الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها سار الملك العادل من دمشق ووصل إلى حماة ونزل على تل صفرون. وبلغ الظاهر وصوله إلى حماة بقصد حلب ومحاصرتها فاستعد للحصار وراسله وتم الصلح بينهما على أن يأخذ من الظاهر أماكن معلومة وتدفع لمن اختار الملك العادل.
وفي سنة 599 أخرج الملك العادل من مصر الملك المنصور محمد بن الملك العزيز إلى الشام فسار بوالدته وإخوته وأقام بحلب عند الملك الظاهر.
قصد ابن لاوون الأرمني أنطاكية وغير ذلك
وفي سنة 600 نازل ابن لاوون ملك الأرمن أنطاكية فتحرك الظاهر ووصل إلى حارم، فارتد ابن لاوون على عقبه. وفيها كانت زلزلة عظيمة عمّت مصر والشام والجزيرة وبلاد الروم وصقلية وقبرس والعراق وغيرها، وخرّبت سور مدينة صور.
وفي سنة 602 كثر فساد ابن ليون الأرمني صاحب الدروب في ولاية حلب، فنهب وخرب وأسر وسبى، فسار إليه الظاهر بجموع كثيرة وحصل بينهم عدة وقعات كانت عاقبتها وخيمة على عسكر المسلمين. ثم جدّ الظاهر في قتاله فهرب منه وتحصن بمساكنه من الجبال.
مجيء الملك الأشرف إلى حلب
وفي سنة 605 وصل إلى حلب الملك الأشرف موسى أخو الظاهر- وكان راجعا من دمشق إلى بلاده- فتلقاه الملك الظاهر بالترحاب وأنزله بالقلعة وبالغ في إكرامه وقام بجميع لوازمه ولوازم عسكره أتم قيام. وكان يحمل إليه في كل يوم خلعة كاملة وهي غلالة وقباء وسراويل وكمّة وفروة وسيف وحصان ومنطقة ومنديل وسكّين ودلكش، وخمس خلع لأصحابه. وأقام على ذلك خمسة وعشرين يوما، وقدم له تقدمة وهي مائة ألف درهم ومائة بقجة مع مائة مملوك، منها عشر بقج، في كل واحدة منها ثلاثة أثواب أطلس وثوبان خطاي، وعلى كل بقجة جلد قندس كبير. ومنها عشر في كل واحدة خمسة أثواب عنّابي بغدادي وموصلي، وعليها عشرة جلود قندس صغار. ومنها عشرون في كل واحدة خمس قطع مرسوسي وديبقي، ومنها أربعون في كل واحدة خمسة أقبية وخمس كمام. وحمل إليه خمسة حصن عربية بعدّتها وعشرين إكديشا، وأربعة قطر بغال وخمس بغلات فائقات
بالسروج واللّجم، وقطارين من الجمالين. وخلع على أصحابه مائة وخمسين خلعة، وقاد أكثرهم بغلات وأكاديش. ثم سار الملك الأشرف إلى بلاده الشرقية. وفيها أمر الظاهر بإجراء القناة على ما تقدم بيانه في الكلام على القناة.
وفي سنة 606 نقض الظاهر الصلح مع الملك العادل. وفي سنة 608 أرسل الظاهر القاضي بهاء الدين بن شداد إلى الملك العادل يستعطفه ويخطب بنته ضيفة خاتون، فتزوجها الملك الظاهر وزالت الإحن بين الملكين. وفي سنة 609 في المحرّم عقد الظاهر على ضيفة خاتون، وكان المهر خمسين ألف دينار، وتوجهت من دمشق إلى حلب، واحتفل الظاهر لملتقاها وقدم لها أشياء كثيرة نفيسة. وفي سنة 610 ولد للظاهر من ضيفة خاتون ولده الملك العزيز غياث الدين محمد. وفي سنة 613 توفي الملك الظاهر. ولما اشتد به مرضه عهد بالملك بعده إلى ولده الصغير الذي ولد له من ضيفة خاتون بنت الملك العادل، وكان عمر الولد إذ ذاك ثلاثة أعوام، فجعل أتابكه ومربيه خادما روميا اسمه طغريل الطواشي، ولقبه شهاب الدين، وهو من خيار عباد الله، أحسن السيرة بعد وفاة الظاهر وعدل في الأحكام وأزال المكوس والضرائب التي كانت مرتبة في أيام الظاهر.
