الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدار الجزية:
مقدار الجزية على نوعين: نوع يوضع على أهل الذمة بصلح وتراض، فتقدر بحسب ما يقع عليه الاتفاق فلا تزاد ولا تنقص، ونوع يبتدئ الإمام بوضعه إذا غلب على أرضهم، وهذه لا تزاد على ثمانية وأربعين درهما على الغني- تؤخذ منه على اثني عشر قسطا، في كل شهر أربعة دراهم- وأربعة وعشرين درهما على وسط الحال: تؤخذ منه في كل شهر درهمين، واثني عشر درهما على الفقير المعتمل تؤخذ منه كذلك في كل شهر درهما.
والفقر والغنى يعتبران بحسب عرف البلدة. ولو مرض الذمي السنة كلها ولم يقدر أن يعمل لا تؤخذ منه وإن كان موسرا، وكذا لو مرض نصف السنة أو أكثر.
والمعتبر في تعيين وزن الدرهم هو أن يكون كل عشرة دراهم بزنة سبعة مثاقيل. والمثقال الشرعي مقدّر بعشرين قيراطا كل قيراط مقدر بخمس قمحات معتدلة الوزن، فيكون المثقال بوزن مئة قمحة، والدرهم الشرعي مقدر بأربعة عشر قيراطا، كل قيراط مقدر بخمس قمحات كذلك، فعشرة دراهم تبلغ سبعمائة قمحة وهي سبع مثاقل «1» . وكانت الدراهم في أيام خلافة سيدنا عمر بن الخطاب مختلفة الوزن، فكان منها عشرة تزن عشرة مثاقيل، وعشرة تزن ستا، وعشرة تزن خمسا. فخشي الخليفة من تلاعب الجباة وتحيلهم بأن يأخذوا الجزية من نوع الدراهم التي تزن العشرة منها عشرة مثاقيل، فيظلموا أهل الذمة. فأخذ من كل نوع من هذه الأنواع الثلاثة ثلاثة دراهم ثم جمع الأثلاث إلى بعضها ووزنها فبلغت سبعة مثاقيل، فأمر الجباة أن يأخذوا دراهم الجزية على معدّل كل عشرة دراهم بزنة سبعة مثاقيل.
والذي تبين لي بعد الإمعان والتدقيق أن الدرهم الذي كان يؤخذ على المعدل المذكور يساوي في زماننا نصف فرنك تقريبا، أي قرشين ونصف القرش من النقود الرائجة التي هي أجزاء الذهب العثماني المقدر بمائة وخمسة وعشرين قرشا، والريال المجيدي المقدر بثلاثة وعشرين قرشا. وعلى هذا المعدل تبلغ جزية السنة كلها عن الغني مئة وعشرين قرشا، وعن المتوسط الحال نصفها، وعن الفقير المعتمل ربعها. لا جرم أن هذا غاية الرفق من الشريعة الإسلامية التي قنعت من الذمي بهذا القدر من المال وتكفلت بحماية نفسه وصون
شرفه وساوت في الحقوق بينه وبين المسلم فجعلت له منها ما للمسلم وعليه ما على المسلم وكلفت المسلم أن يقاتل عنه ولم ترغمه على التجنّد بل تركت ذلك إليه إن رضي الدخول في الجندية، وإن لم يشأ كفّت عنه وقنعت منه بالجزية.
ومما يعدّ في الشريعة الإسلامية رفقا بالذمي جعلها الجزية على ثلاث مراتب، على الوجه الذي تقدم بيانه، كيلا يتحمل الذمي الفقير ما لا يطيقه، مع أنها لم تميز في الجهاد المفروض على المسلم بين الغني والفقير وذي العيال والمجرد بل جعلت المسلمين كلهم في مباشرة الجهاد بمنزلة واحدة.
ولو عملنا بمقتضى هذا الحساب معدل ما يدفعه المسلم المكلف للجهاد في كل عمره- لو أراد أن يجاهد بماله لا بنفسه- وبين ما يدفعه الذمي من الجزية وفرضنا أن كل واحد منهما يعيش سبعين سنة، لظهر لنا أن ما يدفعه المسلم ضعف ما يدفعه الذمي.
مثال ذلك: ثلاثة من أهل الذمة مكلفون للجزية وهم من المراتب الثلاث غني ووسط وفقير، جزية الأول عن السنة (48) وعن الثاني (24) وعن الثالث (12) فإذا جمعنا هذه المقادير إلى بعضها يبلغ المجموع (84) درهما. فإذا قسمنا هذا المبلغ على ثلاثة يصيب الواحد منهم (28) درهما في السنة فإذا ضربنا هذا المبلغ في (55) سنة وهي من السنة الخامسة عشرة من عمر الذمي إلى السبعين. يبلغ الحاصل (1540) درهما وهو جميع الجزية التي يؤديها الذمي في عمره- فأما المسلم المكلف للجهاد- سواء كان فقيرا أم كان غنيا- فإنه إذا عاش القدر المذكور من السنين فلا أقل من أن يطلب للجندية ثلاث مرات فلو دفع عن كل مرة ألف درهم على أقل تقدير لبلغ مجموع ما يدفعه في عمره (3000) درهم وهي ضعف ما يدفعه الذمي تقريبا.
ثم إن الدولة العثمانية لما رأت لاستثناء صاحب العيال من الدخول في الجندية لزوما «1» ، رفقا بعياله وصونا للتناسل من الانقطاع، استثنته من الجندية واستثنت معه العجزة والزّمناء»
، ثم عملت معدلا فظهر لها أن عدد الذين يكلفون للتجنيد في كل سنة: واحد من كل مئة وخمسة وثلاثين مسلما. وقد جعلت بدل الجندي من النقود-