الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدولة والمصريين على أن يكون لهم كريد وسورية وولاية أدنه. وعلى هذا استقر الحال ووقفت الحروب ورجع إبراهيم باشا إلى الديار الشامية.
ثم في سنة 1255 صدر الأمر السلطاني إلى حافظ باشا أن يسير إلى سورية ويستخلصها من المصريين، فامتثل وسافر إليها بسبعين ألف مقاتل. وسمع إبراهيم بقدومه فتقدم لملاقاته إلى «نزب» بأربعين ألف مقاتل وهناك التقى الجيشان وجرت بينهما معركة عظيمة أفضت إلى فوز إبراهيم وإنهزام حافظ باشا. وبعد هذه الواقعة خافت الدول الأجنبية سوء العاقبة وتداركت رتق هذا الفتق بإشارة الدولة العثمانية واتفقت إنكلترة والروس والنمسا وبروسة على إخراج المصريين من سوريا طوعا أو كرها، وأن لا يتركوا لهم سوى مصر وأقطارها مع قسم صغير من الديار الشامية وعقدوا على ذلك وثائق الاتفاق فيما بينهم بمدينة لندن عاصمة إنكلترا سنة 1840 م ثم كاتبوا الحضرة الخديوية بالتصديق على اتفاقهم فلم يقبل منهم، وعندها أشهروا الحرب عليه وأرسلت إنكلترا عمارة بحرية إلى سواحل سوريا فاستولت على جميعها وشحنتها بالمهمات، فضعف إبراهيم باشا عن مقاومتها وأوعز إلى عساكره بالهرب، فاجتمعوا إليه من سائر البلاد وتوجه بهم إلى جهة مصر من طريق البر لأن إنكلترا ربطت عليه المسالك البحرية، وقد نفذت «1» أقوات حاميته ومات منهم الكثيرون جوعا وأكلوا لحوم الخيل والبغال والحمير حتى أكارعها وأخسّ ما فيها. وفي قرب مدينة غزّة احترق بضع صناديق من البارود، وهلك بسببها عدد غير قليل من العساكر المرضى والنساء والأطفال الذين كانوا بمعية الجيش. ويروى أن هذه الحريق كانت مفتعلة «2» من إبراهيم ليخفف عنه الناس الذي أقلقوه بشكوى الجوع. والله أعلم.
حوادث حلب أيام إبراهيم باشا المصري
ولما دخل إبراهيم باشا إلى حلب- على ما تقدم ذكره- نزل في تكية الشيخ أبي بكر، وبعد بضعة أيام انتقل إلى منزل بني العادلي، فأقبل عليه قناصل الدول وأعيان البلدة يسلمون عليه ويهنّونه بالسلامة. فتلطف بهم وأعطاهم الأمان مما يخافون. وبعد بضعة
أيام صار يقبل عليه أعيان البلاد الحلبية ويدخلون في طاعته. ثم شرع بتنظيم أمور حلب وبلادها، وعيّن لها متسلّما أحمد أفندي ابن عبد القادر أفندي حسبي زاده، ثم غضب عليه وضربه بالسياط فمات بعد يومين. وكان متسلما حلب- قبل دخول إبراهيم باشا- إبراهيم آغا سياف زاده، وعين في مكان حسبي زاده عبد الله بك البابنسي. وفي سنة 1249 رأى الحلبيون صرامته في أحكامه وشدته في انتقامه وعقوبته وشاهدوا ما يعامل به العسكري من الإهانة والشتم واللعن، فعزموا على مناضلته. واجتمع من زعمائهم جمّ غفير، منهم عيسى آغا وبكور آغا كعدان وأحمد بن هاشم ومحمد آغا حطب- وهم من بقايا زعماء اليكجرية- وعقدوا بينهم اتفاقا وكتبوا به ميثاقا ختموه، سوى قليل منهم. فاتصل الخبر بإبراهيم باشا بواسطة محمد آغا حطب، فقتل بعضهم ونفى الباقين وأمر بجمع السلاح من البلد، فجمع منه ما لا يحصى، وارتفع سعره حتى بيعت نصلة بندقية بثلاثمائة قرش. وفي هذه السنة أمر أيضا بجمع العسكر فثقل هذا الأمر على الناس لعدم اعتيادهم عليه وهرب منهم خلق كثير وتشتتوا في البراري، ومنهم من مات تحت المطر والجليد وأكلتهم الوحوش، وكانت تكبس البيوت ويؤخذ منها العسكر دون مراعاة شريف أو وضيع، حتى إن الأولاد الصغار كانوا يؤخذون ويدخلون المكتب ويكسون بملابس الجندية.