وفي سنة 615 قصد عز الدين كيكاوس بن كيخسرو- صاحب بلاد الروم- ولاية حلب. وسبب ذلك أنه كان بحلب رجلان يسعيان بالناس إلى الملك الظاهر فلما مات الظاهر أبعدهما طغريل، وكسد سوقهما وخشيا على نفسيهما من الناس فقصدا كيكاوس المذكور وزيّنا له قصد حلب. فعزم على ذلك وأشار عليه بعض أصحابه أن يصحب معه أحدا من بيت أيوب لأن أهل البلاد تحبهم فيسهل عليه مقصده، فصحب معه الملك الأفضل وسارا معا متفقين على أن ما يفتحانه من بلاد حلب يكون للملك الأفضل وما يفتحانه من بلاد الجزيرة يكون لكيكاوس. ولما وصلا إلى قلعة تل باشر وفتحاها أخذها كيكاوس لنفسه خلاف ما اتفقا عليه، فاشمأز الملك الأفضل وقال: هذا أول الغدر.
ثم فترت همته وتوانى عن المسير معه.
أما شهاب الدين طغريل فإنه لما بلغه تحرك كيكاوس المذكور كتب إلى الملك الأشرف ابن صلاح الدين- وكان صاحب الجزيرة- يستدعيه ليدين له بالطاعة ويخطب باسمه ويجعل السكة باسمه ويأخذ ما اختاره من أعمال حلب. فأجابه إلى ذلك وسار بعسكره
لقتال كيكاوس، فلقي عسكر كيكاوس عند منبج واشتد القتال بينهم وانهزم عسكر كيكاوس وشتّت شملهم. وسار الملك الأشرف إلى قلعة تل باشر واستردها وأرسلت عساكر كيكاوس إلى حلب أسرى ودقّت البشائر. وفي سنة 616 كان الملك الأشرف بظاهر حلب يدبر أمرها ويرتب جنودها وإقطاعاتها.
وفي سنة 619 فوض طغريل مدير المملكة الحلبية أمر الشّغر وبكاس إلى الملك الصالح أحمد بن الملك الظاهر بن صلاح الدين، فسار الملك الصالح إليهما وملكهما وأضاف إليه الرّوج والمعرة ومصرين. وفي هذه السنة استفاض بحلب نبأ عظيم جدير أن يعدّ من الأقاصيص الخرافية، حكاه ياقوت في كتابه معجم البلدان في الكلام على كلّز. خلاصته:
أن أهل تلك الناحية شاهدوا هناك تنّينا «1» عظيما كالمنارة أسود اللون، ينساب على الأرض والنار تخرج من فيه ودبره، فأحرق عدة مزارع ونحو أربعمائة شجرة لوز وزيتون وبيوت وخرّكاهات «2» للتركمان. ومرّ كذلك نحو عشرة فراسخ ثم ظهرت سحابة رفعته حتى غاب عن العيون وقد لفّ بذنبه كلبا ينبح.
قلت: لعل التنين هشيم «3» ممتد على مسافة طويلة اشتعل ورآه الناس على بعد فحسبوه تنّينا، فإن اشتعال الكلأ اليابس كثير الوقوع، فقد حدث في سنة 1298 وأنا في مدينة «ويران شهر» اشتعال هشيم في صحراء الخابور استمر عدة أيام.
وفي سنة 620 وصل الملك الأشرف من مصر ومعه خلعة وسنجق سلطاني من أخيه الملك الكامل لابن أخيه الملك العزيز بن الملك الظاهر صاحب حلب، وعمره يومئذ عشر سنين. فخلع على الملك العزيز وأركبه في الدست. وفيها اتفق كبراء الدولة الحلبية مع الملك الأشرف على تخريب قلعة اللاذقية فأرسلوا عسكرا هدمها. وفي سنة 624 انتزع طغريل الشّغر وبكاس من الملك الصالح وعوّضه عنهما عينتاب والرواندان. وفيها ظفر جمع من التركمان بأطراف أعمال حلب بفارس مشهور من الفرنج الداويّة بأنطاكية فقتلوه فعلم الداويّة بذلك فساروا وكبسوا التركمان وقتلوا منهم وأسروا وغنموا من أموالهم. فبلغ ذلك
طغريل فراسل الفرنج وتهددهم بقصد بلادهم. واتفق أن عسكر حلب قتلوا فارسين كبيرين من الداوية أيضا فأذعنوا بالصلح وردوا إلى التركمان كثيرا من أموالهم وحريمهم وأسراهم.
وفي سنة 626 أشخص الملك العزيز صاحب حلب إلى الملك الكامل- وكان بدمشق- يخطب بنته فاطمة خاتون التي هي من الست السوداء أم ولده أبي بكر العادل ابن الكامل. وفي سنة 627 ولد الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز صاحب حلب.
