الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملك صلاح الدين يوسف بن أيوب دمشق وغيرها
في سلخ ربيع الأول سنة 570 ملك صلاح الدين بن أيوب مدينة دمشق وحمص وحماة. وسببه أن شمس الدين بن الداية المقيم بحلب أرسل لسعد الدين كمشتكين دزدار «1» قلعة الموصل من قبل المرحوم نور الدين إلى الملك الصالح يستدعيه من دمشق إلى حلب لإخماد الفتن التي قامت في حلب بين الشيعة وأهل السنة، وليكون مقامه في حلب.
فسار الملك الصالح مع سعد الدين المذكور إلى حلب. ولما استقر بها قبض على شمس الدين ابن الداية الذي طلبه، وقبض على إخوته وعلى رئيس الشيعة ابن الخشاب وإخوته. واستبد سعد الدين كمشتكين بتدبير الملك الصالح فخافه أتابكه الأمير شمس الدين محمد بن المقدم وبقية الأمراء في دمشق وكاتبوا صلاح الدين بن أيوب صاحب مصر ليملّكوه دمشق، فأقبل إليهم على الفور وسلّموه إياها دون أدنى مشقة.
ولما سمع من في حلب أن دمشق صارت لصلاح الدين خافوا منه وأرسلوا يهددونه فلم يأبه بتهديدهم ونادى بعسكره بالاستعداد لقصد الشام الأسفل، ورحل متوجها إلى حمص فتسلمها ثم إلى حماة فأطاعه صاحبها جرديك، والتمس منه أن يكون واسطة صلح بينه وبين أهل حلب، فأجابه صلاح الدين إلى ذلك فجدّ جرديك إلى حلب واجتمع بالملك الصالح والأمراء وأشار عليهم بصلح السلطان صلاح الدين، فاتهموه بالمخامرة معه «2» ، وحبسه سعد الدين كمشتكين مدبر الملك مع أولاد الداية المقدم ذكرهم، فبلغ الخبر السلطان وهو بحماة فرحل من وقته وسار إلى حلب ونزل على أنف جبل الجوشن فوق مشهد الدكّة «3» ثالث جمادى الآخرة، وامتدت عساكره من الخناقية إلى السعدي، فخاف الحلبيون أن يسلموه البلد كما فعل أهل دمشق فأمر الملك الصالح أن ينادى باجتماع
الناس إلى ميدان باب العراق، فاجتمعوا حتى غص الميدان بالناس، فوقف الملك الصالح في رأس الميدان من الشمال وقال لهم: يا أهل حلب أنا ربيبكم ونزيلكم واللّاجئ إليكم، كبيركم عندي بمنزلة أبي، وشابّكم كأخي، وصغيركم كولدي.
وخنقته العبرة وعلا «1» نشيجه. فافتتن الناس وماجوا ورموا عمائمهم وضجوا بالبكاء والعويل، وقالوا: نحن عبيدك وعبيد أبيك، نقاتل بين يديك ونبذل أموالنا وأنفسنا لك. وأقبلوا على الدعاء والترحم على أبيه. وكان الشيعة منهم اشترطوا على الملك الصالح أن يعيد إليهم شرقيّة الجامع يصلّون فيها على قاعدتهم القديمة، وأن يجهر «بحيّ على خير العمل» والأذان «2» ، والتذكير في الأسواق وقدّام الجنائز بأسماء الائمة الاثني عشر، وأن يصلوا على أمواتهم خمس تكبيرات، وأن يكون عقود الأنكحة إلى الشريف الطاهر أبي المكارم حمزة بن زهرة الحسيني، وأن تكون العصبية مرتفعة والناموس «3» وازعا لمن أراد الفتنة. وأشياء كثيرة اقترحوها مما كان أبطله نور الدين رحمه الله فأجابهم الملك الصالح إلى جميع ما طلبوا.
وأما السلطان صلاح الدين فإنه أرسل إلى حلب رسولا يعرّض بالصلح، فامتنع كمشتكين فاشتد السلطان حينئذ في قتال البلد. فتفاوض الملك الصالح وجماعته في إعمال الحيلة فقر رأيهم على أن يراسلوا سنانا صاحب الحشيشة- ويقال لهم الإسماعيلية والباطنية- في أن يدس إلى السلطان من يغتاله، ووعدوه على ذلك بأموال جمّة وعدّة من القرى. فجاء نفر من الإسماعيلية إلى جبل الجوشن واختلطوا بالعسكر، فعرفهم أحد من كان مجاورهم في بلادهم، فوثبوا عليه وقتلوه في موضعه، وجاء قوم للدفاع عنه فجرحوا بعضهم وقتلوا البعض. وبدر من الإسماعيلية أحدهم وبيده سكينة مشهورة ليقصد السلطان ويوقع به، فلما وصل إلى باب الخيمة اعترضه طغريل أمير جاندار فقتله، وطلب الباقون فقتلوا بعد أن قتلوا جماعة. فلما يئس»
الحلبيون من مرادهم في السلطان كاتبوا قمص الإفرنجي- صاحب طرابلس- وضمنوا له أشياء كثيرة متى رحل السلطان عن