الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حلفائهما ثلاثين سنة، وانتهت في معاهدة (كاتو كامبريزبس) سنة 1559 م/ 967 هـ وقد استولت فرنسا على مدينة (متس) و (تول) و (فردون) وأخذت مدينة كالة من الإنكليز، وكانوا تحالفوا مع فيلبوس الثاني خلف كرلس الخامس. ومات الملك فرنسيس الأول سنة 1547 م/ 954 هـ.
وخلفه الملك هنريكوس الثاني. ومات سنة 1559 م/ 967 هـ أي في سنة المعاهدة المذكورة. وفي هذا التاريخ نهضت فرنسا نهضتها العلمية الأدبية العظيمة التي كان أسسها الملك فرنسيس الأول حتى استحق أن يلقب بأبي الأدب. فكثر المؤلفون الفرنسيون والمتفننون والمهندسون في كل نوع من أنواع العلوم والفنون، ومنهم (مارو) الشهير و (رونسار) و (ربله) و (مونتانيو) والأسقف (أميو) وغيرهم. وكان فرنسيس الأول على أحسن العلاقات مع السلطان سليمان القانوني، وقد منحه عدة امتيازات في بلاد الشرق ولا سيما في سوريا ولبنان. وهنالك معاهدة طويلة ذات شأن بين الملكين في شأن مسيحيي هذه البلاد.
ظهور المذهب البروتستاني:
وظهرت في تلك الأيام أيضا الهرطقة العظيمة المسماة بالهرطقة البروتستانية التي ابتدعها الراهب (مرتان لوتير) الألماني وأعوانه: يوحنا كلويس الفرنسي وزونيكل السويسري، و (هنريكوس) الثامن ملك إنكلترا. فخرج عن طاعة البابا أمم عظيمة. ولم يزل هذا المذهب منتشرا حتى اليوم في بلاد ألمانيا وإنكلترا وبعض الأقطار الأميريكية.
وقد استبدت ملوك فرنسا في ذلك التاريخ وثقلت وطأتهم على الشعب حتى سمي ذلك الدور دور السلطان المطلق. وملك بعد هنريكوس الثاني سنة 1559 م/ 967 هـ فرنسيس الثاني. وفي سنة 1560 م/ 968 هـ توفي وخلفه كرلس التاسع، واستمر في الملك إلى سنة 1574 م/ 982 هـ. ثم مات وخلفه هنريكوس الثالث واستمر في الملك إلى سنة 1589 م/ 498 هـ ومات، فانطفأت بعده أسرة (فالوا) المالكة لأنهم لم يكن لهم خلف ذكر، فقامت بدلا منها أسرة (البوربون) المتسلسلة عن الولد الأصغر للملك لويس التاسع القديس والمالكة إلى سنة 1848 م/ 1265 هـ. أما ملك فرنسا هنريكوس الثالث الذي اقترن بملكة (اسكتلانده) الكاثوليكية الشهيرة (بماري ستوار) فإنه لم يذكر له التاريخ
أثرا سوى تجسم الأحزاب في فرنسا بين البروتستانت والكاثوليك. وكانت الملكة ستوار تشايع الكاثوليك وتقاوم البروتستان حتى إنها أحرقت أخيرا شهيدة الكثلكة.
وقد طالت الحرب بين أهل المذهبين وأريقت الدماء وقتل عدد من الوزراء ووجوه القوم من كلا الفريقين، حتى تملك أخيرا على فرنسا هنريكوس الرابع سنة 1589 م/ 998 هـ وكان بروتستانيا إلا أنه سنة 1593 م/ 1002 هـ ترك مذهبه وصار كاثوليكيا ليرتضيه الفرنسيون ملكا عليهم. وفي ذلك التاريخ دخل باريس وقد تمهدت العقبات أمامه فحسم النزاع بين الكاثوليك والبروتستان وأصدر أمرا يعرف بمنشور (تنط) منح فيه حرية الدين للبروتستان، وأنهى الحرب مع إسبانيا بمعاهدة (ويروين) وأجرى بواسطة وزيره (سولى) عدة إصلاحات تتعلق بالزراع والطبعة السفلى من الشعب. وفي أيامه بنيت في إمريكا المدينة الإفرنسية الأولى المعروفة باسم (كيبك) . ثم قتل الملك أحد المتحزبين المتطرفين، واسم القاتل فرنسيس رارايك في 14 أيار سنة 1610 م/ 1019 هـ.
