرنج على حلب وأعمالها وعجز عن مقاومتهم بدر الدولة وسلمهم حصن الأثارب ليكفّوا عن بلاده ويهادنوه. فبعد ذلك استقام أمر الرعية بأعمال حلب وجلبت الأقوات وغيرها. ولما سمع بلك بهرام- ابن عم بدر الدولة- أن ابن عمه سلم الأثارب للفرنج سار من حرّان- وكان قد ملكها- إلى جهة حلب ونازلها في ربيع الأول منها وضايقها وأحرق زروعها فسلّمها والقلعة إليه ابن عمه بدر الدولة بالأمان في غرة جمادى الأولى منها.