الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العمر ثلاث عشرة سنة مات أبوه بيسكا، فتسلطن تموجين بعده إلا أن قبائل المغل استضعفته لصغر سنه فتفرقوا عنه، وقامت الفتن فيما بينهم. وتقلبت الأيام على تموجين وجرّعته مرارتها عدة مرات ثم ساعدته الأقدار وتغلب على من ناوأه من الأعداء والأغيار، وكسر أكبر أعدائه في ذلك الزمان وهو علي أونك خان، أكبر خواقين تركستان. ومن ذلك الوقت تلقب بلقب جنكز خان ومعناه ملك الملوك، وذلك في سنة 599 وكان بلغ من العمر 49 سنة وقد غلب على ممالك الخطا وألتون خان وكان خوارزم شاه محمد خان أوقع بهم وأضعفهم.
وغلب جنكز خان على الصين واستولت هيبته على القلوب وانتشر صيته في العالم، وكان أميا لا يقرأ ولا يكتب وليس له قانون ولا كتاب شرعي، فأمر وزراءه وخواصّه أن يضعوا له خطا وكتابا قانونيا سماه «اليسق» ، من أحكامه: صلب السارق وخنق الزاني والاكتفاء بشهادة الواحد عليه، وأن الحقّ لمن سبق بالشكوى إلى الحكومة صادقا كان أم كاذبا، واستعباد الأحرار، وتوارث الفلاح، وتوريث نكاح الزوجة لأقارب الزوج، وعدم العدّة والاقتصار على زوجات معدودات، والعمل بقول الجواري والصبيان، وأخذ الجار بالجار، ومعاقبة البريء بالمجرم، ومنع عفو الحاكم وإن عفا المحكوم له، وغير ذلك.
أسباب خروجه إلى الممالك الإسلامية:
وأما أسباب خروجه إلى الممالك الإسلامية فهي أن السلطان محمد خوارزم شاه خالف الخليفة الناصر لدين الله وحاربه. وأراد الخليفة أن ينتقم منه فأرسل إلى جنكز خان يحرّضه على خوارزم شاه، غير أن جنكز خان لم يجب الخليفة لطلبه، لعهد سابق بينه وبين خوارزم شاه لم يرد نقضه، وذلك أنه لما ضخم ملكه واستولت على الأرض هيبته أراد أن يمضي باقي عمره بالراحة والدعة وأن يسالم من حوله من الملوك ويلتفت إلى تعمير ملكه ورفاهية رعيته. وكان يحب المسلمين ويعظم شعائر الدين الإسلامي، فأرسل في حدود سنة 612 رسلا إلى خوارزمشاه وهم محمود بلواج الخوارزمي، وعلي خواجه البخاري، ويوسف الانزاري، فعقدوا مع خوارزمشاه معاهدة وأسسوا بين المملكتين مودة ومحبة، ثم عادوا إلى جنكز خان فسرّ بما فعلوا. وبسبب ذلك لم يجب الخليفة على طلبه.
وبعد ثلاث سنوات على هذه المعاهدة قدم جماعة من بلاد جنكز خان إلى أنزار (بلدة
بثغر بلاد خوارزمشاه فيها وال من قبله اسمه إينالجق، له قرابة من خوارزمشاه ثم غيّر اسمه وسماه غاير خان) فلما وصل التجار الجنكيزيّون إلى هذه البلدة وهم زهاء أربعمائة رجل، معهم الأموال الكثيرة، خاطب بعضهم غاير خان باسمه الأول لأنه لم يعرف أن اسمه قد تبدل، فغضب عليه غاير خان وعلى من معه وطمع فيما لديهم من الأموال، فأرسل إلى خوارزمشاه يقول له: ورد على ثغرنا من أطراف مملكة جنكز خان جواسيس بزيّ التجار.
فأمره بقتلهم، فقتلهم جميعا وكانوا مسلمين ولم يسلم منهم سوى واحد عاد إلى جنكز خان وأخبره بالحال، فأرسل جنكز خان يطلب من خوارزمشاه غاير خان ليقتصّ منه فقتل خوارزمشاه الرسول.
