الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمزيق كتاب فصوص الحكم
قال ابن الوردي: وفيها مزّقنا كتاب «فصوص الحكم» بالمدرسة العصرونية بحلب عقيب الدرس وغسلناه- وهو من تصانيف ابن عربي- تنبيها على تحريم قنيته ومطالعته. وفي ربيع الأول وصل الأمير سيف الدين يلبغا اليحياوي نائبا إلى حلب وكان حسن السيرة، وفيها حاصر يلبغا نائب حلب زين الدين قراجا بن دلغادر التركماني بجبل الدلدل- وهذا الجبل ممتنع، موقعه في جانب جيحان- فلم ينل منه يلبغا طائلا بل قتل كثير من عسكره وأسر. واشتهر اسم زين الدين وعظم على الناس شرّه. وكانت هذه الحركة من يلبغا في غير محلها.
وفيها كانت الزلزلة العظيمة المزعجة العميمة، أخربت كثيرا من الأماكن ودخلت إلى مصر والشام، وتواتر بعدها الزلزال مدة فسكن الناس في الصحاري، وتشعّث في جامع حلب بعض الجهات وانفتحت منارته ثم التأمت، وتهدم كثير من القلاع والحصون، ومات تحت الردم خلق كثير وكاد الخراب يعم مدينة منبج. وفيها يقول ابن الوردي:
منبج أهلها حكوا دود قزّ
…
عندهم تجعل البيوت قبورا
ربّ نعّمهم فقد ألفوا من
…
شجر التوت جنة وحريرا
وقال أبو محمد الحسن بن حبيب الحلبي، فيمن خرج إلى برّ حلب خوفا من الزلزلة:
يا فرقة فرقوا وعن حلب نأوا
…
وتباعدوا لما رأوا زلزالها
ما زلزلت شهباؤنا وتحرّكت
…
إلا لتخرج عامدا أثقالها
وفي سنة 746 في ربيع الآخر نقل يلبغا نائب حلب إلى نيابة دمشق، وخلفه الأمير سيف الدين أرقطاي، فأبطل الخمور والفجور بعد اشتهارها، ورفع عن القرى الطّرح وكثيرا من المظالم، ورخّص السعر، وسرّ به الحلبيون. وفيها كتب على باب القلعة وغيرها من القلاع نقرا «1» في الحجر ما مضمونه مسامحة الجند بما كانوا يدفعونه لبيت المال بعد وفاة الجندي والأمير، وذلك علوفة أحد عشر يوما عن كل سنة أمضاها المتوفّى في الجندية، وهذا القدر هو التفاوت بين السنة الشمسية والقمرية. وهذه مسامحة بمال عظيم.
وفي محرم سنة 747 طلب أرقطاي نائب حلب إلى مصر فسار إليها. وفي ربيع الأول وصل إلى حلب الأمير سيف الدين طقتمر الأحمدي نائبا عليها. ثم في رجب منها سافر إلى مصر لوحشة بينه وبين نائب دمشق لأنه لم يساعده على خلع السلطان الكامل صاحب مصر والشام. ثم في شعبان منها وصل إلى حلب نائبا عليها الأمير سيف الدين بيدمر البدري وكان عنده حدّة وقسوة: كرهت فتاة زوجها قبل أن يدخل عليها، فلقّنت كلمة الكفر لفسخ نكاحها، وهي لا تعلم معناها. فأمر بيدمر فقطعت أذناها وشعرها وعلّق ذلك على عنقها وشق أنفها وطيف بها على دابة بحلب وتيزين، وهي من أجمل البنات وأحياهن، فشق ذلك على الناس وعمل النساء عليها عزاء في كل ناحية حتى النساء اليهود وأنكرت القلوب قبح ذلك. قال ابن الوردي:
وضجّ الناس من بدر منير
…
يطوف مشرّعا بين الرجال
ذكرت، ولا سواء، بها السبايا
…
وقد طافوا بهن على الجمال
وفي محرّم سنة 748 وصل إلى حلب شهاب الدين بن أحمد بن الرياحي على قضاء المالكية بحلب، وهو أول مالكي استقضى بحلب. وفيها ظهر بين منبج والباب جراد عظيم صغير من بزر السنة الماضية، فخرج عسكر من حلب وخلق كثير من فلاحي النواحي الحلبية- نحو أربعة آلاف نفس- لقتله ودفنه، وقامت عندهم أسواق وصرفت من الرعية أموال. وهذه سنة ابتدأ بها ألطنبغا الحاجب من قبلهم. وفي المحرّم سافر الأمير ناصر الدين المحبّي من حلب بعسكر لتسكين فتنة ببلد شيزر بين العرب والأكراد، قتل فيها من الأكراد نحو خمسمائة نفس ونهبت أموال ودوابّ. وفيها ثار الأرمن في «إياس» فنكّل بهم أمير إياس حسام الدين الشيباني وأرسل من رؤوسهم إلى حلب.
وفي منتصف ربيع الأول سافر البدري نائب حلب إلى مصر معزولا. أنكروا عليه فعله في البنت المتقدم ذكرها وندم على ما فعل. وفيه وصل إلى حلب نائبا أرغون شاه الناصري في حشمة عظيمة. وفي ربيع الآخر قدم على كركر ولختا عصافير كالجراد المنتشر فسار الناس إلى شيل غلّات البذر وهذا ممّا «1» لم يسمع بمثله. وفيه وصل تقليد القاضي شرف الدين موسى بن فياض الحنبلي بقضاء الحنابلة بحلب، فصار القضاة أربعة. ولما بلغ
بعض الظرفاء أن حلب تجدد بها قاضيان مالكي وحنبلي، أنشد قول الحريري في الملحة «1» :
ثم كلا النوعين جاء فضله
…
منكّرا بعد تمام الجمله
وفي جمادى الآخرة نقل أرغون شاه نائب حلب إلى نيابة دمشق، وهو في غاية السطوة، مقدم على سفك الدماء بلا تثبّت، قتل في هذه المدة اليسيرة خلقا كثيرا ووسّط وسمّر «2» ، وقطع بدويا سبع قطع بمجرد الظن، وغضب على فرس له ثمينة «3» ، مرح بالعلافة فضربه حتى سقط، ثم قام فضربه حتى سقط. وهكذا عدة مرات حتى عجز عن القيام. فبكى الحاضرون على هذا الفرس فقيل فيه:
عقلت طرفك حتى
…
أظهرت للناس عقلك «4»
لا كان دهر يولّي
…
على بني الناس مثلك
وفي أواخر هذه السنة أعني 748 وصل إلى حلب نائبا فخر الدين إياز، نقل إليها من صفد، ثم في شوال منها إلى مصر معتقلا. وفي ذي الحجة وصل إلى حلب مكانه سيف الدين الحاج أرقطاي الناصري، ولما دخل إلى حلب أعفى الناس من زينة الأسواق لأنها تكررت حتى سمجت.
وفي شوال وصل إلى حلب- من قبل السلطان- أسود ليأخذ على كل رأس غنم تباع بحلب وحماة ودمشق درهما. فيوم وصوله إلى حلب وصل خبر قتل مرسله السلطان، فسرّ الناس بذلك. وفيها كان الغلاء بحلب وحماة ودمشق. وحلب أخفّ غلاء من غيرها، وأشدّه بدمشق، حتى انكشف الحال وجلا كثير من أهلها إلى حلب وغيرها، وصلت فيها غرارة الحبّ إلى ثلاثمائة درهم، وبيع البيض كل خمس بدرهم، واللحم: الرطل بخمسة دراهم وأكثر، والزيت: الرطل بستة أو سبعة. وفي العشر الأوسط من آذار في