الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قرش ريالي، وجرّة الشيرج بثمانية قروش، ورطل لحم الخيل الكدش بنصف قرش، والتينة الواحدة بقطعة، وأوقية بزر البطيخ بأربع قطع. وأعظم من في البلد يجد أكل البصل والخل من أحسن الأطعمة. وكان بعضهم يأخذ الشمع الشحمي ويضعه في طعام الأرز والبرغل، وكانت العساكر لا تجد التبن بل كانوا يأخذون الحصر وينقعونها في الماء ويطعمونها للخيل.
وكان كل فقير يغرّم في اليوم قرشين والمتوسط عشرة والغني عشرين.
واستمر الحصار نحو أربعة أشهر، وأيام كل ذلك كان في سنة 1013 وبينما كان الحال كذلك إذ قدم إلى حلب قاضيا عليها السيد محمد المشهور بشريف أفندي، فنزل خارج المدينة وأخذ يسعى في الصلح فتم على يده، ولم يثق نصوح إلا بأيمان السّكبانية وعهودهم، فحلّفهم جميعا بالسيف على أن يكون آمنا على نفسه وأمواله، وأنه إذا تعرض لها حسين باشا يقاتلونه معه. ثم أمر القاضي نصوح باشا أن يذهب بنفسه إلى حسين ويصالحه فأجابه، وتوجه نصوح إلى منزل حسين فأكرمه وسقاه شربة سكّر بعد أن شرب منها حسين أمامه تأمينا له، فشرب نصوح ثم خرج من البلد بعساكره وطبوله وزموره دون أن يتعرض له أحد بسوء. واستولى حسين باشا على ولاية حلب وشحنها بالسكبانية وصادر الأغنياء والفقراء لأجل علوفتهم.
قتل حسين باشا:
وفي سادس عشر جمادى الآخرة سنة 1014 كانت كسرة الوزير سنان باشا ابن جفال ببلاد العجم، وكان قد أرسل إلى حسين باشا بالتوجه إليه ليكون معه في محاربتهم، فتثاقل حسين باشا عن التوجه وتباطأ. ولما رجع سنان باشا من الكسرة تلاقى مع حسين باشا في «وان» فاتهمه بالمخامرة على الدولة وخنقه في الحال وقطع رأسه. وكان ذلك في السنة المذكورة.
عصيان علي باشا على الدولة وما آل إليه أمره:
ولما سمعت عشيرته بحلب أنه قتل ظلما وعدوانا ثارت فيهم الحمية وقاموا على قدم وساق، لا سيما ابن أخي المقتول علي باشا، فإنه استشاط غضبا وتحرّق غيظا، وكان هو وكيل غيبة المقتول، فحشد إليه أخلاط الناس وغوغاءهم وتغلّب على حلب. ولما
اتصل الخبر بالدولة أرادت أن تتدارك الخرق وتجبر الكسر، فأرسلت بمنشور إيالة حلب إلى علي باشا فازداد عتوا، وجمع جمعا عظيما من السّكبان حتى صار عنده ما يزيد على عشرة آلاف فارس، ومنع المال المرتّب عليه ونهب في تلك الأطراف، ودبّر على قتل والي حلب حسين باشا، وكان ولاه السلطان عليها لما بلغه خروج علي باشا عن الطاعة. وكان حسين باشا المذكور وصل إلى أذنة فأرسل علي باشا إلى حاكمها الخارجي أيضا المعروف بجمشيد أن يصنع لحسين باشا ضيافة ويقتله فيها، ففعل.
ونما خبره إلى الأقطار واستمر علي في حلب يظهر الشقاق إلى أن أرسل الأمير يوسف ابن سيفا صاحب عكا إلى باب السلطنة رسالة يطلب فيها أن يكون أميرا على عسكر الشام، والتزم بإزالة ابن الجانبولاط عن حلب. فجاءه الأمر على ما التزم. فجمع عساكره والتقى مع ابن الجانبولاط في قرب حماة فانكسر ابن سيفا، واستولى ابن الجانبولاط على أثقاله وفرّ ابن سيفا إلى دمشق. وسار ابن الجانبولاط إلى طرابلس واستولى عليها وضبط ما وجده فيها من الأموال. وفي يوم السبت من أواسط جمادى الآخرة سنة 1015 التقى ابن الجانبولاط بعسكره مع عساكر دمشق في وادي دمشق الغربي، فما مرّ مقدار جلسة خطيب إلا وانكسر عسكر دمشق وتقدم ابن الجانبولاط لنهب دمشق. ثم صالحوه على مائة وعشرين ألف قرش ورحل عنهم عائدا إلى حلب. وفي طريقه صالح ابن سيفا وصاهره ثم سار إلى حلب وجاءته الرسل من جانب السلطنة تقبّح عليه ما فعله بالشام، فكان تارة ينكر فعله وتارة يحيل الأمر على عسكر الشام. وشرع بسد الطرقات وبقتل من يعرف أنه سائر إلى طرف السلطنة، وأخاف الخلق ونفذ حكمه من آذنة إلى نواحي غزة.