وكانت حدود فرنسة في تلك السنة على هذه الصفة، وهي: أن هذه المملكة كانت تمتد من الجهة الشمالية إلى نهر السوم عدا شاطىء البحر حيث كانت تصل إلى مدينة كاله.
أما المقاطعتان الحاليتان (فلاندره) و (أرتوا) فإنهما كانتا ملحقتين بإسبانيا. وكانت فرنسة تملك من الجهة الشمالية الشرقية مدينة (متس) و (تول) . وأما بلاد الألزاس واللورين و (الفوج) فكانت تخص مملكة ألمانيا وفي الشرق كان نهر السون يحد فرنسة ومقاطعة (البرسمونيو) على يمينه ملحقة بفرنسه وعلى يساره مقاطعة (الفرانش كونتى) ملحقة بإسبانيا. وكانت مقاطعة (الساوا) و (كونتيته نيسى) في الجنوب الشرقي خاصة (دوك سارا) . وكانت مملكة فرانسة في جهة الجنوب منفصلة عن جبال البيريين بمقاطعة (الروسيون) التي كانت بعد إسبانيولية. وكانت مقاطعتا (البيارن) و (النافار) مستقلتين. وكانت المستعمرات الفرنسية محصورة في بلاد الكندة من إمريكا لا غير.
ولما قتل الملك هنريكوس الرابع كان ابنه لويس الثالث عشر لا يتجاوز التاسعة من عمره فنابت عنه أمه (ماري دي ميدى) من أسرة إيطالية معروفة، فالتفّ حولها حاشية إيطاليانية أضرت بمصالح فرنسة كثيرا، وهذه الحاشية تعرف بأسرة كونسينى، فاضطربت
المملكة واجتمع المجلس العمومي المؤلف من ممثلي (الإكليروس) والطبقة الثالثة من طبقات الشعب فلم يحصل من اجتماعه فائدة. ولما بلغ لويس الثالث عشر رشده وتولى الأحكام بنفسه؛ جعل وزيره الأول أسقفا حازما صاحب عزيمة يسمى (الكردينال دي ريشليو) .
أما كونسينى أبو الأسرة التي كانت ملتفة حول أم الملك فإنه اعتقل ثم قتل شر قتلة.
وكان أول عمل عمله (ريشليو) أنه أكره البروتستان على الخضوع إلى الملك وأخذ منهم مدينة (لاروشل) المحصنة وأرغم الأمراء ووجوه الأمة على الخضوع إلى القانون العام، وقتل المتمردين والمخالفين أحكام الأوامر التي أصدرها الملك في شأن المبارزة مثل الكونت (مونمورانس بوتويل) . وبعد أن جعل السلام سائدا في فرنسة هجم على الإسبانيوليين وعلى حلفائهم وأخذ منهم ثلاث ممالك عظيمة، أي (الألزاس) و (الروسيون) و (الأرتوا) ، وأجرى إصلاحات عظيمة في داخلية البلاد ولا سيما في دائرة الشرطة ودائرة الضرائب، وأنهض بحرية فرنسة وبنى الموانىء والمراكب والسفن الحربية، واشترى عدة جزائر في الأنتيل الأميركية، وتوصل إلى (مدغسكار) الإفريقية فبنى فيها مراكز مهمة، ونشّط العلوم والآداب فأسس (الأكاديمية) القانونية. ومات سنة 1642 م/ 1052 هـ.
