الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه السنة وقع بحلب وبلادها ثلج عظيم وتكرر، فأغاث الله به البلاد واطمأنّت قلوب العباد، وجاء عقيب غلاء الأسعار وقلة الأمطار. وفيها توفي الحاج إسماعيل بن عبد الرحمن العزازي، كان له منزلة عند ألطنبغا الحاجب نائب حلب، وبنى بعزاز مدرسة وساق إليها القناة الحلوة وانتفع الجامع وكثير من المساجد بهذه القناة. وله آثار غير ذلك.
وفي سنة 749 أسقط القاضي المالكي الرياحي بحلب تسعة من الشهود ضربة واحدة فاستهجن منه ذلك، وأعيدوا إلى عدالتهم ووظائفهم. وفيها قتل بحلب زنديقان أعجميان كانا مقيمين بدلوك. وفي ذي القعدة ظهر بمنبج- على قبر النبي متّى، وقبر حنظلة بن خويلد، أخي خديجة رضي الله عنها (وهذان القبران بمشهد النور خارج منبج) وعلى قبر الشيخ عقيل المنبجي، وعلى قبر الشيخ ينبوب، وهما داخل منبج، وعلى قبر الشيخ علي، وعلى مشهد المسيحات شمالي منبج- أنوار عظيمة، وصارت الأنوار تنتقل من قبر بعضهم إلى قبر بعض وتجتمع وتتراكم، ودام ذلك إلى ربع الليل حتى انتبه لذلك أهل منبج وكتب قاضيهم بذلك محضرا وجهزه إلى دار العدل بحلب.
طاعون كبير
وفيها كان الفناء العظيم والطاعون العميم الذي جاز البلاد والأمصار ولم يسمع به في سالف الأعصار وأخلى الديار والبيوت وأوقع الناس في علة السكوت. وكان إذا طعن به إنسان لا يعيش أكثر من ساعة رملية، وإذا عاين ذلك ودّع أصحابه وأغلق حانوته وحضّر قبره ومضى إلى بيته ومات. وقد بلغت عدّة الموتى في حلب في اليوم الواحد نحو خمسمائة، وبدمشق إلى أكثر من ألف، ومات بالديار المصرية في يوم واحد نحو العشرين ألفا. هكذا ورد الخبر واستمر نحو سنة وفني به من العالم نحو ثلثيهم. وفيه يقول ابن الوردي:
سألت بارىء النّسم «1»
…
في رفع «2» طاعون صدم
فمن أحسّ بلع دم
…
فقد أحسّ بالعدم
وقد كثرت فيه أرزاق الجنائزية، فهم يلهون ويلعبون ويتقاعدون على الزبون، ولو رأيت بحلب الأعيان وهم يطالعون من كتب الطب الغوامض، ويكثرون في علاجه من أكل النواشف والحوامض، ويستعملون الطين الأرمني وقد بخّروا بيوتهم بالعنبر والكافور والصندل، وتختموا بالياقوت وجعلوا الخل والبصل من جملة الأدم والقوت. قيل: إن هذا الوباء ابتدأ من الظلمات قبل وصوله إلى حلب بخمسة عشر عاما، وهو سادس طاعون وقع في الإسلام، وعنه قيل: إنه الموتان الذي أنذر به عليه السلام.
وفي سنة 750 نقل الحاج أرقطاي الناصري إلى نيابة دمشق فخرج إليها فمات بعين المباركة وحمل إلى حلب ودفن بتربة سودي. وولي حلب قطليجا الحموي فمات بعد شهر من ولايته، فوليها بعده الأمير أرغون الكاملي. وفي سنة 751 كثر طغيان العرب والتركمان في بلد سنجار وتمادى بغيهم وفسادهم ونهبوا أموال التجار وقطعوا الطريق فركب إليهم الناصري نائب حماة مع العساكر الشامية وجدّ في حصارهم بقلعة سنجار حيث تحصنوا بها وضيّق عليهم إلى أن نفذ «1» زادهم وطلبوا الأمان فأمنوهم وأنزلوهم وانقطع فسادهم، وزيّنت حلب يوم قدوم الناصري منصورا عليهم مظفرا بهم. وفي سنة 752 ولي نيابة حلب الأمير سيف الدين بيبغاروس القاسمي.
وفي سنة 753 أظهر بيبغاروس العصيان وانضم إلى نائب صفد وحماة وطرابلس والأمير زين الدين قراجا بن دالغادر، وساروا إلى دمشق وحصروها إلى أن مشى عليهم الملك الصالح فساروا عنها إلى حلب. وفي هذه السنة ولي نيابة حلب ثانية سيف الدين أرغون الكاملي. وفيها في سلخ شعبان ورد على حلب نائب صفد وحماة وطرابلس- ومعهم عدة عربان وتركمان- وكانت خالية من العسكر والنوّاب، وذلك قبل أن يصل إليها نائبها أرغون الكاملي المذكور. وكان عسكر حلب في تجريدة «2» فنزل النواب المذكورون بظاهر حلب من جهة القلة وعسكرهم قد أحاطوا بهم. ثم زحفوا على المدينة فقتلوا جماعة من المسلمين وأشرفوا على فتح حلب ثم انصرفوا عنها وكانت عاقبة نائبي صفد وحماة القتل في دمشق، وعاقبة بيبغاروس القتل تحت قلعة حلب صبرا. وفيها ظهر شخص بحلب يعرف