الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العظيمة وقلة استقصاء أخبارها من منابعها الحقيقية.
إن عدم اطلاع المؤرخين على ما للأتراك من المعارف والفنون ناشئ عن كون هذه الأمة كانت في الأزمان الغابرة أميّة، لا تعرف الكتابة ولا القراءة ولا يوجد عندها كتاب مدوّن ولا كتابة، وحسبنا دليلا على ذلك أن جنكز خان وضع لها كتابا في شريعة استنبطها وقلم اخترعه. ولو كان للأتراك قلم يكتبون به أو قانون يتعاملون بأحكامه لما احتاج جنكز خان إلى ما وضعه واخترعه من الكتاب والقلم اللذين ذكرناهما. ولا يستغرب ذلك فإن الأمة الجركسية التي قام منها عدة ملوك لم يكن لهم بلغتهم كتاب يقرءونه، ولا قلم يكتبون به.
إن من نظر إلى عظمة الأمم التركية، وما كان لها من الحكومات القاهرة في الصين والهند الفرس وبعض جهات أوربا، يضطره العقل إلى أن يقول: إن هكذا أمة لا يمكن أن تبلغ سطوتها هذا المبلغ العظيم دون أن يكون لها قدم راسخ في العلوم والفنون.
كيف لا يكون ذلك وقد اشتهر من فلاسفة الأتراك في أوربا الفيلسوف أنخرسيس الأسكتي التاتاري، المعاصر لسولون رئيس فلاسفة اليونان، كما حكى ذلك صاحب كتاب تلفيق الأخبار، قال: وسبب شهرة هذا الفيلسوف قدومه على أثينا واشتهاره بين أهلها دون غيره من فلاسفة الأتراك الذين لم يفارقوا أوطانهم ولا وضعوا في حكمهم وفلسفتهم كتابا، بل كانوا يتلقون الحكمة من بعضهم شفاها ويتناقلونها فيما بينهم تلقينا. هذا كله قبل أن يدينوا بالإسلام ويستنيروا بنوره ويتعلموا الكتابة والقراءة بالقلم العربي، فقد ظهر منهم بعد ذلك رجال أحرزوا القدح المعلّى والنصيب الأوفر في الفنون والعلوم من منطوق ومفهوم.
علماء الإسلام الذين هم من عرق تركي
زعم بعض المتشيعين للأتراك، المتشبعين من موالاتهم ومحبتهم، أن طائفة عظيمة من علماء الإسلام وأئمة الدين السادة الأعلام هم من عرق تركي، وأن الحامل الذي كان يحمل أولئك الأعلام على وضع مؤلفاتهم الدينية باللغة العربية- مع أن لغتهم الأصلية تركية- أمران: أحدهما كون الدين الذي يضعون فيه مؤلفاتهم مستمدا «1» من مصدر عربي
هو القرآن والحديث اللذان لا يمكن إدراك حقيقة مفاهيمها ولا يتسع البحث بهما لاستنباط الأحكام الشرعية منهما إلا بلغتهما التي ولدا فيها وسطّرا على مقتضى قواعدها وضوابطها.
والأمر الآخر كون اللغة التركية الأصلية المعبّر عنها باسم جغطاي أو باسم قفجق لغة ضيقة مضطربة القواعد، لا تصلح لأن تكون لغة علمية دينية وأدبية، أما بعد أن لطّفها العثمانيون وأدخلوا إليها ألوفا من الألفاظ العربية والفارسية، صارت حينئذ صالحة لأن يضع بها طائفة من العلماء العثمانيين مؤلفاتهم.
يقول أولئك المتشيعون: إن علماء الإسلام الذين هم من عرق تركي، وإن كانت مؤلفاتهم باللغة العربية أو الفارسية، إلّا أن لغتهم التي كانوا يتفاهمون بها بين أهليهم وعوامّهم كانت هي اللغة التركية المعروفة باسم جغطاي، حتى إن سكان تركستان- الذي من جملته بخارى- ما برح أهلها «1» حتى الآن يتفاهمون بين أهليهم وعوامّهم بلغة جغطاي، وما زال أهل العلوم الدينية- الذين يقصدون بخارى من الأقطار التركية- يتلقون علومهم باللغة العربية ويتكلمون فيما بينهم بلغتهم التركية جغطاي أو قفجق.