ومات بعده الملك سنة 1643 م/ 1053 هـ فنابت عن الملك لويس الرابع عشر أمه (حنة) النمساوية الإسبانيولية الأصل، لأن الملك الصغير لم يكن قد تجاوز الخامسة من عمره، فاختارت لنفسها وزيرا الكردينال (مازارين) صديق ريشليو وتلميذه. ومازارين هذا من مدينة رومية وكان لا يحسن التكلم بالفرنسية. وفي مدة نيابة حنّة عن ابنها انتصر الفرنسيون على الإسبان وغيرهم لحسن تدبير القائدين الشهيرين كونده وطورين. وفي سنة 1648 تعاهد ملك إسبانيا مع فرنسة وتنازل لها عن بلاد الألزاس. وهذه المعاهدة تعرف بمعاهدة نسيتغالي. ثم في سنة 1659 عقدت معاهدة أخرى تعرف بمعاهدة بيرين ربحت بها فرنسا مقاطعتي الأرتوا والروسيون. ومع هذا كله فإن مازارين كان منفورا من الشعب لطمعه ولأنه أثقل كاهله بالضرائب. ولذا قامت الثورة في المملكة، المعروفة بثورة الضرائب، وتفاقم الشر بين الملك ووزيره وبين وجوه أهل المملكة ومجلس البرلمان الذي تحزب إلى القائد. ثم اختلف الثوار مع بعضهم واغتنم مازارين فرصة اختلافهم ورجع إلى باريس بعد أن اعتزل الأعمال مدة سنتين، وكان عوده إلى باريس سنة 1653 فازدادت
هيبته وعظمت صولته، وانحطت المملكة انحطاطا زائدا، إلى أن أنهضها من عثرتها القديس منصور دي بول المعروف بمحبة الفقراء.
وفي سنة 1661 مات مازارين، وكانت فرنسا حينئذ أعظم دولة في أوربا، وقام الملك لويس الرابع عشر بتدبير الملك بنفسه ولم يعيّن وزيرا. وكان جبارا عنيدا حريصا على كرسي الملك، فكثر العصاة والمتمردون وقد عجز عن إخضاعهم، واضطر إلى أن يعين يوحنا كولبير وزيرا للبحرية والمالية فأحسن القيام بهما، واعتنى بشأن الزراع وأمد التجار وخفض الضرائب، وأسس المعامل وقوى البحرية التجارية، واجتهد بتحصين البحرية الملوكية، وعين الملك أيضا (لوغوا) وزيرا للجهادية فنظم الجندية. ثم إن الملك بعد موت وزيره كولبير اضطهد البروتستان وسلبهم الحرية الدينية التي كانوا منحوها من قبل هنريكوس الرابع وريشليو، ونادى الملك أيضا بإلغاء منشور «تنط» الشهير. وكان ذا عظمة في قصره قد حف به طائفة من الأدباء والخطباء والفلاسفة والقواد والوزراء، حتى إنه كان يسمى الملك العظيم أو الملك الشمس، وسميت أيامه أيام لويس الرابع عشر.
وفي سنة 1711 مات ابنه ولي العهد، ثم ماتت حفدته ولم يبق له وارث سوى ابن حفيده الدوك نورمنديا، وقد استغرق في محاربة دول أوربا مدة ثلاث وثلاثين سنة وحاز انتصارات باهرة أفزعت أوربا، وقامت فرنسا في وجهها كلها حتى سنة 1668 إلا أن فرنسا بعد ذلك أنهكتها الحروب وأخذت ترجع إلى الوراء لا سيما لما تملك على إنكلترة غليوم دورانج عدوّ فرنسا العظيم، فإن فرنسا قد تمكن منها الضعف وخسرت كثيرا من بلادها.
وفي سنة 1715 م/ 1127 هـ و 1128 هـ توفي الملك لويس الرابع عشر وخلفه لويس الخامس عشر، وهو ابن حفيده. وكان لويس الخامس عشر صغيرا فقام بإدارة الملك بالنيابة عنه جماعة من عظماء المملكة خدموا منافعهم الذاتية فعزلوا سنة 1726 م/ 1139 هـ وتعين بدلهم الكردينال فلوري، فتوصل بدهائه إلى أن جعل فرنسا تربح مقاطعة اللورين. ثم مات الكردينال فلوري واستقل لويس الخامس عشر بإدارة الملك وكان منهمكا بالملذات غير ملتفت إلى الملك، فانحطّت المملكة في زمانه، ونشبت الحرب بين فرنسا وبروسيا مدة سبع سنوات، أي من سنة 1756 م/ 1170 هـ إلى سنة 1763 وكانت النتيجة انكسار فرنسا برا من قبل بروسيا، وبحرا من قبل إنكلترا. وخسرت فرنسا