الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مات بطل العمل. مات الملك المؤيد شيخ سنة 824 فتسلطن بعده ولده الملك المظفر أحمد وقبض عليه في هذه السنة. وتسلطن بعده الملك الظاهر ططر فمات في هذه السنة أيضا.
وتسلطن بعده ولده الملك الصالح محمد وخلع سنة 825 وتسلطن بعده الملك الأشرف برسباي.
وفي سنة 841 عهد بالسلطنة إلى ولده الملك العزيز أبي المحاسن يوسف فخلع سنة 842 وخلفه الملك الظاهر أبو سعيد جقمق وخلع نفسه سنة 857 وتولى بعده ولده الملك المنصور عثمان. وخلع في هذه السنة وخلفه الملك الأشرف أبو النصر إينال. وفي سنة 865 خلع نفسه وعهد بالسلطنة إلى ولده الملك المؤيد أبي الفتح أحمد. فخلع في هذه السنة وتولى الملك بعده الملك الظاهر أبو سعيد خوشقدم وهو غير جركسي توفي سنة 872 وخلفه الملك الظاهر بلباي الأتابكي فخلع بعد مدة وتسلطن بعده الملك الظاهر أبو سعيد تمربغا الأتابكي وخلع بعد شهرين، وولي الملك بعده أبو النصر قايتباي المحمودي الظاهري سنة 872 ومات سنة 891 فولي ولده الملك الناصر محمد بن قايتباي وقتل سنة 904 وولى مكانه خاله الملك الظاهر أبو سعيد قانصوه فاعتقل، وولي بعده صهره الملك الأشرف جانبلاط سنة 905 فقتل وتسلطن بعده الملك العادل طومان باي سنة 906 فقتل.
فتولى بعده الملك الأشرف قانصوه الغوري وهو آخر ملوك الدولة الجركسية ولما أراد المماليك أن يولوه السلطنة شرط عليهم ألّا يقتلوه إذا أرادوا غيره بل يعلموه بإرادتهم فيخلع نفسه متى شاؤوا. وقد بقي في السلطنة إلى سنة 922 وفيها كان مقتله في محاربة السلطان سليم العثماني على ما نبينه.
مقتل السلطان قانصوه الغوري واستيلاء السلطان سليم العثماني على مصر والشام:
في سنة 922 تقدم السلطان سليم العثماني بجيوشه إلى البلاد الشامية ليستولي عليها ويستخلصها من يد السلطان قانصوه الغوري. وقد اختلف في أسباب قيامه فقيل: هي أن السلطان سليم «1» لما غزا العجم مرّ بعساكره على البيرة فمنع علي دولات أهل مرعش
من أين يبيعوا الأقوات عساكر سليم، وأباح لأهل مرعش أن ينهبوا أحمال أقوات العساكر العثمانية، فمات أكثرهم جوعا، فاستاء السلطان سليم من ذلك وكتب إلى الغوري يستأذنه بحرب علي دولات فكتب إليه بأنك إذا أمكنك أن تقتله فافعل. وكتب إلى علي دولات يحرّضه على السلطان سليم. وكان قصده من تحريض الطرفين أن يتخلص من أحد عدوّيه.
ففطن السلطان سليم لذلك وقصد حرب الغوري.
وقيل: إن السبب هو أن السلطان قانصوه أظهر أن مجيئه إلى حلب لم يقصد منه سوى إيقاع الصلح بين السلطان سليم وبين الشاه إسماعيل الصفوي. وقد كتب إلى الشاه مع رسول بعثه خفية كتابا يعده فيه بالنجدة على السلطان سليم. فوقع الكتاب بيد السلطان سليم وتجرد لمحاربة الغوري.
وقيل: إن مجيء السلطان سليم إلى هذه البلاد كان باستدعاء من أهلها تخلصا من الحكومة المصرية لما كانت تجريه على أهل هذه البلاد من العسف والظلم ومصادرة الأموال، حتى كثرت العوانية «1» لكثرة ما يصغى إليهم، وسلب كثير من الأغنياء أموالهم حتى عادوا فقراء. وكانت التركات تأخذها الحكومة وتبقي ورثة الميت فقراء. وقد أشار إلى هذه المظالم القرماني في تاريخه، والشيخ زنبل، ورضي الدين الحنبلي في كتابهما «2» ، وغيرهم من المؤرخين.
