الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعند ما أخذه كان في استانبول فتوجه إلى حلب ودخلها في ربيع الأول من السنة المذكورة.
قال نعيما في وقائع سنة 1062 ما معناه: إن أبشير باشا كان في مبدأ أمره على جانب عظيم من الصلاح حتى كان يظن فيهه أنه ولي من أولياء الله تعالى، ومع هذا فقد كانت أتباعه غاية في الظلم والجور ولاقى الناس في زمانه من الجور والعسف ما لم تلقه في زمن غيره.
ثم إن أبشير باشا سرى مسرى أتباعه وشغب في جمع المال وصادر الناس، وساءت سيرته واشتهر ظلمه وانعكست أفكاره وصار يظهر منه حمق عجيب، وفشا الظلم في أيام ولايته الصدارة العظمى، وجارت الولاة ولاقت حلب من طيار باشا ظلما عريضا.
وفي سنة 1065 قتل أبشير باشا بعد أن ولي الصدارة، وكان على جانب عظيم من الغنى والثروة بحيث لم يكن له مثيل في عصره. ومع هذا فلم يبق له أثرا غير الوقف الذي أسلفنا ذكره في الكلام على محلة الشمالي من الجزء الثاني. ولم يزل أبشير باشا واليا بحلب حتى اجتمعت رجال الدولة على أن يكون صدرا أعظم وذلك في أواخر سنة 1064 ووافق السلطان على ذلك وأرسل إليه الختم مع أمنائه، فوصلوا إلى حلب في غرة محرم سنة 1065 وفي أواخر محرّم توجه إلى دار السعادة وتقلد منصب الصدارة، وعندما رحل من حلب ولي عليها مكانه مصطفى باشا طيار زاده بدراهم أخذها منه لنفسه ولغيره.
حصار السيد أحمد باشا حلب:
وفي سنة 1066 ولي الصدر الجديد حلب السيد أحمد باشا، وكان من المشهورين بالجور والظلم. فسمع به الحلبيون ولم يقبلوه وزادهم فيه بغضا مصطفى باشا والي حلب الذي لم يبرح منها، فإنه لما سمع بقدوم السيد أحمد باشا إلى حلب جمع إليه أعيان البلدة ورؤساءها وكبارها وصغارها وحذرهم من السيد أحمد باشا وخوّفهم من ظلمه وجوره ومصادرته الناس، وذكر لهم غير ذلك مما انطوى عليه من الأمور المنفّرة للقلوب. فنفروا من السيد أحمد باشا ووعدوه بالمساعدة والمعاضدة عليه. أما أحمد باشا فإنه أرسل متسلّما من طرفه إلى حلب فطرده الحلبيون عنها وشحنوا القلعة بالمهمات والعدّة والعدد واستعدوا لمدافعته أو تذهب أرواحهم. وكان أحمد باشا قد وصل إلى حلب فأخبره متسلّمه عن جميع ما فعله الحلبيون فغضب غضبا شديدا وحاصر حلب وقطع القناة وضايقها مضايقة شديدة وخرب أكثر مباني البلدة الخارجة عن السور وأحرق شيئا كثيرا من البساتين وكان
يقاتل حلب قتال مكتف مؤنة الأكل والشرب وغيرهما، والحلبيون يقاتلونه قتال مضطر إلى شربة ماء فضلا عن الطعام.
وامتدت المحاصرة شهرين كاملين فاضطرب الحلبيون اضطرابا عظيما وقد أصبحت الأمور قوضى في حلب، وقام الدعّار ينهبون الدكاكين ويتعرضون لبعض البيوت، وكان رؤساء البلدة قد كتبوا إلى الدولة يلتمسون منها غير هذا الوالي ويشتكون من فعله معهم، فكتبت الدولة إليه تردعه عن هذا الفعل القبيح فلم يرتدع وزاد في طغيانه، فكتب الحلبيون إلى الدولة ثانيا يتضجرون منه ويرجون غيره. فكنت إليه الدولة بالانصراف عن حلب وولّته سيواس وولت حلب مرتضى باشا المنفصل عن بغداد. وفي نصف ربيع الآخر من سنة 1067 نقل مرتضى باشا إلى دمشق فامتنع أهلها من تسليمها إليه، فولّي ديار بكر وولّي حلب مكانه جلالي أبازه حسن باشا، وهو من أولاد السباهية، وكان ظالما غاشما وكان حاكم التركمان قبل أن يولى حلب.
