الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة 692 كتب الملك الأشرف لبعض عسكره بحمص، وإلى صاحب حماة وإلى عمه الملك الأفضل، بالمسير إلى حلب والمقام بها إرهابا للتتر. فساروا جميعا ودخلوا حلب يوم الثلاثاء تاسع وعشرين شعبان الموافق رابع شهر آب.
افتتاح بلاد سيس:
وفي سنة 697 قدم إلى حلب يكناس بدر الدين الفخري- أمير سلاح الملك الصالح- وتوجه إلى بلاد سيس، وصحبته الأمير علم الدين سنجر الدوادار وصاحب حماة ونائب صفد وعساكر مصر والشام، ومقدّم الجميع يكناس المذكور. فوصلوا إليها في رجب وشنوا عليها الغارات ونادوا في أطرافها بالثارات فأمروا وحكموا وأسروا وغنموا ونازلوا قلاعها وأخلوا من السكان بقاعها ولم يزالوا مقيمين عليها حتى أخذوا حموص وتل حمدون وسعلان والنفير وسودان ومرعش وما هو من جنوبي جيحان، ثم رجعوا إلى حلب فرحين مسرورين فأقاموا بها مدة ثم ساروا إلى أماكنهم.
عود التتر إلى حلب وما حدث فيها من سنة 697 إلى 713:
وفي سنة 698 قويت الأخبار بتحريك التتر نحو البلاد الشامية وجرد الملك المظفر عسكر حماة إلى حلب حتى وصل إلى المعرة، فبعث إليهم سيف الدين بلبان الطباخ نائب حلب كتابا بتراخي التتر فعادوا، ثم بعث إليهم كتابا آخر يستحثهم على الحضور فساروا إلى حلب ودخلوها في الثالث والعشرين من رمضان. ولما قويت هذه الأخبار استخرج السلطان من غالب الأغنياء بمصر والشام ثلث أموالهم لاستخدام المقاتلة.
وفي سنة 699 سار قازان بن أرغون بجموع عظيمة من المغل والكرج والمزندة وغيرهم وعبروا الفرات، ووصل بجموعه إلى حلب ثم إلى حماة ثم سار ونزل على وادي مجمع المروج، وسارت إليه عساكر السلطان الملك الناصر واشتبك القتال بين الفريقين، وتمت الهزيمة على المسلمين، واحتوى التتر على أثقالهم وتبعوا العساكر إلى غزة واستولوا على عدة بلاد أعظمها دمشق، واستمروا فيها إلى أن سمعوا برجوع عسكر مصر إليهم ففارقوها وساروا إلى الشرق. وفيها دخل قراسنقر إلى حلب نائبا بها عن السلطان.
وفي سنة 700 عاد التتر إلى الشام وخلت بلاد حلب وسار قراسنقر بعسكر حلب
إلى حماة وأقام التتر ببلاد سرمين وتيزين والعمق وغيرها، ينهبون ويقتلون. وسارت إليهم العساكر، وصادف في هذه المدة تدارك الأمطار وكثرة الوحول بحيث عجز عسكر المسلمين عن الإقامة في تلك المحالّ لتعذر وصول القوت إليهم فرجع إلى مصر كما أتى، ودام التتر على إفسادهم في بلاد حلب نحو ثلاثة أشهر ثم ارتدوا على أعقابهم دون سبب يعلم. ورجع عسكر حلب مع قراسنقر إلى حلب وتراجعت الجفّال إلى أماكنهم. وفيها ألزم السلطان الملك الناصر محمد أهل الذمة أن يلبسوا الغيار، فلبس اليهود عمائم صفرا، والنصارى زرقا، والسامرة حمرا، بعد أن اجتهدوا في دفع ذلك ببذل الأموال لأرباب الدولة فما أفادهم.
وفي سنة 703 سارت عساكر مصر وحماة إلى حلب وانضم إليهم عسكرها، وقصدوا بلاد سيس وحاصروا تل حمدان وفتحوها بالأمان من أيدي الأرمن وهدموها إلى الأرض.