وقال بعض المفكرين من الأتراك: إن سبب مجيء السلطان سليم إلى البلاد الشامية والقطر المصري عارض، وإن السلطان سليم لم يكن في حملته هذه قاصدا فتح سورية، بل كان الغرض منها أن يقصد بها حرب الشاه إسماعيل ويزيل دولته ويستولي على مملكته لغرضين: أحدهما تخليص الناس من كفره وظلمه، وثانيهما- وهو المقصد الأعظم- فتح الطريق إلى الشرق الأقصى واستيلاؤه على ما فيه من الدويلات الإسلامية المتبعثرة، وجعل العالم الإسلامي جميعه تحت راية واحدة لا تقوى على تمزيقها عواصف الأيام والليالي مهما كانت عظيمة. هذا هو الذي كان يقصده من هذه الحملة وبقية الحملات التي كان
يجهزها لغزو بلاد العجم. غير أنه لما تحقق أن السلطان الغوري حليف الشاه إسماعيل وظهيره، بدأبه قبل أن يبدأ بمقصده الأصلي لأنه عدّ سلطان مصر عقبة كؤودا «1» تعوق سيره إلى تلك البلاد. والله أعلم.
هذا وإن السلطان الغوري- قبل أن يخرج من مصر- أعدّ من جهاز السفر وآلات الحرب ولوازمه ما لم يسمع بمثله، بحيث كان عدد جيشه وعدد محاربيه يفوق عدد وعدّة الجيش العثماني أضعافا مضاعفة. ثم خرج السلطان الغوري من مصر- ومعه الخليفة والقضاة الأربع- يوم السبت 16 ربيع الآخر سنة 922 وكان معه 944 أميرا. وبينما هو في الطريق ورد عليه من نائب حلب خيري بك كتاب يقول فيه: إن ابن عثمان أرسل قاصدا ومعه كتاب لمولانا فأبقيت القاصد وأرسلت الكتاب. فلما فكّه السلطان وقرأه فإذا فيه عبارة حسنة وألفاظ رقيقة منها أنه أرسل يقول له: أنت والدي وأسألك الدعاء، وإني ما زحفت على بلاد علي دولات إلا بإذنك وإنه كان باغيا عليّ وهو الذي أثار الفتنة بين والدي والسلطان قايتباي حين جرى بينهما ما جرى، وإن البلاد التي أخذتها من علي دولات أعيدها لكم.
فانشرح الغوري وجماعته من هذا المكتوب واستبشروا بالصلح. وكان ذلك كله احتيالا من ابن عثمان. ثم ورد عليه من سيباي نائب دمشق كتاب آخر، فيه: إن العبد سمع بأن حضرة السلطان يريد السفر إلى قتال ابن عثمان، وإن المملوك يقوم بهذا الأمر وتمدّوه بالعساكر المنصورة، وإن خيري بك ملاح علينا، ومكاتيبه لا تنقطع من عند ابن عثمان في كل وقت. فلم يلتفت الغوري إلى مكتوب سيباي حذرا منه، لأنه كان له رمّال يقول له: يلي الحكم بعدك حرف السين فكان يحاذر من «سيباي» ظنا منه أنه هو المراد بالسين.
ولما دخل الغوري دمشق زيّنت له سبعة أيام، وفرش سيباي تحت حوافر فرسه شقق الحرير، وازدحمت عليه المماليك بسبب نثر الذهب والفضة. ثم رحل إلى حمص ومنها إلى حلب فدخلها يوم الخميس عاشر جمادى الآخرة سنة 922 وكان دخوله إليها من باب المقام متوجها إلى الميدان الأخضر في موكب عظيم وأبهة زائدة، ومعه أمراؤه والقضاة
الأربعة والخليفة المتوكل على الله العباسي، وجماعة من مشايخ الصوفية ذوي الأتباع ومعهم الأعلام، وخيري بك- كافل حلب- حامل بجانبه القبة والطير، فنزل بالميدان المذكور ثم حضرت إليه كفّال مملكته بعساكرها. ولما بلغ السلطان سليم «1» نزول الغوري إلى حلب عجب من ذلك وخفي عليه السبب، فأوفد على الغوري- لكشف خبره- قاضي عسكره زيرك زاده، وقراجا باشا، ومعهما هدية حافلة. ولما مثلا بين يديه سألهما عن السلطان سليم فقال له القاضي: هذا ولدك وتحت نظرك. فقال له الغوري: لولا أنه مثل ولدي ما جئت من مصر إلى هنا بأهل العلم حتى أصلح بينه وبين إسماعيل شاه، ثم أجزل عطاءه وصرفه.
