الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة 1315 ه
ـ
في محرّم هذه السنة تم الصلح بين الدولة العثمانية واليونان على غرامة حربية تدفعها الثانية للأولى قدرها أربعة ملايين ليرة، وأن يرد إلى اليونان جميع البلاد التي أخذت منها في هذه الحرب، وبقيت جزيرة كريد تحت حماية الدول العظمى ريثما يتفقون على طريقة في شأنها، ثم اتفقوا على أن تكون لليونان.
قصيدة من نظم الشاعر الأديب عبد الفتاح الطرابيشي الحلبي «1» ، نوّه بها بذكر ما أحرزه العثمانيون من الظفر في حربهم مع اليونان وما فتحوه عنوة من البلدان والمواقع:
الحمد لله حقّ النصر والظفر
…
وأقبل الدهر في ذا الفتح يفتخر
وأصبحت دولة الإسلام سائدة
…
وسيفها في قفا الأعداء مشتهر
ودولة العسكر اليونان خائفة
…
مثل الشيّاه إذا أسد الشرى نظروا
والجيش سدّ عليهم كل ناحية
…
حتى تخيّل أن الناس قد حشروا
لله درّ جيوش المسلمين فقد
…
أبدت فعالا لها طول المدى سير
هم الليوث إذا نار الوغى استعرت
…
والواردون إذا عنها العدى صدروا
أقلّهم يلتقي الآلاف مبتسما
…
تحت الغبار بقلب دونه الحجر
أمسى تلذّذهم، والحرب دائرة،
…
صوت المدافع، والتصهال، لا الوتر
يقودهم كلّ ندب، حسن سيرته
…
يثني عليها قضاء الله والقدر
وكلّ شهم مشير لا نظير له
…
يكاد يعطيه كنه العبرة النظر
هانت بهمّتهم كلّ الصعاب كما
…
دانت لحزمهم الأمصار والقطر
يا يوم (لاريس)«2» والأبطال غائرة
…
هل أنت إلا على أعدائنا سقر
حيث المدافع رعد والدخان به
…
سحب وما قذفت من جوفها المطر
يوم به جاءنا عزّ ومنفعة
…
وللأعادي أتاها الذلّ والضرر
و (طرنوى) أصبحت تهتزّ من جزع
…
مثل النزيف الذي قد هزّه السّكر
لاقت رجالا تروع الأسد حملتهم
…
ويرهب الجنّ لقياهم وهم بشر
باعوا نفوسهم لله وانتدبوا
…
نحو الأعادي فما أمسى لهم أثر
حازوا غنائمهم والسلب أجمعه
…
وأطلقوا السبي عفوا بعد ما أسروا
(ترحالة) خبّرينا ما نظرت فقد
…
حارت بمخبرك الألباب والفكر
وحذّر «1» الروم من قوم جبابرة
…
إذا نضوا سيفهم لا ينفع الحذر
فإن يظنّوا الجبال الشمّ تعصمهم
…
إن الجبال لدى فرساننا مدر
يفضّلون المنايا في مقاصدهم
…
على الدنايا ولا يثنيهم الخطر
يلقون أنفسهم في كل مهلكة
…
كأنهم للقا الأعداء قد فطروا
و (غولس) صار بالتسليم مأمنها
…
وزال عنه العنا والهمّ والكدر
وقد غدت في جيوش النصر زاهية
…
زهو العروس التي قد زانها الخفر
والحرب حرب (ولستين) فتلك غدت
…
ممّا يقصّر عنها الوصف والخبر
أحاطها الجند من بعد الهجوم لها
…
حزنا وسهلا، فمنها لم يفز نفر «2»
لله (لورس) ما لاقت وما نظرت
…
من فعلهم وظلام الليل معتكر
قد هاجموها مساء والعدوّ بها
…
ما أدبر الليل حتى أقبل الظفر
أمسوا تذمّهم الأعداء وتمدحهم
…
أهل الشجاعة حتى السّبع والنّمر
قولوا لمن ظنّ أن العجز أقعدنا
