الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأعظم بقوله: إن الحكومة العثمانية تطلب- في مقابلة بقائها على الحياد- إلغاء الامتيازات، إعادة الجزر التي أخذتها اليونان من تركيا، حلّ مشكلة مصر، تعهد روسيا بعدم التدخل بشؤون تركيا الداخلية، معونة إنكلترا وفرنسة الفعلية فيما لو هاجمت روسيا بلاد تركيا. قال جمال باشا ما معناه: فأبلغ السير لويس حكومة لندره مطالب تركيا فكان جوابها هكذا:
لا يمكن التفكير بإلغاء الامتيازات، إنما يمكن لإنكلترا- بعد اتفاق حلفائها- أن تسمح بإلغاء بعض امتيازات مالية. وأما مسألة الجزر فيجب تأخيرها والنظر إليها فيما بعد، كما أن المسألة المصرية يترك الخوض فيها الآن، وإن روسيا لا تفكر مطلقا في مهاجمة تركيا. وإن إنكلترا تطلب- في مقابلة إلغائها بعض الامتيازات المالية- عدم إغلاق المضايق في وجه سفن روسيا.
فهم جمال باشا من هذا الجواب أن دول الاتفاق لا تود اشتراك تركيا بالحرب في جانبهن، لأن ذلك يضيع لروسيا فكرة الاستيلاء على استانبول وأن غرض دول الاتفاق السعي في منع تركيا عن القيام بشيء لغير مصلحتهن، وبالاحتفاظ في غضون الحرب بالاتحاد مع روسيا وإعطائها عند الفوز النهائي استانبول، ومنح الولايات العربية استقلالا داخليا يسهل فيما بعد سقوطها تحت حمايتهن ووصايتهن.
قال جمال باشا في مذكراته ما خلاصته: إن بقاء تركيا على الحياد، مع عدم معارضة الملاحة في المضايق، يسهل لروسيا بعد خروجها من الحرب العالمية ظافرة الانقضاض على استانبول والولايات الشرقية في الأناضول.
قال: وإذا قصدنا التخلص من هذه الغائلة وأردنا إقفال المضايق- مع أن دول الاتفاق لا تسمح لنا بقفلها- أمكن حينئذ دول الاتفاق أن تضغط علينا، بل ربما يقول لنا البعض منهن أن يحتل المضايق إلى أن تضع الحرب أوزارها وحينئذ نعيدها إليكم.
قال جمال باشا بعد هذا كله: فلم يبق لنا سوى الالتجاء إلى تحالف قوي.
تحالف تركيا مع ألمانيا:
قال جمال باشا في مذكراته أثناء كلامه على موقف دول الاتفاق حيال تركيا ما ملخصه:
إن إنكلترا قد تمكنت من القطر المصري، وهي تجتهد بالحصول على العراق وفلسطين وتوطيد نفوذها في جميع أنحاء شبه جزيرة العرب. وإن روسيا لا تحتاج عداوتها لتركيا إلى دليل، وهي لا ترى لتحقيق مطامعها أفضل من عزلة تركيا. وأما دول التحالف الثلاثي فإن النمسا وإيطاليا لم يبق لهما مطامع أخرى نحو تركيا، فقد قدمتا لها كل ما استطاعتاه من الأذى فلم يبق لهما حاجة إلى مطمع جديد. وأما ألمانيا فإنها ترغب أن ترى تركيا عزيزة الجانب إذ لا يمكن ضمان مصالحها إلا بتقويتها.
لا تستطيع ألمانيا الاستيلاء على تركيا وتجعلها كمستعمرة؛ لأن المركز الجغرافي والموارد الألمانية يجعلان ذلك مستحيلا. فألمانيا إذن تعتبر تركيا بمثابة حلقة في سلسلتها التجارية، ولهذا أصبحت من أشد أنصارها ضد حكومات الاتفاق التي حاولت تمزيقها خصوصا لأن تصفية تركيا كان معناه تطويق ألمانيا بصفة نهائية، وذلك أن تركيا في الجنوب الشرقي من ألمانيا كغلق «1» لذلك الطوق، فالطريق الوحيد الذي تدرأ به ألمانيا ضغط الطوق الحديدي هو منع تمزيق تركيا.
ولما قنطت تركيا من التحالف مع دول الاتفاق على الوجه الذي أسلفنا بيانه، ورأت أن مطامع روسيا لا تتحقق إلا بعزلتها، أخذت تفكر في محالفة تنقذها من هذا الخطر.
وقد استغرق تفكّرها هذا نحو ستة أشهر. وبينما كان الوقت قد آذن بنشوب الحرب، وتركيا في قلق من عزلتها، إذ بألمانيا تعرض عليها عقد محالفة تتفق مع مصالحها وتضمن حقوق الطرفين. فلم تتأخر تركيا عن قبول المحالفة مع تلك الإيمبراطورية القوية البأس، فإن لهذه المحالفة محاسن كثيرة منها منع دول البلقان عن التدخل في شؤون حكومة تركيا.
ومنع دول الاتفاق عن الاستيلاء على بلادها. ومنها أن علماء ألمانيا وفنونها وخبراءها التجار يصبحون تحت تصرف تركيا. إلى غير ذلك من المحاسن والمزايا التي تستغلها تركيا من هذا التحالف. ثم إن دولتي النمسا وبلغاريا دخلتا مع ألمانيا في عقد هذا التحالف دون تردد ولا توقف لأن ما يهم ألمانيا يهمهما أيضا.