ثم إن الغوري نادى بالرحيل لمقابلة السلطان سليم، ورحل في النصف الآخر من رجب من السنة المذكورة وقد أودع جميع أمواله وأموال أمرائه عند أهل حلب، وصحب معه قضاة حلب وجماعة من الصوفية ومعهم الربعات والأعلام، وأظهر أنه بصدد الإصلاح بين السلاطين. وكان الغوري قد أرسل مغلباي الدوادار قاصدا إلى السلطان سليم وصحبته عشرة عساكر من خيار عسكره لابسين أحسن الملابس وعلى رؤوسهم الخوذ، ومع مغلباي كتاب يتضمن طلب الصلح فيما بين السلطان سليم وشاه إسماعيل. فلما وصل القاصد المذكور إلى السلطان سليم ودخل عليه ومعه العساكر العشرة اغتاظ السلطان سليم وقال لمغلباي: ألم يكن عند أستاذك رجل من أهل العلم يرسله لنا؟ وإنما أرسلك بهؤلاء العشرة ليرعب بهم قلوب عسكري ويخوفهم، ولكن أنا أكيده بأعظم من هذا. ثم أمر بالعساكر العشرة فضربت رقابهم وحبس مغلباي. وبعد يومين أراد أن يلحقه بهم فشفع به متصرف عينتاب، فتركه حيا ولكنه حلق لحيته وأخلق ثيابه وأركبه على حمار معقور أعرج، وقال له: قل لأستاذك يجتهد جهده وأنا سائر إليه. ولم يقرأ كتاب الغوري لشدة غيظه.
ولما رجع مغلباي إلى الغوري على هذه الحالة عسر عليه ذلك وصمم على قتال السلطان سليم، وأمر كربتاي بأن يكشف خبر السلطان سليم ويرجع على الفور. فلما وصل كربتاي إلى قيصرية وجد أهلها قد قفلوا أبوابها وتأهبوا لقتال الجراكسة لما بلغهم عنهم ما فعلوه
بحلب وأهلها، ووجد نائب عينتاب قد انحاز إلى السلطان سليم فرجع كربتاي وأخبر الغوري بعصيان قيصرية وعينتاب، وأن عسكر السلطان سليم قد أقبلت طلائعها. فارتج عسكر الجراكسة لمّا فشا فيهم هذا الخبر ووقع فيهم الخلل. وعند ذلك انتبه الغوري وجمع الأمراء والأعيان وتحالفوا على الصدق فيما بينهم، وقام من بينهم الأمير سيباي نائب دمشق وقبض على خيري بك نائب حلب وجرّه من طوقه بين يدي الغوري قال: يا مولانا إذا أردت الظفر بعدوك فاقتل هذا الخائن. فقام الأمير جانبردي الغزالي وقال: يا مولانا إن قتلته افتتن العسكر وقتل بعضهم بعضا وطمع العدوّ وضعفت شوكتكم. وكان هذا الكلام مكيدة من الغزالي.
ثم إن الغوري أمر أن ينادى بالرحيل والنزول على حيلان. وفي اليوم الحادي والعشرين رجب ركب الغوري وخرج من ميدان حلب وبات بمن معه في حيلان. وفي الغد أمر العسكر بالرحيل إلى مرج دابق حيث جعله موعدا للسلطان سليم. فرحلوا وأقاموا به.
فلما كان اليوم السابع والعشرين رجب لم يشعروا إلا وقد دهمتهم عساكر السلطان سليم.
وعندها ركب الغوري وصار يرتب العسكر بنفسه، وكان حوله أربعون مصحفا مغلفة بالحرير الأصفر على رؤوس جماعة من الأشراف، وفيهم مصحف بخط الإمام عثمان بن عفان (رضه) . وكان على الميمنة سيباي وعلى الميسرة خاير بك.
