الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعزّ علينا أن نرى ربعكم يبلى
…
وكانت به آيات حسنكم تتلى
ثم سار إلى الأوردو- وكان بها هولاكو- فأقبل على الملك الناصر ووعده بردّ مملكته إلى ما كان عليه.
دخول حلب في حوزة دولة الأتراك المماليك وحوادثهم فيها
ثم إن الملك المظفر- مملوك المعز أيبك صاحب مصر- جهز جيشا كثيفا لإخراج التتر من الشام وقصدهم والتقى معهم في الغور عند عين جالوت التي هي بليدة بين بيسان ونابلس من فلسطين- وكانت وصلت إليهم الأخبار بانكسار جيوش هولاكو وهلاك معظمها بحرب ضروس دارت بينه وبين ابن عمه بركة خان، ففتّ ذلك في أعضادهم وهالههم الأمر فانهزموا من أمام جيش الملك المظفر أقبح هزيمة، وقتل منهم خلق كثير وهرب من سلم منهم لرؤوس الجبال، فتبعهم المسلمون وأفنوا أكثرهم وبعد أن دخل الملك المظفر دمشق ورتب أمورها جهز عسكرا إلى حلب لحفظها وفوّض نيابتها إلى الملك السعيد بن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، وهو أول نائب بحلب من قبل دولة الأتراك والمفهوم من تاريخ أبي ذرّ أن أول نائب بحلب من قبل الدولة المذكورة هو الملك الناصر صاحب الشام أولا.
وعلى كل فإن الملك السعيد لما جاء حلب نائبا سار سيرة رديئة وكان دأبه التحيل على أخذ المال من الرعية، فأبغضه العسكر لسوء فعله. وكان بلغه أن التتر ساروا إلى البيرة فجرد إليهم جماعة قليلة من جهة العسكر وقدم عليهم سابق الدين- أمير مجلس الناصر- فأشار كبراء العزيزية والناصرية بأن هذا غير موافق للمصلحة وأن هؤلاء الجماعة قليلون فيحصل الطمع بسببهم في البلاد. فلم يلتفت إلى ذلك وأصر على مسيرهم، فسار سابق الدين المذكور بمن معه حتى قارب البيرة فوقع عليهم التتر فهرب سابق الدين منهم ودخل البيرة بعد أن قتل غالب من كان معه. فازداد غيظ الأمراء على الملك السعيد، فاجتمعوا وقبضوا عليه ونهبوا وطاقه، وكان قد برز إلى بابلّي. ولما استولوا على خزانته لم يجدوا فيها طائلا فهددوه بالعذاب إن لم يقرّ لهم بالمال. فأقر لهم ونبش من تحت أشجار
حائط في قرية بابلّي جملة من المال قيل كانت خمسين ألف دينار مصرية ففرّقت بالأمراء، وحمل الملك السعيد إلى الشّغر وبكاس معتقلا.