وفي سنة 1250 صار الشروع بتعمير الرباط الكبير المعروف بالشيخ يبرق، الذي أسلفنا الكلام عليه في محلة الشميصاتية من الجزء الثاني، ورباط آخر في نواحي الكلاسة شرقي مشهد الشيخ محسّن، وغير ذلك من المباني. وكانت الفعلة والنجارون والمجصّصون يقادون للعمل في هذه المحلات بالسلاسل ويساقون بالضرب والشتم، ويدفع لهم قليل من الأجرة، ومنهم من لا يعطى شيئا. وكان أكثر أنقاض هذه الأبنية وحجارتها من المساجد القديمة والجوامع المهجورة والخانات المهملة. وفي ابتداء رمضان سنة 1253 تجدد طلب العسكر واشتد التفتيش عليهم، حتى صارت النساء يحبسن في بيوت القهوة ويضربن الضرب المبرّح ليقررن عن رجالهن. فجمع مقدار وافر وبقي بعض أفراد لم يشددوا في طلبهم رعاية لرمضان. ثم في أول يوم من عيد الفطر صدرت الأوامر بإتمام جمع من بقي من العسكر، فذاقت الناس أمرّ من الصاب، وانقلب عيدهم مأتما. ثم في ثالث يوم من شوال ورد العفو عن بقية الأشخاص المرتبة على البلد. وفي اليوم الثامن عشر من شوال
سنة 1254 وقع ثلج كثير سقط به مقدار نصف الشجر، وكان معظم ذلك في إدلب وريحا وأرمناز.
وفي غرة ذي الحجة توجه الاصباهية إلى استانبول من سائر البلاد الشامية بأمر المرحوم السلطان محمود خان. وفي اليوم الثالث عشر من هذا الشهر وقع القبض والتفتيش على أولاد المسلمين ليدخلوا في النظام العسكري، ومن لم يوجد منهم قبض على أبيه أو أمه أو زوجته وعذبوا إلى أن يحضر الرجل المطلوب. ومن هرب منهم أو أحجم عن السفر يجعل هدفا للرصاص في أرض عوّاد، فكان لا يخلو يوم من عسكري مقتول. وقد استصفت الجندية شبّان أهل حلب وملحقاتها، فلم يبق منهم سوى الكهول والعجزة ووقفت حركة الأشغال وعزّ القوت وتهتكت الحرائر في الحصول على ما يقيتهنّ. وفي اليوم الرابع عشر منه صدر الأمر بالعفو عن بقية المطلوبين. وفي هذه السنة كان الشتاء شديدا والأمطار غزيرة تعطّل بسببها أكثر العمران واستمرت نحو سبعة أشهر لم تنقطع إلا قليلا.
وفي غرة محرّم سنة 1255 خرج العسكر من حلب وبلادها إلى جهة الرّها لمحاربة حافظ باشا المرسل من قبل الدولة العثمانية، وصارت الأمتعة والميرة تنقل من حلب وغيرها إلى تلك الجهة. ثم كانت الوقعة بين الجيشين في المحل المعروف بنزب وقد مرّ خبرها.
وفي ليلة الأحد ثاني عشر شعبان زرق «1» بين العشاءين نجم غلب ضوءه القمر، واستمر شعاعه في السماء نحو عشر دقائق ثم أخذ في الذهاب نحو الجنوب. ثم في الليلة الرابعة عشر من الشهر المذكور وهي ليلة الثلاثاء رجفت الأرض رجفة قوية غير أنها لم يحصل منها ضرر. وفي سلخ رمضان سنة 1256- المصادف لليوم السابع والعشرين تشرين الأول سنة 1840 مسيحية- خرج العسكر المصري من حلب وبلادها وخلت الأرض منهم. وقدم على حلب الحاج يوسف باشا شريف زاده ومعه جماعة من الجند، فاستبشر الناس بقدومه، ثم قدم عليها من قبل الدولة العثمانية زكريا باشا مع عسكر كثير محافظة لها إلى أن يحضر الوالي الجديد. وبعد أيام قلائل حضر واليا عليها محمد أسعد باشا وأبقى عبد الله بك متسلّما. وقبل خروج إبراهيم باشا من بلادنا أمر بإحراق بعض البيوت الكبار