ثم التحم الفريقان للقتال فما كان غير ساعة حتى لاحت الغلبة على العثمانيين وأخذ الجراكسة منهم سبعة سناجق «1» . وكاد السلطان سليم يهرب أو يستأمن، غير أن الغوري أراد أن يمكر بالقرانصة الذين طالما حاول نكبتهم وهم جند الدولة العام، فنادى بمماليكه الجلبان (وهم عسكره الخاص) - الذين نوى في استحداثهم قهر القرانصة- أن يكفوا عن القتال ويتركوا القرانصة يقاتلون وحدهم. فكفّوا وقد شعر القرانصة بمكره فتغيرت نياتهم، وقد جدّ الجيش العثماني بإطلاق نيران المدافع فصارت تمطر على الجيوش المصرية وابلا من القنابل المهلكة فاضطربوا وخافوا وصاروا ينادون العثمانيين بأعلى أصواتهم: لسنا ممن كفر بالله حتى تحرقوننا «2» بالنار.
وبينما هم في هذا الاضطراب والارتباك إذا بالسلطان سليم قد رمح بجواده وشق الصفوف وبيده سيف عمر بن الخطاب (رضه) ، وصاح في أمرائه صيحة ردوا بها على الجراكسة كالبحر إذا سال بعرض الوادي. وما زال السلطان سليم وعسكره سائرين حتى جاؤوا إلى صف الغوري، وهرب خاير بك والغزالي ومن معهما، ونادوا بأعلى أصواتهم- تجاه خيام الغوري- بأن السلطان سليما قد أحاط بكم والغوري قد قتل وانكسر وانكسرنا. فتبعهم الجلبان وتشتت العسكر وظنوا أن الغوري قتل حقا. وكان هذا الفعل من خاير بك وصاحبه مكيدة للغوري. أما الغوري فصار ينادي الهاربين: يا سادات! الشجاعة صبر ساعة. فلم يلتفتوا إليه. ولما تحقق الغوري أن الكسرة عليه نزل عليه خلط فالج أرخى حنكه، فطلب ماء فأتوا به فشرب قليلا وألفت فرسه ليهرب فسقط على الأرض وطلع الدم من فمه. فأمر الأمير علان عبدا من عبيده أن يقطع رأسه ويرميه في الجب خوفا من أن يظفر به السلطان سليم فيمثّل به في البلاد. ففعل العبد ما أمره به الأمير علان.
وقيل إن الغوري لما شعر بنزول الخطب مات فجأة فمرّ به بعض عسكر السلطان سليم فحز رأسه وأحضره إلى السلطان فأمر بقطع رأس هذا العسكري وقال له: ليس لك أن تدخل بين الملوك.
وعلى كل حال فلم يعلم للغوري خبر ولم يوقف له على أثر. ولما شاع خبر موت الغوري زحف عسكر السلطان سليم على من كان حول الغوري وقتلوا عدة أمراء من الجراكسة وغيرهم، وفقد المصحف العثماني ونهب عسكر الغوري وجلس السلطان سليم في مخيم الغوري وأخذ جميع ما فيه، وكان شيئا يفوق العدّ والإحصاء من الذهب والفضة والملبوس وغير ذلك، وهو كالقطرة من بحر بالنسبة لما أبقاه الغوري وأمراؤه عند أهل حلب. ثم إن السلطان سليمان بقي ليلة في مرج دابق وذهب أكثر عسكر الغوري قاصدين حلب فمنعهم أهلها لما قاسوه منهم عند مجيئهم.
وأما خاير بك فإنه دخل حلب وزيّن لمحمد بن الغوري- وكان أبقاه أبوه على خزائنه بقلعة حلب- أن يسافر بالعسكر إلى مصر ويتبوأ موضع أبيه ووعده المساعدة على ذلك. وكان هذا من خاير بك تمام المكيدة ليأخذ حلب إلى السلطان سليم بغير حرب.
فصدقه محمد بن الغوري وتوجه بالعسكر قاصدين مصر، وسار معه خاير بك. فلما وصلوا حماة بقي بها خاير بك وفارق محمد بن الغوري معتذرا له. وأما السلطان سليم