ثم اتفق الأمراء العزيزية والناصرية وقدّموا عليهم حسام الدين الجو كندار. ولما شاع بحلب أن التتر معاودون إليها خام «1» عنهم حسام الدين المذكور بمن معه من العساكر إلى جهة حماة. أما التتر فإنهم ساروا إلى حلب وعاودوها في أواخر هذه السنة أعني سنة 658 وكان مقدّم عسكر التتر بيدرا. فأجفل أهل حلب إلى البلاد القبلية وأخرج التتر من بقي من أهلها بعيالهم وأولادهم حافين مجرّدين إلى المحلّ المعروف بمقر الأنبياء، وبذلوا فيهم السيف فأفنوا أكثرهم وسلم القليل منهم. ثم تراجع من أفلت بأسوإ حال. ولما عاد كمال الدين عمر بن أحمد بن عبد العزيز إلى حلب بعد أن خربها التتر- وكان جافلا منهم- رأى أحوال حلب فقال في ذلك قصيدة، منها:
هو الدهر ما تبنيه كفّاك يهدم
…
وإن رمت إنصافا لديه فتظلم
أباد ملوك الفرس جمعا وقيصرا
…
وأصمت لدى فرسانها منه أسهم «2»
وأفنى بني أيوب مع كثر جمعهم
…
وما منهم إلا مليك معظّم
وملك بنى العباس زال ولم يدع
…
لهم أثرا من بعدهم وهم هم
وأعتابهم أضحت تداس، وعهدها
…
تباس بأفواه الملوك وتلثم
وعن حلب ما شئت قل من عجائب
…
أحلّ بها يا صاح، إن كنت تعلم
ومنها:
فيا لك من يوم شديد لغامه «3»
…
وقد أصبحت فيه المساجد تهدم
وقد درست تلك المدارس وارتمت
…
مصاحفها فوق الثرى وهي ضخّم
ولكنما لله في ذا مشيئة
…
فيفعل فينا ما يشاء ويحكم
ولعمر [بن] إبراهيم الرّسعني «4» مقامة في هذه الحادثة أثبت بعضها ابن الوردي في كتابه
تتمة المختصر المطبوع، فاستغنينا بذلك عن ذكرها هنا للاختصار.
وفي محرّم سنة 658 انكسر جيش التتر على حمص وحماة فأتى فلّهم إلى حلب وأخرجوا من فيها من الرجال والنساء ولم يبق إلا من اختفى، ثم قتلوا من كان في حلب من الغرباء فقتل منهم جماعة من أهلها ثم عدّوا من بقي من الحلبيين وأعادوهم إلى حلب وأحاطوا بها ومنعوا الخروج والدخول إليها. فغلت أسعار الأقوات غلوا فاحشا حتى بيعت التفاحة بخمسة دراهم، والبطّيخة بأربعين درهما، وأكل الناس الميتة سنة 659.
وذكر ابن العبري الملطي في تاريخه المدني السرياني أن أهل بعلبكّ خربوا سقف كنيسة السريان الحلبية، وكان هو مطرانها في هذه السنة وهي سنة (659) فاستحوذ عليه الجنون فذهب إلى هولاكو ملك الملوك فزجوّه في السجن في قلعة نجم. وهكذا ظلت طائفته الحلبية دون راع ولكنهم كانوا يجتمعون في بيعة الملكين فهجم عليهم التتر وقتلوهم وسبوهم. اه.
وقال صاحب كتاب عناية الرحمن ما خلاصته أنه في أواسط القرن الثالث عشر لم يرد من الآثار السريانية ذكر لأساقفة حلب حتى أواخر القرن الخامس عشر. قال: ولعل سبب ذلك هو أن هولاكو وخلفاءه أبادوا المسيحيين قاطبة من حلب ونواحيها ومن سوريا. اه. قلت: قدمنا ذكر هذه العبارة في الكلام على النصارى بعد الفتح الإسلامي فليراجع.
وفي هذه السنة وصل البرنلي إلى حلب وكان التتر قد رحلوا عنها. وحين قدوم البرنلي إليها كان بها فخر الدين الحمصي، جهزه إليها علاء الدين إيدكين البندقداري نائب السلطنة بدمشق للكشف على البيرة، فإن التتر كانوا قد نازلوها. فلما قدم البرنلي إلى حلب قال لفخر الدين: نحن في طاعة الملك الظاهر صاحب مصر فامض إليه واسأله أن يتركني ومن معي في هذا الطرف. فلما سار فخر الدين ليؤدي هذه الرسالة تمكن البرنلي واحتال على ما في حلب من الحواصل «1» واستبد بالأمر وجمع العربان والتركمان واستعد لقتال عسكر مصر، فالتقى الحمصي في الرمل مع جمال الدين المحمدي الصالحي متوجها لقتال البرنلي المذكور، فانضم إليه ولحق بهما علم الدين سنجر الحلبي ثم عز الدين الدمياطي، وساروا جميعا بمن معهم من العسكر إلى حلب وطردوا البرنلي عنها.