…
عن ردّهم حينما في عهدهم غدروا
هلا سمعت بما قد قلت من مثل
…
لا يحمد القطف حتى يوجد الثمر
دوموا أيا عصبة الأعداء في قلق
…
والدمع منهمر والقلب منفطر
فإنّ أوطارنا تقضى بهمّتنا
…
لا بالخيانة منا يبلغ الوطر
سلوا (زراقا) و (كروانا) فقد شهدا
…
فعال أبطالنا والحرب تستعر
تخبّرا عن رجال ليس يأخذهم
…
فيما يرومونه أين ولا ضجر «1»
(فرسالة) نبّئينا عن فوارسنا
…
هل عاقهم عنك ذاك المسلك الوعر
أم هل حصونك أجدت يوم حملتهم
…
نفعا، وهل صدّهم عن أخذك البهر «2»
يومان قد ظلّ فيها الطعن متصلا
…
حتى توالت على أعدائنا الغير
هيا (لدومكة) وانظر معالمها
…
فالعين تشهد ما لا يشهد الخبر
حلّوا ذراها وساروا نحو (أرمية)
…
بعارض هطله النيران والشرر
أروا عدّوهم حربا فسالمهم
…
لمّا تحقق لا منجى ولا وزر
وقائد الجيش قسطنطين حين رأى
…
جيوشه نكّسوا الرايات وانكسروا
ولّى ولم يلتفت خوفا إلى أحد
…
من بعد ما زاغ منه القلب والبصر
لا غرو إن مرّ وانشقّت مرارته
…
فمن فوارسنا الأطواد تنفطر
يا أدهم الاسم يا قاني الحسام ويا
…
مردى أعاديك إن قلّوا وإن كثروا
أنت المشير الوزير الفارس البطل
…
م الليث الغيور الكميّ الصارم الذكر
تركت فعلا لدى اليونان مشتهرا
…
متى جرى ذكره أودى بها الذعر
جزاك ربّك عنّا كلّ مكرمة
…
فليس منا يفيك الحمد والشكر
يا للبرية ما هذا المشير وما
…
تلك الفوارس والأبطال والبشر؟
أولئك الحزب حزب الله من شهدت
…
بحسن حزمهم الأرماح والبتر
مظفّرين بعزم من مليكهم
…
عبد الحميد الذي تزهو به العصر
ربّ السياسة منشي العدل مالكه
…
بحر الدراية سامي القدر معتبر
أفكاره شهب أقواله قضب
…
إنعامه سحب تهمي وتنهمر
من فضله عامل الأعداء مذ كسروا
…
بالصفح عن عظم ذنب ليس يغتفر
كم من مليك قبيل الحرب أنذرهم
…
خوفا عليهم فما أغنتهم النذر
خليفة الله دم فالنصر مقتصر
…
عليك إذ أنت في الشدّات مختبر
يا معشر الناس هنّوا ذا المليك فقد
…
أضحى بتاريخه «3» من دأبه الظفر
وعظّموا همة منه قد اشتهرت
…
يقول تاريخها «1» من دأبها الظفر
إلى آخره. وهي قصيدة طويلة اكتفينا منها بهذا القدر.
رجعنا إلى تتمة حوادث هذه السنة: في أواخر محرّمها تم بناء مستشفى الغرباء تحت القلعة. وفيها عمر في مدينة الرقة جامع ومكتب وبعض خلوات للطلبة وكانت النفقة على ذلك- وقدرها 156500 قرش- من أموال الخزانة الخاصة. وفي هذا الشهر أيضا كان الاحتفال بمنتزه السبيل المتقدم ذكره بالغا حدّ الغاية من الرونق والبهاء. وفي صفر منها الموافق تموز سنة 1313 أحيت الحكومة في المكتب الإعدادي ليلة طرب وعزف، صرفت مجموع دخلها على تجهيز هدية لجرحى الجنود العثمانية في حرب اليونان وأيتام شهداء الجنود وأراملهم. وكانت تلك الليلة بالغة منتهى الرونق والبهاء، وكان مجموع دخلها 1015 ليرا عثمانية و 24875 قرشا.
