الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحصار قلاع القدس الشريف، وصدر أمر جمال باشا بأن يعمل أكياس من الخام لأجل إملائها رملا وجعلها متاريس في قلاع القدس لتردّ عنها كرات المدافع. ففرض على أهل حلب فقط ستون ألف كيس جمعت من التجار باسم الإعانة، وجمع أضعاف هذا المبلغ من بقية البلاد وملئت رملا وجعلت متاريس في القلاع المذكورة، فلم تغن شيئا.
قدوم أحد أفراد الأسرة العثمانية على حلب:
وفيها قدم على حلب البرنس عبد الحليم أفندي- أحد أفراد الأسرة السلطانية العثمانية- متوجها إلى جبهة الحرب في فلسطين لمشارفة الحرب، فاستقبل بكل تجلّة واحترام. ثم توجه إلى جهة مقصده.
توحيد أوائل الأشهر:
وفيها ورد في البرق العثماني أن مجلس النواب العثماني قرر توحيد أوائل الأشهر الشمسية الشرقية والغربية، فاعتبر رأس السنة الشمسية الشرقية أول شهر كانون الثاني- كما يعتبره الغربيون- إلا أن تاريخ السنة بقي شرقيا عثمانيا، كما سلف الكلام عليه في مقدمة هذا التاريخ، فأسقط من شهر كانون الأول ثلاثة عشر يوما التي هي الفرق بين الغربي والشرقي واعتبر أول سنة 1333 الشرقية ابتداء كانون الثاني. ثم بعد دخول الدولة العربية إلى هذه البلاد جرت حكوماتها في تاريخ السنة أيضا على التاريخ الغربي الميلادي، فاتحد التاريخان الشمسيان شهرا وسنة وصارا تاريخا واحدا.
الأوراق النقدية المعروفة باسم بنكينوط:
أسلفنا الكلام في حوادث سنة 1333 على حدوث الورق النقدي وتداوله وهبوط أسعاره. وهنا نقول: إن هذا الورق ما زالت أسعاره في حلب تهبط، إلى أن كانت هذه السنة فازداد فيه تلاعب التجار والصيارفة حتى هبطت أسعاره هبوطا زائدا، وكان يهبط ويصعد في اليوم الواحد عدة مرات دون سبب معقول، حتى إننا كنا نقول: إن لتبديل أسعار هذا الورق سرا طبيعيا لا يمكن للعقول إدراكه كبقية الأسرار الطبيعية، وكثيرا ما كان يهبط ويصعد تبعا لما هو عليه في استانبول أو دمشق أو بيروت أو غير هذه البلاد حسبما تفيده أخبار البرق والبريد، وقد يهبط ويصعد وليس هناك خبر برقي ولا بريدي يشعر بهبوطه
أو صعوده. كما أنه كثيرا ما كان يهبط إذا توالت الأخبار بانكسار جيوش تركيا وقد تنعكس الحالة فيصعد مع توالي تلك الأخبار ولا يهبط.
وقد صار كصنف كبير من الأصناف التي يشتغل بها التجار، ولهذا كنت ترى جماهير الصيارفة والتجار واقفين في باب خان الكمرك يتعاطون بيع هذا الورق وشراءه من بعضهم، وكل اثنين أو ثلاثة منهم متكاتفون يتكلمون مع بعضهم همسا وفي أيديهم ألوف من هذا الورق يشتري زيد من عمرو ألف ورقة مائة قرش، سعر كل واحدة منها ثلاثون قرشا وربع القرش مثلا، ويدفع له الثمن نقدا في الحال نقودا ذهبيّة أو فضية، وبعد ساعة يصعد سعر الورقة إلى ثلاثين قرشا ونصف القرش فيبيع زيد ألف الورقة- التي اشتراها قبل ساعة- إلى خالد على السعر الأخير فيربح منها مائتين وخمسين قرشا. ثم لا تمضي ساعة حتى يهبط السعر أو يعلو فيبيع خالد ألف الورقة التي اشتراها قبل ساعة، فيربح أو يخسر على حسب السعر الموجود. فمن الناس من ربح من هذا الورق أرباحا طائلة ومنهم من خسر فيه جميع ثروته كأنه كان يلعب بالميسر.
من الأسباب الظاهرة التي حملت الناس على الخوف من عاقبة هذا الورق- فازداد سعره هبوطا حتى نزل إلى خمس قيمته المحررة فيه- خطبة ألقاها طلعت باشا ناظر مالية تركيا في مجلس النواب، تكلم فيها على حالة هذا الورق وتلاعب التجار في أسعاره وأورد من جملتها عبارات يفهم منها بأن هذا الورق لم يكن مكفولا من قبل ألمانيا ولا من غيرها- كما كان يعتقده الناس الذين لا ثقة لهم بمالية الدولة- وإنما كانوا مقبلين على تداوله اعتمادا على ثروة كافلته دولة ألمانيا، فلما سمعوا تلك العبارات من خطبة طلعت باشا أحجموا عن قبوله خوفا من سوء عاقبته، فهبط سعره إلى خمس قيمته كما قلنا. مع هذا كان كثير من الناس يعتقد أن هذا الورق مكفول من دولة ألمانيا رغما عما قاله طلعت في خطبته وأن ما قاله في هذه الخطبة لم يقصد منه إلا تنزيل أسعار هذا الورق إلى الدرجة الغائيّة لتشتريه الحكومة من الرعية بالثمن البخس بواسطة سماسرة خفيين وتعدمه، فتكون بعملها هذا قد وفت سلفا قسما كبيرا من الديون عن دولة تركيا من هذا الورق بقسم منه، والله أعلم بحقيقة الحال.
إن كثيرين من التجار كانوا يشترون الورق من البلاد التي يهبط فيها سعره ويصرفونه في البلاد التي يعلو فيها فيبدلونه بالذهب الذي يهرّبونه إلى بلادهم بإرشاء المراقبين في محطات