الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم دخلت تحت سلطة السلجوقية وأقاموا فيها عاملا من قبلهم (أقسنقر) جدّ نور الدين محمود زنكي. وفي سنة 490 كان واليها رضوان بن تتش السلجوقي، فخطب للمستعلي بأمر الله العلوي المصري أربع جمع ثم أعاد الخطبة باسم الخلافة العباسية العراقية. وفي سنة 511 دخلت في حوزة الدولة الأرتقية حكّام ماردين وهم من أتباع السلاجقة. ثم نزعت منهم إلى أقسنقر البرسقي صاحب الموصل سنة 515 واستناب بها ولده إلى سنة 522 وفيها استولت عليها الدولة الأتابكية الزنكية.
ثم في سنة 578 انتقلت إلى الدولة الأيوبية. ثم في سنة 657 استولى عليها التتر المنسوبون إلى جنكزخان ثم بارحوها. ثم عاودوها في سنة 658 ثم فارقوها. ودخلت بعدهم في دولة الأتراك مماليك الدولة الأيوبية. وفي سنة 892 استولت عليها الدولة الجركسية مماليك دولة الأتراك، واستمر فيها إلى سنة 922 وفيها دخلت في المملكة العثمانية القائمة على أنقاض أحد فروع الدولة السلجوقية.
وفي سنة 1014 عصي علي باشا الجانبولاد على الدولة العثمانية واستقل بحلب وغيرها سنتين ثم أخضعته الدولة واستردت ما كان استولى عليه من بلادها التي من جملتها حلب.
وفي سنة 1235 استولى عليها أهلها مدة أشهر ثم رجعت لحكم الدولة، وفي سنة 1248 استولى عليها مع غيرها إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا خديوي مصر، واستمرت بأيدي المصريين إلى سنة 1255 وفيها عادت إلى الدولة العثمانية مع بقية ما أخذته منها خديوية مصر. وفي سنة 1266 استولى أهلها عليها عدة أيام ثم أعيدت إلى الدولة.
وفي سنة 1337 خرجت من حكم الدولة العثمانية ودخلت تحت حكم الدولة العربية الفيصلية المسيطرة على سوريا. وبعد سنة انضمت إلى الوحدة السورية تحت الانتداب الفرنسي.
خبر فتح حلب عن يد المسلمين
فتحت حلب في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 15 من الهجرة النبوية أيام الخريف، سنة 633 ميلادية، عن يد خالد بن الوليد وأبي عبيدة رضي الله عنهما وكان فتحها صلحا وفتح قلعتها عنوة.
قال الواقدي ما ملخصه: بعد أن صالح أهل قنسرين أبا عبيدة وخالدا على مال معيّن ودخلا قنسرين واختطّا بها مسجدا، بلغ ذلك أهل حلب فخافوا، وكان رئيسا عليهم «يوقنا» و «يوحنا» أخوان يسكنان القلعة، وكان أبوهما قبلهما يملك حلب إلى الفرات.
وكان هرقل ملك الروم يهابه لشجاعته ودهائه وقد انتزعه من رومية خوفا منه فجاء إلى العواصم واستخلص قلعة حلب لنفسه وحصّنها وسكنها. وكان ولده الصغير منزويا عن الرئاسة إلى الترهب، ولما بلغه خبر قدوم أبي عبيدة أشار على أخيه بالصلح فأبى إلا الحرب وسار بجيوشه الجرارة التي منها 12 ألف فارس إلى كفاح أبي عبيدة قبل أن يصل إلى حلب.
وكان أبو عبيدة بقنّسرين غير عالم بالحال قد جهز كعب بن ضمرة ومعه ألف فارس وسيّره إلى حلب لفتحها. فسار كعب حتى إذا صار على نحو ستة أميال من حلب دهمه يوقنا واشتعلت الحرب بينهما. وكان أبو عبيدة مشغولا مع مشايخ أهل حلب ورؤسائهم قدموا عليه إلى قنسرين يطلبون منه الصلح والأمان بعد أن سار يوقنا لقتاله وسلكوا إلى قنّسرين غير الطريق الذي سلكه يوقنا. ولما صالحهم أبو عبيدة وأمّنهم رجعوا إلى حلب.
