الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوالي بهم وأرسلت منهم أربعة رؤوس إلى استانبول. وفي اليوم السابع من تشرين الثاني سنة 1816 م مسيحية- المصادفة هذه السنة- كسفت الشمس وقت الاستواء وبقيت مكسوفة نحو ساعتين وأظلم الأفق وظهر نجم الزهرة.
ولاية خورشيد باشا على حلب:
وفي اليوم الثاني والعشرين من ربيع الثاني سنة 1223 ولي حلب خورشيد باشا. وفي سنة 1224 هـ/ 1818 م قتلت الحكومة 17 شخصا من الروم الكاثوليك، وسريانيا، ومورانيا «1» . والسبب في ذلك أن الروم القديم كان لهم بحلب مطران هو المعترف به عند الدولة بالسيادة على جميع الروم القديم والكاثوليك، أسوة أمثاله من قديم الزمان، وكانت طغمة كهنوت الروم الكاثوليك تأنف من سيادته وتنقاد إليه انقياد مكره، وكانت كنيسة الملّتين في حلب واحدة.
فلما كانت السنة المذكورة استحصل المذكور من الدولة أمرا بنفي جميع كهنة الروم الكاثوليك إهانة لهم، وعندها امتعط «2» منه جميع طائفة الكاثوليك واحتشدوا، وكانوا زهاء سبعة آلاف شخص وهم أكثر عددا من طائفة الروم القديم. ثم ساروا يريدون الإيقاع بالمطران المذكور، ثم بدا لهم أن يحضروه إلى الوالي ويلتمسوا منه كفّ سلطته عليهم استنادا على أنه لا إكراه في الدين. وكان نمي الخبر إلى الوالي وهو في تكية الشيخ أبي بكر، فلما رأى جموع الكاثوليك مقبلين عليه إقبال هجوم وتألّب أمر أن يفرق جمعهم ويقتل منهم بعض أفراد تسكينا للفتنة. فنفذ أمره وفرق جمعهم وقتل منهم الأفراد المذكورون.
وبقيت سيادة مطارنة الروم على عموم الروم إلى أن دخل المصريون حلب فأفردوا لكل طائفة مطرانا وكنيسة. وبعدهم حذت الدولة العثمانية حذوهم واستمر الحال على هذا المنوال إلى يومنا هذا. هذه الحادثة مذكورة في كتاب عناية الرحمن مفصّلة فلتراجع.
حصار حلب المعروف بحصار خورشيد:
ألمعنا- فيما تقدم قريبا- عن حادثة قتل اليكجرية وتشتتهم في البلاد عن يد محمد
جلال باشا جبار زاده، وأن حلب من ذلك اليوم أخذت بالسكون والراحة غير أنه لم يمض على تلك الحادثة زمن يسير إلا وقد اعتصب في حلب زمرة من السادات وأخذوا يدأبون بإخلال الراحة وانضباط البلد، ثم سولت لهم أنفسهم أن يقوموا على الحكومة ويخلعوا طاعتها. واستعدوا للقيام وكاتبوا جماعة اليكجرية الذين كانوا مشتتين في البلاد هربا من جبار زاده، فحضروا خفية ولازموا البيوت سرا، وقوي بهم حزب السادات وزادوا استعدادا وصاروا يتوقعون أدنى باعث للثورة.
فاتفق أن حاشية الوالي خورشيد كانت من أعظم الأسباب التي عجّلت قيام الثائرين، المترقبين أدنى فرصة تسنح لهم. وذلك أن الوالي المشار إليه كان على جانب عظيم من الصلاح والدين، وبالعكس حاشيته وجماعة دائرته فكان إمامه لا ينفك عن السكر إلا قليلا، وأما كتخداه سليمان بك فإنه يتناول المسكرات ليلا ونهارا وكثيرا ما كان يرى كالمجنون عند المساء لكثرة ما يشرب، فلربما كان يغضب على بعض أتباعه فيضربه بالبلطة أو بالخنجر في أي محل وقع الضرب، وكان يدور في شوارع حلب على هذه الحالة إلى نصف الليل.
وغضب مرة على رئيس ساسة الدواب وهدده بالضرب والقتل فخاف بقية السّاسة من شرّه وعولوا على الفرار وكان في الإصطبل عدد وافر من الخيول والبغال فعمد إليها سليمان بك وقطع مقادوها وقيودها واستنفرها إلى خارج الإصطبل فحصل بسببها غلغلة عظيمة في أسواق حلب. فهذه حالة الكتخدا، وأما بقية رجال الدائرة فإنهم كانوا على أشد انهماك من الفسق والارتشاء، وكان خورشيد باشا ليس عنده خبرهم بل كان يحسن ظنه بجميعهم.