وفي سنة 705 في أوائل المحرّم المصادف عشرين من تموز أرسل قراسنقر نائب حلب مملوكه قشتمر إلى بلاد سيس، وكان المملوك المذكور أخرق سكّيرا، ففرّط في حفظ العسكر ولم يطالع العدو، فجمع صاحب سيس جموعا كثيرة من التتر والأرمن والفرنج وكبسوا قشتمر ومن معه، فولى الحلبيون منهزمين وتمكن التتر والأرمن منهم وأفنوا غالبهم. ومن سلم منهم اختفى في تلك الجبال، ولم يصل منهم إلى حلب إلا قليل حفاة عراة.
وفي سنة 710 ولي نيابة حلب سيف الدين قبجق عوضا عن قراسنقر، فلم تطل مدته بها ومات قبل انتهاء السنة وولى مكانه أسندمر، وولي نيابة السلطنة بالفتوحات بحلب جمال الدين أقوش الأفرم. ثم إن أسندمر المذكور استقر بحلب وصدر السلطان متوغر عليه لجرائم سبقت منه، فلم يشعر إلا ووصل إليه جمّ غفير من العساكر المصرية وعساكر حماة وحمص فقبضوا عليه وجهزوه إلى مصر مقيدا وضبط ماله إلى بيت المال، وكان ذلك في اليوم الحادي عشر ذي الحجة.
وفي سنة 791 لما قبض على أسندمر سأل قراسنقر نائب دمشق من السلطان أن يعيده إلى نيابة حلب لتعوّده عليها، فرسم له بما طلب وحضر قراسنقر إلى حلب واستقر بها إلى أوائل شوال، واستأذن للحجاز فأذن له فخرج من حلب وأضمر في نفسه العصيان، واجتمع بأمير العرب مهنّا بن عيسى واتفقا على المشاققة. فبلغ السلطان ذلك فسيّر إلى
قراسنقر ومهنا يطيّب خاطرهما، فلم يرجعا عن إصرارهما. فجرد إليهما عسكرا فخاما عن لقائه إلى جهة الفرات، وبقي العسكر بحلب والحاكم عليها المشدّون والنّظّار «1» وليس لها نائب.
وفي سنة 712 في العشر الأول من ربيع الأول وصل نائب السلطان إلى حلب وهو سيف الدين سودي الجمداري الأشرفي الناصري عوضا عن قراسنقر المذكور، وفيها قويت أخبار التتر وجفل أهل حلب وبلادها. وكان وصل إلى حلب- لمدافعتهم- الملك المؤيد أبو الفداء مع عساكره وعسكر دمشق، ثم وصل التتر إلى بلاد سيس والفرات.
فعندها رحل الأمير سيف الدين سودي مع العساكر إلى حماة ودخلها يوم السبت سابع رمضان وأقام بظاهر حماة ونزل بعض العسكر في الخانات. وكان البرد شديدا والجفّال قد ملؤوا البلد، وكان التتر نازلين على الرحبة مجدّين في حصارها. فلما طال حصارهم لها وقع بهم الغلاء ورحلوا عنها في السادس والعشرين رمضان، واستولى أهل الرحبة على آلات حصارهم، وعاد سودي نائب حلب بمن معه من العساكر الحلبية. وفي هذه السنة سعى سيف الدين سودي بجرّ ماء من نهر الساجور إلى نهر حلب، ففتح له مجرى أنفق عليه نحو ثمانمائة ألف درهم، نصفها من ماله والنصف الآخر من بيت المال. وقبل أن يتم العمل قيل له إن من يسعى بجرّ ماء من الساجور إلى قويق يموت بغتة، فترك العمل وذهب ما صرفه سدى.
وفي سنة 713 خرجت معرة النعمان من معاملات حماة وأضيفت إلى معاملات حلب.
وفي رجب سنة 714 توفي الأمير سيف الدين سودي نائب حلب، وكان مشكور السيرة وولي السلطان مكانه الأمير علاء الدين ألطونبغا الحاجب، فوصل إلى حلب في أوائل شعبان. وقد انتفعت حلب بهذا النائب وعمر جامعه بالميدان الأسود ونقل إليه أعمدة عظيمة من قورس. وعمرت بسبب هذا الجامع أماكن كثيرة وقد سبق الكلام عليه في محلة ألطونبغا في الجزء الثاني. وفي سنة 715 في شعبان سار شطر جيش حلب لحصار قلعة عرقينة- من أعمال آمد- فتسلموها بالأمان بلا كلفة وقتلوا بها طائفة وسلخ أخو مندوه وعلّق على القلعة. وأغار العسكر على قرى الأرمن والأكراد ورجعوا سالمين.