الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعتبرون هؤلاء إلا بمثابة ملوك المجر التابعين للباب العالي، الذين يؤدون الجزية عن يد وهم صاغرون.
وكانوا يتعالون عن التقييد بالمعاهدات مع العواهل، ويأنفون- إذا وعدوا أحدا منهم بالمساعدة- عن أن يدونوا وعدهم، مكتفين معه بمجرد كلام. وكذلك كانوا يأنفون من نصب سفراء لهم في عواصم الدول الأجنبية؛ لاعتقادهم أنهم في غنى عن سائر العالم، وأنه على رجال الممالك الأجنبية المحتاجة إليهم أن يحجّوا إلى القسطنطينية عاصمة الكون.
وكان على سفراء الدول عند الملوك العثمانيين أن يقدموا للسلطان وكبراء حكومته هدايا ثمينة على سبيل الجزية. وكان السفير حين يقابل السلطان يمسكه اثنان من الحرس السلطاني من ذراعيه المكتفين ويتقدمان «1» به حتى إذا دنا من العرش خرّ مقبلا موطئ «2» قدم السلطان. تلك بعض الأمثلة من أدلة العظمة التي كان عليها العثمانيون في عصرهم الذهبي وتلك الأيام المتداولة بين الناس) .
أسباب انقراض الدولة العثمانية:
ذكر العلامة المؤرخ السيد محمد كرد علي- في كتابه خطط الشام- أسباب انقراض هذه الدولة نقلا عن مؤرخ تركي، فقال ما خلاصته:
إن لأسباب انقراض هذه الدولة عوامل كثيرة أهمها:
(1)
انقطاع البطولة من المسلمين وقيام الأتراك سدا أمام النصرانية، وبذلك جلبوا عليهم خصومة أوربا المسيحية جمعاء، فكانت مطارق المسيحيين تتساقط على رؤوس الأتراك مدة قرون.
(2)
إقرار تركيا العناصر المختلفة- المنضوية تحت رايتها- على ألسنتهم ودياناتهم، ففتحوا للأجانب سبيل التدخل في شؤون الدولة الداخلية فكانوا سببا لانقراضها.
(3)
تدخل الدين في مصالح الحكومة وعدم قيام بناء الدولة على ما يجب.
(4)
جهل الملوك واستبدادهم وسفاهتهم.
(5)
تربيتهم رجالا من العناصر المختلفة كالعرب والأرمن وتسليمهم أمور الدولة.
(6)
هوس روسيا بالانتقام لمملكة بيزنطية، واستمرارها على محاربة تركيا لتحقيق هذا الغرض.
ثم قال المؤرخ التركي ما معناه: إن الحكومة العثمانية تذرعت بالمعنويات دون الماديات، وإنها بدلا من تجمع العنصر التركي تحت علم واحد صرفت جهودها إلى أواسط إفريقية وإلى أوربا، وأهملت العالم التركي الذي كان يجعلها في حرز منيع من غارات أوربا ويكفيها شرّ عداوتها، وإنها جعلت للغة العربية والفارسية سبيلا للعبث باللغة التركية فعاث بأهلها الفقر والجهل.
قال الأستاذ السيد محمد كرد علي، بعد أن أتى على ذكر هذه الأسباب مفصلا: ونحن نقول إن السبب الأعظم لانقراض الدولة العثمانية تغافلها عن تقليد الغرب في الماديات والمعنويات، فظهر على توالي القرون الفرق بين الخامل والعامل. وإن تركيب الدولة من عناصر مختلفة- معظمها غير مسلمين- كان من جملة الدواعي في عدم تركيبها تركيبا مزجيا، خصوصا ومعظم تلك العناصر أرقى من الترك الأصليين عنصرا أو أكثر ذكاء وأعظم تاريخا، ولا عيش للمتوسط مع الذكي، وإذا أخضعه لسلطانه بالقوة فإلى حين.
أقول: ليس جميع ما ذكر المؤرخ التركي- من أسباب انقراض الدولة العثمانية- مما يسلّم به جدلا. ولولا خوف الإطالة لفندنا معظمه. على أن هناك سببين قويين لانقراض الدولة العثمانية أشار المؤرخ المذكور إلى أحدهما، ولم يوفّه حقه من التفصيل والبيان وأهمل ذكر الآخر بتاتا:
أما السبب الأول الذي أشار إليه: فهو عداء روسيا وإرهاقها تركيا بالحروب مدة قرون طويلة، بحيث كانت لا تدع لها مجالا لتنظيم صفوفها وإعداد قواتها البحرية والبرية للحرب التالية إلا وتباغتها بالحرب مباشرة أو بالواسطة.
فروسيا هي التي كانت تعوق تركيا عن مماشاة أوربا في مهماتها الحربية وأعمالها الاقتصادية؛ لأنها كانت متى أحست بنسمة انتعاش تهب عليها تعاجلها بالحرب مباشرة