وانقطعت أحكام السلطنة من البلاد المذكورة سنتين ووقعت الوحشة وانقطعت الطرقات، إلى أن أمر السلطان وزيره الأعظم قويجي مراد باشا السردار بالمسير إلى ابن الجانبولاط وغيره من العصاة في نواحي آذنة وسيواس وغيرهما. فخرج الوزير من «إسكدار» ومعه من العساكر الرومية ما يزيد على ثلاثمائة ألف، ما بين فارس وراجل.
فمر في طريقه على الخوارج المذكورين وأبادهم. ثم قصد جهة حلب ولما بلغ خبره مسامع ابن الجانبولاط وضع أثقاله بقلعة حلب وحصّن أسوار البلد وتأهب لملاقاة العساكر، وأرسل فرقة من أجناده لتحصين جبل بقراص ليمنعوا العساكر من المرور. غير أن مراد باشا لم يأت من هذا الطريق الضيق إنما أتى من جبل قاز فلم يشعر ابن الجانبولاط إلا وعساكر
الوزير قد دهمته، وكان الحرب نهار الثلاثاء ثالث رجب سنة 1016 بأرض مرج دابق من أعمال قنّسرين، وكان مع ابن الجانبولاط من العسكر زهاء أربعين ألفا، وقد انضم إلى الوزير ذو الفقار رستم باشا حاكم مرعش ومعه عساكر ذي القدرية «1» . فلما اشتبك الحرب بين الفريقين كادت تكون الغلبة لابن الجانبولاط ثم عادت الكرة عليه وقتل من عسكره نحو سبعة وعشرين ألفا وولى منهزما لا يلوي على أحد حتى وصل إلى مسقط رأسه كلّز. فلم يقرّ له قرار فيها وجاء إلى حلب وصادر عدّة من أغنيائها وصعد القلعة ومعه بعض رؤساء عسكره فاستقام ليلة ونزل منها معوّلا على الفرار. فخرج من باب بانقوسا فصاحت عليه النساء من الأسطحة بالويل والثبور وعظائم الأمور وصرن يقذفن عليه القذر والنجاسات. وبعد أن خرج من حلب اختفى ببعض بساتينها.
أما مراد باشا فإنه في ثاني يوم من الوقعة توجه إلى حلب واجتاز بطريقه إلى كلّز للتفتيش على ابن الجانبلاط فلم يره، فضبط جميع أمواله لبيت المال، وتوجه منها إلى حلب فوصل إليها في التاسع عشر رجب وضرب خيامه في الميدان الأخضر، واستقبله أعيان البلدة ووجهاؤها وهنّؤوه بالظفر والنصر. ثم التفت الوزير إلى استخلاص القلعة من أيدي بعض أعوان الجانبولاط فرام محاصرتها، فتحقق من فيها بأن كل محصور مأخوذ فطلبوا من الوزير الأمان فأنزلهم بأمانه، وكانوا نحو ألف رجل وكان منهم نساء ابن الجانبولاط. فلما نزلوا بادروا إلى تقبيل ذيل الوزير فأشار إلى النساء أن يسكنّ في مكان معلوم، وفرق الرجال على أرباب المناصب، وطلع إلى القلعة ورأى فيها ما لا يدخل تحت الحصر من أموال ابن الجانبولاط فضبطه كله إلى بيت المال. ثم شرع يتجسس في حلب على الأشقياء وأتباعهم فقتل منهم جماعة، وقرر الراحة في حلب وولّى عليها حسين باشا وولّى قضاءها جشمي أفندي قاضي العسكر. ونظم أمور العسكر وأكمل الشتاء في حلب ثم أقلع عنها.
وأما ابن الحانبولاط فإنه هرب إلى ملطية ثم سار منها إلى الطويل الخارج على الدولة في بلاد الأناطولي، وأراد أن يتحد معه فقال له الطويل: أنا وإن كنت مسمّى بالعاصي لكني ما وصلت في العصيان إلى رتبتك. فرحل عنه بعد ثلاثة أيام وسار إلى العبد السعيد ومعه ابن قلندر، فتلقوه وعظموه وأرادوا أن يجعلوه رئيسا عليهم فشرط عليهم شروطا