وقبل أن يصلوها فشا خبر صلحهم حتى بلغ يوقنا وهو يحارب كعبا، وكعب في غاية القلق الضجر، وقد تلف من عسكره زهاء مائتي رجل من أعيان الصحابة. فلما سمع يوقنا خبر الصلح اضطرب جيشه وارتد على عقبه.
ثم إن أبا عبيدة لما أبطأ عليه خبر كعب نهض بعسكره يريد حلب وعلى المقدمة خالد ابن الوليد. فما كان غير قليل حتى أشرف على كعب وعلم بما دهمه ثم ساروا جميعا إلى حلب فرأوا يوقنا وجنوده قد أحدقوا بأهل البلد يريدون قتلهم وهم يقولون: ويلكم صالحتم العرب ونصرتموهم علينا. ثم أدخل يوقنا عبيده على أهل البلد وجعلوا يقتلونهم على فرشهم وأبواب منازلهم. فنظر يوحنا من القلعة إلى البلد ورأى القتل في أهله فعارض أخاه يوقنا فلم يفعل، فأغلظ له الكلام فغضب عليه وقتله.
وكانت رايات المسلمين قد أشرفت عليهم ولما سمع خالد ضجيج أهل البلد وبكاءهم قال لأبي عبيدة: هلك أهل ذمتك. وحمل على جماعة يوقنا فلم ينج منهم سوى من لجأ إلى القلعة. ودخل المسلمون حلب من باب أنطاكية وحفّوا حولهم بالتراس داخل الباب وبنوا ذلك المكان مسجدا.
وكان يوقنا تحصن بالقلعة مع شرذمة من جنده واستعدوا للحصار ونصب المجانيق ونشر السلاح على الأسوار. ثم إن خالدا وأبا عبيدة سألا عن يوقنا فأخبرا بشأنه مع أخيه يوحنا وأنه قتله وألقاه في رأس سوق الساعة (محلة سوق الضرب) فكفنه أبو عبيدة وصلى عليه ودفنه في مقام إبراهيم (مقبرة الصالحين) .
ثم إن المسلمين جدّوا في حصار القلعة وشنّت غاراتهم في بقية البلاد إلى الفرات.
ثم زحفوا على القلعة فلم يفوزوا منها بطائل لحصانتها. وصادف الروم غرّة فهجموا على المسلمين ووضعوا السيف فيهم. ثم جدّ المسلمون في قتالهم فدحروا الروم واقتطعوا منهم زهاء مائة رومي. ثم خرج علّاقة المسلمين إلى وادي بطنان ليأخذوا الميرة منه وقد صالحهم أهله فاختار يوقنا ألفا من فرسانه وسيّرهم في الليل فالتقوا بالمسلمين قرب الصبح واقتتل الفريقان قتالا شديدا وقتل من المسلمين ثلاثون رجلا، كلهم من طيّئ وانهزم الباقون، وملكت الروم أثقالهم ومواشيهم، ثم عقروا المواشي وكمنوا في الجبل خوفا من المسلمين وقد عزموا على الرجوع إلى القلعة ليلا.
ولما رجع المسلمون إلى أبي عبيدة وأخبروه بما جرى سيّر لقتال الروم الكامنين خالدا ومعه بعض رجال صناديد، فسار إليهم وكمن لهم حتى خرجوا من مكمنهم في أوائل الليل فوثب خالد عليهم فدهشوا وولّوا منهزمين. وغنم المسلمون جميع أثقالهم ورجعوا إلى أبي عبيدة وقد انتبه لمكايد الروم وسدّ عليهم المسالك حول القلعة حتى لو طار طائر لاقتنصوه.