ولما علم بذلك جنكز اشتد غضبه وعزم على قصد خوارزمشاه فخرج أولا إلى فضاء واسع وصعد على تلّ وكشف رأسه ووضع خده على التراب وتضرع إلى الله تعالى وطلب منه النصر على خوارزمشاه. فعل ذلك مدة ثلاثة أيام حتى سمع صوت هاتف يبشره بنيل مراده. وهكذا كان دأبه كلما عزم على أمر يهمه. ولهذا يقول بعضهم إن جنكز كان مقرا بوجود الباري تعالى. ثم إن جنكز خان مشى على بلاد الإسلام واستولى على جنديسابور وأندر كان وبخارى وغيرها من بلاد فارس وتركستان، وأزال مملكة خوارزمشاه وشتّت شمله، فمات شرّ ميتة، وقتل وسبى وعظمت بليّته على الإسلام حتى قال بعضهم: ما دهي الإسلام بداهية أعظم منها. وذكر بعضهم أن جملة من قتل جنكز خان وولده هولاكو من المسلمين سبعة عشر ألف ألف نسمة.
ولما مات جنكز خان قام بعده حفيده هولاكو بن تولي خان بن جنكز خان واستولى على العراقين، وقوّض «1» الخلافة العباسية ببغداد، وملك الموصل وديار بكر والجزيرة والشام وغير ذلك من البلاد.
وذكر بعضهم لقيام جنكز خان على بلاد الإسلام، وتسلطه على خوارزمشاه وبلاده، سببا آخر روحانيا. وهو أن المولى بهاء الدين البلخي- والد المولى جلال الدين الرومي صاحب كتاب المثنوي «2» - كان ابن أخت السلطان خوارزمشاه، وكان مريدوه وأتباعه
في طريقته لا يحصون كثرة، وكان فخر الدين الرازي صاحب التفسير الكبير ينكر على البهاء طريقته ومسلكه. فقال الفخر يوما لخوارزمشاه: إن لك اسم السلطنة ولابن أختك معناها. فاغتاظ خوارزمشاه من هذا الكلام وأرسل يقول لابن أخته: ليتفضل علينا مولانا باستلام الملك منا والجلوس مكاننا. ففهم البهاء المقصود من كلامه وقال للرسول: قل لمن أرسلك: نحن نذهب، ولكن يجيء مكاننا قوم آخرون ولا يتركون خوارزمشاه أيضا.
ثم خرج البهاء بأهله وعياله وكثير من أتباعه إلى بلاد الروم (برّ الأنضول) وتوطن في قونية، وأكرمه سلطانها علاء الدين السلجوقي. ثم كان ما كان من قيام جنكز خان على خوارزمشاه واستيلائه على بلاده بسبب انكسار قلب بهاء الدين وتأثره من خاله.
وهناك سبب آخر روحاني يذكرونه لمصيبة خوارزمشاه بحادثة جنكز خان: وهو أن تركان خاتون- أم السلطان علاء الدين محمد خوارزمشاه- كانت تحضر مجلس وعظ الشيخ مجد الدين البغدادي، وكان له أضداد يحسدونه على ذلك فأخبروا خوارزمشاه وهو سكران بأن والدته تزوجت بالشيخ مجد الدين فقال في الحال: ارموه في البحر، فرموه في جيحون. فلما بلغ خبره الشيخ نجم الدين البكري دعا على خوارزمشاه وخر ساجدا ثم رفع رأسه وحمد الله وقال: طلبت من الله دية ولدي مجد الدين فأعطاني ملك خوارزمشاه. ولما سمع بذلك خوارزمشاه- وكان قد صحا من سكره- ندم على ما فعل وسار حافيا مكشوف الرأس حاملا فوقه طستا مملوءا ذهبا، وقابل الشيخ في المسجد، ووقف في صفّ النعال وقال للشيخ: هذا الذهب دية مجد الدين وهذا السيف ورأسي إن أردت القصاص. فقال الشيخ نجم الدين: كان ذلك في الكتاب مسطورا، دية مجد الدين جميع ملكك ويذهب فيه رأسك ورؤوس كثيرين من الأكابر والأعيان ونحن على إثرك فرجع خوارزمشاه مغتما مكسوف البال. ثم كان من أمر جنكز خان ما كان.
هذا وإن جنكز خان- بعدما فعله ببلاد الإسلام من القتل والتخريب مدة سبع سنين- عاد إلى بلاده فمرّ في طريقه على بخارى وطلب من صدر جهان قاضي القضاة وشيخ الإسلام أن يرسل له عالما بشريعة المسلمين، فأرسل إليه اثنين من العلماء فسألهما جنكز خان عن حقيقة دين الإسلام فذكرا له الشهادتين والصلاة والصوم والحج والزكاة، فاستحسن الجميع وصدّق به، إلا أنه لما ذكرت له الكعبة باسم «بيت الله» قال: إن جميع الدنيا بيت الله وبيته لا يختص بمكان. ولما رجع الاثنان من عنده إلى شيخ الإسلام