كانت هذه الأحوال تزيد من الحاشية يوما فيوما والحلبيون المتعصبون في دينهم يزدادون نفورا إلى أن ثاروا بغتة في إحدى الليالي من محرّم سنة 1235 وكان الوالي في أطراف نهر الساجور يعاني مكاشفته لجرّه إلى نهر قويق، ومشوا نحو منزل الكتخدا المدكور فكبسوه وقتلوه، ثم انتقلوا منه إلى غيره من جماعة الدائرة المنهكمين في المعاصي وأعدموهم عن آخرهم، ثم التفتوا نحو عسكر الوالي وبغتوهم بالقتل. حتى إني رأيت في بعض المجاميع أن جملة من قتلوا من حاشية الوالي وأتباعه في تلك الليلة سبعة آلاف نسمة، وهو مبالغة فيما أظن. ثم إن هؤلاء الثائرين كبسوا بيت الإمام المتقدم ذكره فأخذوه مع جميع ما كان عنده من آلات اللهو واللعب وأدوات الفسق والفجور، وجاؤوا به إلى المحكمة الشرعية كأنه مشهّر، ونادوا القاضي قائلين وهم يشيرون إلى الإمام: يكفي أن تعلم بحالته استانبول
فقط. فتلطف بهم القاضي واستعمل أنواع الحيل والمداهنة ودفع عنه هذه الجمهرة، ثم أحضر إليه جماعة من العلماء وذوي الوجاهة وسار معهم إلى خورشيد باشا في تكية الشيخ أبي بكر وأثبتوا لديه رضاهم ومزيد صداقتهم.
وكان خبر الحادثة نمي إليه «1» وعاد من سفره فابتدر في الحال قطع القناة عن حلب ومنع عنها دخول الميرة والأقوات، وشدد حصارها وكتب إلى المتسلّمين بأطراف حلب فأحضرهم مع عساكرهم وأطار المكاتيب لاسترجاع عسكر كان أرسله قبل بضعة أيام لجهة ديار بكر، وكتب لوالي سلانيك أن يرسل له ألفي عسكري موظف تخرج من ميناء اللاذقية. وحرّر واقعة الحال يعلم بها استانبول. فوصلت مكاتيبه إليها في اليوم الثامن عشر من محرّم. وبينهما كانت الدولة مشغولة بإطفاء نار الفتنة المشتعلة في ديار بكر في تلك الأيام إذ ورد إليها خبر حلب أيضا، فوقعت في حيرة عظيمة. ثم بدا لها أن تكتب لأبي بكر باشا متصرف قيصرية أن يسرع الكرّة مع مقدار يتداركه من العسكر لإعانة والي حلب، وكتبت إلى جلال الدين باشا جبار زاده- والي أطنة- بأن يخابر والي حلب ويعاونه حسب الإمكان، بحيث إذا لزم حضوره بنفسه لا يتأخر. وكتبت إلى جماعة من المدفعية وأصحاب العربات الذين أرسلتهم لإخضاع أهل بغداد أن يكونوا أعوانا لوالي حلب لأنهم لم يبق لسفرهم إلى بغداد لزوم، لرجوع السلام إليها.
أما خورشيد باشا فإنه كان وصل إليه المتسلمون الذين هم في أطرافه- كما تقدم- ثم وصل العسكر الذي أرسل لديار بكر، ثم عسكر الجبل والأرناووط ثم جلال الدين باشا ثم لطف الله باشا والي الرقة. فاشتدت قوته وقوي عزمه ومشى بالعساكر الوفيرة لمحاربة الحلبيين، والتقى الفريقان في محلة قسطل الحرامي خارج السور، واشتعلت نار الحرب فلم يمض غير ساعات إلا وتقهقر الحلبيون وولوا منهزمين إلى داخل البلد، واستمروا على تمردهم. وعندها اتفق رأي الوزراء الثلاثة على أن يدخلوا البلد جبرا، فرتبوا جيشا عظيما للهجوم على حلب في غرة ربيع الثاني. وفي سحرة يوم منه أطلقت المدافع على أسوار المدينة من عدة جوانب، وانفتح فيها بضع ثلمات هجم منها عسكر الجبل والأرناوط ودخلوا البلد، والتقى الفريقان في الأزقة والشوارع وجرت بينهما محاربة مهولة أريق فيها