وفي سنة 628 قلّت الأمطار بديار الجزيرة والشام ولا سيما حلب وأعمالها، فإنها كانت قليلة جدا، وغلت الأسعار بالبلاد وكان أشدها غلاء حلب، فأخرج طغريل كثيرا وتصدّق بصدقات دارّة، وساس البلاد سياسة حسنة بحيث لم يظهر للغلاء أثر. وفيها قصد الفرنج الذين هم بالشام مدينة جبلة من المدن المضافة إلى حلب ودخلوها وأخذوا منها غنيمة وأسرى، فسيّر إليهم طغريل عسكرا استردها منهم وفك الأسرى.
وفي سنة 629 استقل الملك العزيز بن الملك الظاهر بملك حلب. وفيها وصلت زوجة الملك العزيز بنت الملك الكامل وكان يوم دخولها إلى حلب يوما مشهودا. وفي سنة 630 أخذ الملك العزيز شيزر، تسلّمها من شهاب الدين يوسف بن سابق الدين، وقد هنأه بها يحيى الخالد القيسراني بقوله:
يا ملكا عمّ أهل الأرض نائله
…
وخص إحسانه الداني مع القاصي
لما رأت شيزر آيات نصرك في
…
أرجائها ألقت العاصي إلى العاصي
وفي سنة 631 توفي شهاب الدين طغريل الطواشي أتابك حلب. وفي سنة 632 توفي الملك الظاهر داود صاحب البيرة ابن السلطان صلاح الدين، وملك البيرة ابن أخيه الملك العزيز صاحب حلب. وفي سنة 634 خرج الملك العزيز إلى حارم للصيد ورمى البندق واغتسل بماء بارد، فحمّ ودخل حلب وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة وكان عمره ثلاثا وعشرين سنة وشهورا، وكان حسن السيرة في الرعية وتقرر في الملك بعده ولده الملك الناصر يوسف وعمره نحو سبع سنين، وقام بتدبيره وبتدبير الدولة شمس الدين لؤلؤ الأرمني، وعز الدين عمر بن مجلي، وجمال الدولة إقبال الخاتوني. والمرجع في الأمور إلى والدة الملك العزيز ضيفة خاتون بنت الملك العادل.
وفيها توجه عسكر حلب مع الملك المعظم توران شاه عم الملك العزيز فحاصروا
بغراس، وكان قد عمرها الفرنج الداويّة بعد ما فتحها صلاح الدين وخربها، وقد أشرف العسكر على أخذها ثم رحلوا عنها بسبب الهدنة مع صاحب أنطاكية. ثم إن الفرنج أغاروا على ربض دربساك وهي حينئذ لصاحب حلب، فوقع بهم الحلبيون وولّى الفرنج منهزمين وكثر فيهم القتل والأسر، وعاد عسكر حلب بالأسرى ورؤوس الفرنج. وكانت هذه الوقعة من أجل الوقائع.
وفي سنة 635 توفي الملك الكامل صاحب مصر ولما سمع الحلبيون بوفاته اتفقوا على أخذ المعرة وحماة من الملك المظفر صاحب حماة، وهو جد أبي الفداء المشهور صاحب التاريخ والجغرافية. وسبب ذلك أن الملك المظفر كان وافق الملك الكامل على قصد حلب فمشى عسكر حلب إلى المعرة وانتزعوها من يد الملك المظفر وحاصروا قلعتها ثم ساروا إلى حماة وحاصروها وبها الملك المظفر ونهب العسكر الحلبي بلاد حماة، واستمر الحصار على حماة حتى خرجت هذه السنة. وفيها عقد لسلطان الروم غياث الدين كيخسرو بن كيقباذ بن كيخسرو على غازية خاتون بنت الملك العزيز صاحب حلب سابقا وهي صغيرة حينئذ. ثم عقد للملك الناصر يوسف بن الملك العزيز على أخت كيخسرو وهي ملكه خاتون بنت كيقباذ، وخطب لغياث الدين بحلب. وفي سنة 636 كتبت ضيفة خاتون صاحبة حلب بنت الملك العادل إلى عسكر حلب أن يرحلوا عن محاصرة حماة، فرحلوا عنها وكان قد طال حصارهم لها ولحقهم الضجر واستمرت المعرة في أيدي الحلبيين.
وفي سنة 638 نزل الملك الحافظ أرسلان شاه بن الملك العادل عن قلعة جعبر وبالس وسلّمها إلى أخته ضيفة خاتون صاحبة حلب وعوّضته عنها «عزاز» وبلادا معها تساوي ما نزل عنه. وسبب ذلك أن الملك الحافظ أصابه فالج فخشي على نفسه من تغلب أولاده فاقترب من حلب كيلا يمكنهم التعرض إليه.