وفي شهر جمادى الثانية منها الموافق تشرين الأول سنة 1313 وقع في جهات السويدية مطر يتخلله برد، الواحدة منه في ثقل 33 درهما تقريبا، مستمرا ذلك نحو خمسين دقيقة، فحطم عروق الأشجار وقتل كثيرا من الطيور وانقضّ في خلال ذلك عدة صواعق لم تعقب ضررا. وفي رجب منها وردت الأوامر بأن يؤخذ على كل شاة تذبح أربعون، وعلى كل معزاة ثلاثون، وعلى كل بقرة مائة وعشرون بارة، يؤخذ ذلك وقتيا إعانة لمحاويج مسلمي كريد المهاجرين. وعليه صار هذا الرسم يؤخذ في مسلخ حلب، وهو فوق ما كان يؤخذ من الرسم قديما باسم الذبحية من جهة البلدية. وقد انقضت حادثة كريد وعاد مهاجروها إليها وبقيت هذه الإعانة تؤخذ على الوجه المذكور، إلا أنها صارت تصرف بعد رجوع المهاجرين إلى أوطانهم، نصفها على مكتب الصنائع ونصفها الآخر على المكاتب الابتدائية، وكان يبلغ مجموعها في السنة نحو مائة ألف قرش. وفيها في كانون الأول توالت الأمطار في مرعش بضعة أيام فانهدم فيها جامع آراسته عن آخره ولم يبق منه سوى منارته. وفيها عمر تجاه منتزه السبيل مخفرة عسكرية بإعانة جمعت من أهل الخير.
وفيها- في كانون الأول- بينما كانت قافلة كبيرة تسير إلى مرعش إذ هبت عليها- وهي قرب قمة جبل آخور- عاصفة ثلجية وقفتها عن السير، وكادت تهلك عن
آخرها لولا أن اتصل خبرها بمرعش وترسل الحكومة لإنقاذها عددا من العساكر وأهل البلدة، ومع ذلك فقد هلك فيها 13 حمارا و 6 شياه. وفيها- في كانون الثاني- ورد من مرعش أن الثلوج تتساقط عليها مدة ثلاثين ساعة متوالية فتكاثفت في الجبال قدر ذراعين. وفي مدينة مرعش قدر ذراع، وأنه هلك في عواصف الثلج مسافر وسبعة دواب معه، وانقطع من كثرة الثلوج سير القوافل بين مرعش والبستان والزيتون وأندرين، وهلكت دابة البريد وصقع «1» في مرعش طفل رضيع، وأتى البرد القارس على كثير من الوحوش والضواري. وورد من معرة النعمان أن الثلج فيها كثير والقرّ شديد. وجاء من عينتاب ما يشعر بذلك وأنه صقع في إحدى الطرق المؤدية إليها رجل. وورد من إدلب أن شدة البرد قتلت في إحدى ضواحيها رجلا، وأنه لم يحدث في إدلب نظير هذا البرد منذ خمسين سنة.
وفيها فتحت جادة الخندق الممتدة بين العوينة وباب حديد بانقوسا، وهدم خان الدلال باشي وصار بعضه جادة. وفيها- في آذار- شعر الناس في حلب بهزّة أرض، وحدث مثلها في أورفه ومرعش وعينتاب وكلّز وإسكندرونة وبيلان والجسر وإدلب والبيرة والباب والزيتون والبستان وأرسوز لكنها لم تعقب ضررا. وفي آذار هاجت عندنا العواصف، وقرس «2» البرد وكثر المطر والثلج. وفيها في نيسان كثر تهطال الأمطار على القرى القريبة من عينتاب، وتساقط معها برد كثير، وانقضّ صاعقة على جدار فهدمته وقتلت عشرين شاة، وجرف السيل من قرية أولو معصرة وحصانا «3» و 36 ماعزا ومن قرية أخرى نيفا وأربعمائة شاة، وراعيا. وأفسد البرد كثيرا من الزروع. وفيها أحضرت البلدية من أوروبا دولابا للماء يدور بالهواء نصبته على بئر في منتزه سبيل الدراويش، وهو أول دولاب أحضر من أوروبا على هذا الطرز.