وعليه فإن العلامة الزمخشري مثلا هو من عرق تركي بلا شك، لأنه من زمخشر «2» - إحدى قرى بخارى التي هي من أمهات تركستان- لكن أكثر مؤلفاته باللغة العربية. وله عدة مؤلفات باللغة الفارسية، وليس له شيء من المؤلفات باللغة التركية للسبب الذي ذكرناه. وهكذا يقال في العلماء الذين هم من عرق تركي ومؤلفاتهم باللغة العربية. وهاك أسماء بعض المشتهرين منهم على رأي المتشيعين المذكورين:
الرئيس- ولا أزيده مدحا على هذه اللفظة التي صارت علما عليه حيث أطلقت- وهو أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا. وتلميذ الرئيس بهمانيار. والإمام الحافظ الحجة أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، الذي قيل في كتابه «أصحّ كتاب بعد كتاب الله تعالى» . والإمامان الحجّتان مسلم والترمذي صاحبا الصحيحين المنسوبين إليهما.
والإمام الحجّة العلامة محمود الزمخشري جار الله، صاحب الكشاف وغيره من المصنفات
الشهيرة. والعلامة الأستاذ يوسف السكاك «1» صاحب مفتاح العلوم. وقد قيل فيه وفي الزمخشري: لولا الكوسج والأعرج لعرج القرآن كما نزل. يراد بالكوسج: السكاك»
وبالأعرج: الزمخشري. والإمام المطرّزي صاحب كتاب المغرب وغيره، وهو أحد تلامذة الزمخشري «3» . وناشر العلوم العربية الشيخ عبد القاهر «4» الجرجاني. وصدر الافاضل رشيد الدين الوطواطي «5» . وعبد الجبار التفتازاني. والإمام حجة الإسلام محمد الغزالي، الذي قيل في حق كتابه الإحياء: إذا فقدت كتب الشريعة أغنت «6» عنها الإحياء.
والعلامة صاحب التصانيف الكثيرة أبو حاتم محمد بن حبّان البخاري المعروف بغنجار البستي. والشيخ أبو الوليد أحمد بن أبي الرجا الأزداني، شيخ البخاري صاحب الصحيح.
وأبو محمد بن جرير الطبري صاحب «التفسير» و «التاريخ» المشهورين. وأبو بكر محمد ابن عبد الله الأوداني إمام أصحاب الشافعي في عصره. وأبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري صاحب كتاب الصحاح في اللغة. وأبو معشر البلخي- جعفر- من مهرة المنجمين، المشهور بالفلكي المتوفى سنة 272 وأبو نصر محمد بن محمد الفارابي الحكيم الفيلسوف صاحب التصانيف. في فنون الفلسفة والموسيقى. ونصر بن محمد الختلي شارح القدوري.
ومن أدبائهم المبرزين إبراهيم بن العباس الصولي، والصولي الشطرنجي، وغيرهم من العلماء الأعلام والأئمة الفضلاء الفخام الذين يضيق المقام عن ذكر أسمائهم. هذا كله عدا العلماء والفضلاء الذين نشؤوا في أحضان الدولة العثمانية وتخرجوا في مدارسها ومعاهدها العلمية كشمس الدين المعروف بابن كمال باشا، المشهور بمفتي الثّقلين المنسوب لأدرنة، وبها كانت وفاته سنة 940 وأبي السعود صاحب التفسير وناظم القصيدة المشهورة التي نوّه بذكرها الشهاب الخفاجي في كتابه «ريحانة الألبّاء» وأثبتها برمتها ومطلعها:
«أبعد سليمى بغية ومرام؟» وعلي أفندي الزنبيلي والأنقروي صاحب الفتاوي، وعلي أفندي صاحب الفتاوي الأخرى، والحاج خليفة المعروف بكاتب جلبي صاحب كتاب
كشف الظنون وغيره من المؤلفات الجليلة. وغيرهم ممن لا يساعدنا المقام على استقصاء أسمائهم.
على أن صاحب كتاب الشقائق النعمانية، وصاحب تاج التواريخ، وصاحب كتاب (أسامي) ، وصاحب كتاب قاموس الأعلام، وغيرهم من أدباء الأتراك وعلمائهم الذين ألفوا بالتاريخ، قد ذكروا في كتبهم طائفة صالحة من علماء الأتراك وأدبائهم الخريجين في مدارس الدولة العثمانية. فليراجع هذه الكتب من أحب الاطلاع على أولئك الفضلاء.
أقول: ما ذكره المتشيعون للأتراك من العلماء المتخرجين في مدارس الدولة العثمانية بأنهم أتراك فأمر مسلم به، وأما من ذكروه قبلهم من العلماء والفضلاء بأنهم من عرق تركي فليس يصح ذلك في جميعهم، ولنا فيه كلام في غير هذا الكتاب نورده حين الاقتضاء.
هذا آخر الإجمال الذي أوردناه استطرادا في الكلام على الأتراك.
ولنرجع إلى سرد الحوادث التي لها علاقة في حلب وملحقاتها فنقول: