الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حوادث الأرمن:
حوادث الأرمن- في حلب وأورفة وعينتاب وكلّز وأنطاكية- بدأت في السنة السابقة وانتهت في هذه السنة (1334 هـ) . وهي محررة في كتاب مطبوع باللغة التركية عنوانه (فظائع الأرمن) قد فصلت فيه تلك الحوادث تفصيلا مسهبا، وصورت منها الوقائع المهمة الفظيعة بالفوطغراف. وهو كتاب كبير يستوعب ثلاثمائة صحيفة، نقلنا عنه جميع ما كتبناه في هذا الفصل سوى حوادث الأرمن في أنطاكية فقد أخذناها بالتلقي عن بعض ثقات من أهل تلك البلاد فنقول:
مشاغب الأرمن في أورفة:
في خلال السنة السابقة شاع في حلب أن جماعة من طائفة الأرمن في مدينة أورفة شقوا عصا الطاعة، وجاهروا بعصيانهم بينما كانت الحكومة آمنة من غائلتهم لما تشاهدهم فيه من الغبطة والرخاء والحرية الشاملة في معايشهم ومعتقداتهم ومكاتبهم ومعابدهم، حتى إنها لثقتها بهم وفرط اطمئنانها منهم قررت أن يكون لواء أورفة محل إقامة من تجليه عن بلاده من الأرمن الذين ارتابت بصداقتهم وخشيت غائلتهم على جيوشها المتصدية لمحاربة الروس.
يبلغ عدد طائفة الأرمن في أورفة نحو ثلاث عشرة «1» ألف نسمة. على أن هذه المنطقة الأرمنية لم تلبث بعد إعلان النفير العام سوى قليل من الأيام حتى تظاهرت بالانحراف عما كانت الحكومة تعهدها عليه من الوداعة والسكون، فأشهرت عداءها على الحكومة العثمانية أسوة ببقية إخوانها الأرمن القاطنين في جهات آسيا الصغرى وغيرها من البلاد العثمانية.
وسبب ذلك- حسبما ظهر من البحث والتدقيق- إغراء المبشرين الأميركان وغيرهم من مبشري الدول الأجنبية، فإنهم بواسطة مكاتبهم يستخدمون الأمة الأرمنية كآلة صمّاء لبلوغ مآربهم. أضف إلى هذا وسوسة مرخص الأرمن في أورفة، الذي كان منفيا إلى طرابلس الغرب بعد حادثة الزيتون التي سبق ذكرها في حوادث سنة 1313 فإنه بعد أن أطلق سراحه وعاد إلى أورفة عاد إلى ديدنه الأول، فأخذ يلهج بحط مقام الدولة العثمانية
والانتقاد على أعمالها والتحرش بباقي رعاياها المخلصين.
وكان الأرمن في أورفة يتربصون بإعلان عصيانهم على الدولة قدوم جيوش الروس على جهاتهم، غير أن الحكومة العثمانية لما أمرت بتجنيد مواليد سنة 1310 اتخذ الأرمن هذه القضية ذريعة للتجاهر بالعصيان، فهبوا للتمرد وجمعوا عددا كبيرا من شبانهم في قرية كرموش التي تبعد عن أورفة مسافة ساعة ونصف وهناك أعلنوا العصيان.
هذه القرية عظيمة فيها كنيسة كبيرة ومعبد للبروتستان ومغائر متعددة. ولما اتصل خبر تمردهم بالحكومة أنفذت إليه ثلة من الدرك مؤلفة من ثلاثين شخصا، ففاجأها العصاة بإطلاق النار فقتل منها واحد وجرح آخر. ومع ذلك فإن هذه الثلة هجمت عليهم وغنمت مقدارا كبيرا من السلاح والذخائر وقبضت على بعض الفدائيين منهم. وبينما كانت الجنود العثمانية تبحث في نفق للتحري عن السلاح إذ وجدت فيه ثلاثة من غرباء الأرمن قد طالت شعورهم لطول مكثهم في هذا النفق. وفي الحال أطلقوا عياراتهم على الجنود فقتلوا منهم اثنين وجرحوا آخرين. ثم إن شرذمة من الأرمن تعرضت إلى كتيبة من الدرك على طريق «سيوه رك» فلم تفلح. ثم تعرضت إلى عملة يشتغلون في موضع يقال له «اق هيوك» (تل أبيض) فقتلت ضابطا وجرحت أربعة أفراد ومختار قرية.
وبعد هذه الواقعة اختفى الأرمن في منازلهم واجتمع منهم شرذمة في دار أولاد الأطراقجي، وأخذت تطلق عياراتها. ثم قام الأرمن كلهم يرمون الرصاص ويهجمون على محلات المسلمين واستولوا منها على بعض دور حصينة وقتلوا عشرة من نساء تلك الدور. وفي ذلك الوقت نقس «1» جرس الكنيسة الكبرى بأن هبوا جميعا لإشهار العصيان، وكان ذلك بتدبير رجل اسمه (صوغومو) قسيس بروتستاني يدير دفة سياستهم، فنفروا للحرب جميعا وقد خيّط على كمّ كل واحد منهم رقعة فيها عنوان وظيفته. فهاجوا وماجوا وقذفوا من أفواه بنادقهم نارا حامية، وكانت القوة العسكرية غير كافية لكبحهم فدام تمردهم كذلك حتى وصلت إلى أورفة قوة عسكرية يقودها وكيل قائد الجيش الرابع، فأرسل إليهم مع طائفة من نسائهم بيانا يقول لهم فيه: من كان منكم مطيعا للحكومة فليخرج من باب «صمصاد» . فلم يصغوا إلى بيانه وثابروا على الامتناع وحينئذ صوّب