الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحوال الأرمن في عينتاب وكلّز:
قال في الكتاب المذكور: أحسّت الحكومة في عينتاب وكلّز أن الأرمن متهيئون لإظهار العصيان في أول فرصة تسنح لهم، وأنهم بدءوا يتأهبون لهذا القيام كما كان تأهب إخوانهم في حادثة أذنة قبلهم. وقد حضر إلى قريتي حبار وجنكن في قضاء كلّز نحو ثلاثين أرمنيا مسلحين من أهل الزيتون وجماعة من رؤساء عصابات كرون، ففتكت بهم الجنود التركية وفرّ البعض منهم، وألقت الحكومة القبض على «أغوب قازار» ابن راهب كلّز، وهو رئيس فرع جمعية خنجاق ومرتب حركات العصيان في كلّز، فسلّم إلى الديوان العرفي وتشتت شمل هذه العصابة.
الحملة على قناة السويس:
في هذه السنة (1334 هـ) ورد الخبر البرقي بأن جمال باشا أمر بتسيير حملة على مصر لتدخل إليها من جهة قناة السويس بعد أن تم مد فرع سكة حديدية من الخط الحجازي إلى بئر السبع.
ما هو الغرض المقصود من هذه الحملة
؟
في الفصل الخامس من كتاب «مذكرات جمال باشا» كلام مسهب بالإفصاح عن شؤون هذه الحملة وما يتعلق بها من التأهب وإعداد الجنود والمهمات الحربية، وإصلاح طرق المواصلات والتزود من الأقوات والمياه، وكيف كان هجوم الحملة على القناة وأسباب فشلها، وعدد من استشهد منها، مع بيان قوات الإنكليز ومعداتهم، وغير ذلك من الأمور التي تفيد الراغب بالإطلاع على شؤون هذه الحملة فائدة تامة.
غير أن هذا الفصل- على ما فيه من الإسهاب والإطالة- لا يحقق أمنية الباحث فيه عن حقيقة الغاية التي ترمي إليها هذه الحملة، لأنه- بينما يفهم مما سطر فيه من عبارات جمال باشا أن الحملة ليست مقصودة لذاتها بل الغاية منها محض مظاهرة يقصد منها الاستطلاع على قوات العدو وإلفات نظر تركيا إلى ما يجب عليها تداركه وإعداده لحملة أخرى- إذ يمر بذلك الباحث من عبارات جمال باشا ما يفهم منه أن الحملة مقصودة لذاتها لأن الغاية منها الفتح والاستيلاء.
فمن عبارات الشق الأول، قول جمال باشا بعد فشل الحملة:«فلو كتب لنا النجاح لهذا المشروع الذي هو محض مظاهرة مصحوبة بقوة عسكرية لاعتبرناه فألا حسنا لتحرير الإسلام وتخليص الإيمبراطورية العثمانية» ، وقوله:«إن المشروع إنما كان محض استطلاع هجومي على القناة لمعرفة الموادّ التي لدى العدو وما نحتاجه نحن أنفسنا من المواد لعبور القناة. وبما أننا أدركنا غايتنا تماما فالأصوب أن ننسحب إلخ» .
ومن عبارات الشق الثاني، قول جمال معربا عن هواجس نفسه إبان السّرى «1» في صحراء التيه:«ونحن نواصل السير بالليل على ضوء القمر؛ كان قلبي مفعما بالكآبة الممزوجة بالأمل الكبير في النجاح كلما رددت الموسيقى أنشودة الراية الحمراء تخفق فوق القاهرة، والتي على وقعها شقّت الصفوف الزاحفة طريقها في ذلك القفر الذي لا نهاية له» .
أقول: الذي يتبادر للذهن أن الغاية كانت من هذه الحملة هو الفتح والاستيلاء لا التمهيد لحملة أخرى، وذلك أن التأهب لها كان عظيما لا تحتاجه فيما لو كان الغرض منها محض استطلاع واستكشاف. غير أن هذا التأهب وإن كان عظيما فهو بلا ريب دون ما تحتاجه حملة يقصد منها الهجوم على قناة السويس لأجل الاستيلاء على مصر وسلبها من يد أعظم دولة في العالم، بل كان من أقلّ ما يلزم لهذه الحملة في اجتيازها إلى برّ مصر أن تردم الترعة ويدخل منها جيش لجب «2» إلى برّ مصر ويبقى نظيره في برية الشام لعرقلة سير المدرّعات الإنكليزية الضخمة، ورميها بقنابل المدافع التي هي من عيارات واسعة، كما أشار إليه نفس جمال باشا بعد فشل حملته ومحاولة القائد الألماني إعادة هجوم الحملة مرة ثانية.
ومما يدل على أن الحملة كان المقصود منها الفتح والاستيلاء: تيقن جمال بنجاحها وأنه لا بد وأن يدخل إلى مصر ظافرا منصورا، بدليل إعداده جماعة تناط بهم خدمة الدرك في مصر واستحضاره- وهو في حلب- ملابس لهم، الأمر الدالّ على أنه كان غير شاكّ ولا مرتاب مطلقا في فوز حملته وتكليل مساعيه بالفلاح والنجاح.