وفي سنة 1068 خرج على الدولة أبازه حسن باشا ووافقه عدة ولاة. ثم اجتمعوا في صحراء قونيه وحشدوا إليهم عسكرا ضخما من مشاة وفرسان وعاثوا وأفسدوا وصادروا الغني والفقير، فتداركت الدولة ردعهم وولّت حلب أدرنه لى سوخته محمود باشا في السنة المذكورة، وطرد الحلبيون متسلم أبازه ومن معه من العساكر إلى خارج المدينة وتلقوا محمود باشا بالترحاب. ثم سيرت الدولة لردع أبازه وحزبه مرتضى باشا السردار وكان أبازه ومن معه في بلاد قونيه فقصدهم مرتضى باشا بعسكره ولما سمعوا بقدومه رجعوا نحو حلب وخيموا في عينتاب فوصل السردار إلى حلب وتوسط الصلح بين أبازه وجماعته وبين مرتضى، مفتي عينتاب، فحضر أبازه بمن معه إلى حلب لإتمام الصلح وعقد شروطه، فتمكن منهم السردار وقتلهم عن آخرهم داخل حمام في السراي وقطع رؤوسهم وحشاها تبنا وأرسلها إلى استانبول ورمى جثثهم أمام قسطل السلطان خارج باب الفرج. وممن قتل في هذه الوقعة أبازه حسن باشا وأحمد باشا ابن الطيار وأخوه مصطفى باشا، وصاري كنعان باشا وكتخدا مصطفى باشا وعبد الوهاب قاضي معسكر أبازه، وغيرهم ما ينوف عن ثلاثين رجلا. وكان قتلهم في سنة 1069 وكان معه السردار مرتضى باشا قوناقجي علي باشا، صحبه معه من الأناضول، وبعد قتل المذكورين ولاه حلب وعزل عنها سوخته محمود باشا المتقدم ذكره.
وفي سنة 1070 ولي حلب خصكى محمد باشا وذلك بعد أن حصّلت الدولة منه سبعمائة كيس من الدراهم كانت في ذمته من مال بغداد ومصر، وكان ولي عليهما. وفي هذه السنة طغى نهر قويق وهطلت السماء بالمطر الغزير حتى طافت أكثر المحلات المجاورة للنهر وغرقت البساتين وتهدمت عدة بيوت داخل البلد وخارجها. وفي سنة 1071 عزل عن حلب خاصكى محمد باشا وأشخص إلى استانبول. وسبب عزله أنه غش سكة النقود التي كان يضربها بحلب وسعى في رواجها بين الناس، فتداولتها الأيدي وفشا الفساد وتعطلت التجارة واختل نظامها. فعرض الصدر الأعظم ذلك على مسامع السلطان فأمر بعزل الوالي المذكور وإحضاره إلى استانبول فعزل وأحضر. وفي عشرين شوال منها ضربت عنقه وعنق كتخدا كاتب ديوانه وصرّافه أمام قصر الموكب في استانبول. وفيها حصل غلاء كبير في حلب بيع فيه رطل الخبز بست بارات.
ذكر في سالنامة الولاية أن والي حلب في هذه السنة: أبو النور محمد باشا. ورأيت في بعض المجامع أن واليها في هذه السنة ميراخور يوسف باشا، وفي سنة 1075 صاري حسين باشا، وكان في هذه السنة مع المحاصرين قلعة قندية على ما حكاه راشد في تاريخه.
وفي سنة 1080 كان بحلب طاعون كبير، أحصى بعضهم الجنائز التي خرجت من باب المقام في أحد أيامه فقط فكانت ألف جنازة إلا واحدة، فعلق بعض الناس على باب المقام كلبا ليكون تمام الألف. وفيها ولي حلب إبراهيم باشا وكان يعرف بإبراهيم آغا وعين سلفه حسين باشا سر عسكر، وكان إبراهيم باشا مع المحاصرين قلعة قندية فأرسل إلى حلب متسلما كسلفه. ثم في أواخر هذه السنة ولي حلب حسين باشا سلحدار السلطان وولي سلفه مصر.
وفي أوائل ذي الحجة سنة 1082 ولي حلب قبلان مصطفى باشا وكان مع العساكر في محاربة القرم فعين متسلما من طرفه كأسلافه. وفي سنة 1083 عين سردارا أكرم علاوة على ولاية حلب. وفي سنة 1085 ولي حلب إبراهيم باشا نقل إليها من دمشق، وولى سلفه قبلان مصطفى باشا ديار بكر ولا أعرف متى عزل إبراهيم باشا المذكور عن حلب غير أن واليها في ابتداء سنة 1089 كان حسين باشا وكان ظالما غاشما. وفيها حررت بيوت الأشراف واليكجرية ولم أحقق عددهما. وفي أواخر هذه السنة ولي حلب قره محمد باشا وكان يعرف بقره محمد بك.