وأقام القوم على ذلك مدة حتى ضجر أبو عبيدة وكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخبره الخبر ويستأذنه بالانصراف عن قلعة حلب لصعوبة مأخذها وقلة العسكر.
فبعث إليه عمر عصبة من حضرموت وأقاصي اليمن من همدان ومدان وسبأ ومأرب زهاء أربعمائة فارس وثلاثمائة مطية مردوفين، ومائة وأربعين ماشيا. فأخذ لهم من مال الصدقات سبعين بعيرا ليتعقبوا عليها وكتب إليه ينهاه عن الانصراف عن القلعة أو تسلّم إليه، وأن يبث الخيل في السهل والوعر والضيق والسّعة وأكناف الجبال والأودية، ويشنّ الغارات في حدود الغارات ويصالح من صالحه ويسالم من سالمه.
وكان من جملة هذه العصبة مولى من موالي بني طريف من ملوك كندة، يقال له
دامس، ويكنى أبا الأهوال، كان أسود بصاصا كالنخلة السّحوقة «1» إذا ركب الفرس العالي تخطّ رجلاه بالأرض. وكان شجاعا قويا ذا حيلة وبراعة فطلب من أبي عبيدة أن يؤمّره على ثلاثين فارسا فأمّره. وقال له دامس: ترحل أنت بجيشك على فرسخ منا وتأمر جماعتك بقلة الحركة والاستتار ما استطاعوا، ويكون لك رجال ثقات يتجسّسون عن أخبارنا، فإذا بشّروك بظهورنا على أعدائنا «2» فتلحق بنا إن شاء الله تعالى.
فأجابه أبو عبيدة إلى ما طلب ونهض لوقته بجيشه وسار مسافة فرسخ كأنه يريد الانصراف. ونهض دامس بجماعته حتى أتوا كهفا في الجبل وكمنوا فيه ففرح الروم وظنوا أن المسلمين قد انصرفوا عن قتالهم وأرادوا أن ينزلوا من القلعة ويتبعوا المسلمين فنهاهم يوقنا. ولما كان الليل عمد دامس إلى جلد ماعز فألقاه على ظهره وأخرج كعكا يابسا وقال لأصحابه: اتبعوني. فسار نحو القلعة وأطار رجلين إلى أبي عبيدة ليبعث لهم الخيل عند طلوع الفجر. وصعد دامس ومن معه إلى الجبل تحت الظلام يمشي على أربع، وكلما أحس بشيء قرض في الكعك كأنه يقرض عظما، وأصحابه من ورائه يقفون أثره حتى لاصقوا السور، وكان الظلام شديدا، فأتى من السور مكانا قريبا قد نام حرسه واختار سبعة من رجاله أقوياء وجلس القرفصاء وأمر أحدهم أن يجلس على منكبيه ويعتمد بقوّته على الجدار، ففعل وأمر الثاني أن يفعل مثله.
ثم لم يزل يصعد واحدا بعد واحد إلى أن صعد الثامن فأمر أن يستوي قائما ثم أمر الثاني من تحته واحدا بعد واحد إلى أن قام هو، فإذا الثامن قد وصل إلى شرفة السور فتعلق بها واستوى على السور، فوجد حارس ذلك المكان نائما ثملا، فرماه إلى أصحابه ثم أدلى عمامته لصاحبه ونشله إليه ثم حذف لهما دامس حبلا وجعلوا ينشلون بعضهم إلى أن تكاملوا على السور، وكان آخرهم دامس، فاستبقاهم مكانهم وقصد بابي القلعة فرأى الحرس سكارى نائمين، ففتح البابين وتركهما مردودين وعاد إلى أصحابه وقد قرب الفجر، فأقام خمسة منهم على الباب وأرسل واحدا يستعجل خالدا، ومشى بالباقين نحو دار يوقنا، فصاحوا، وجاءتهم الأبطال وصاح يوقنا بأصحابه فأتوا من كل جانب وقاتلوا قتالا شديدا فلم يفدهم ذلك شيئا واشتبك الفريقان ببعضهما.