الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي سنة 716 في نيسان ترادفت الأمطار في بلاد حلب وحماة وحمص وحملت السيول وغرقت ضيعة من بلاد حمص، ووقع مع المطر في بعض الجهات برد، الواحدة في حجم النارنجة، وصحبه شيء من السمك والضفادع وطمى السيل على الوهاد، وأغرق ما مر به وخرب كثيرا من الأماكن، وحمل عدة بيوت من العرب والتركمان والأكراد.
غزو بلاد سيس
وفي سنة 720 قدم على حلب عساكر دمشق وساروا جميعا صحبة ألطونبغا «1» نائب حلب- إلى بلاد سيس، واقتحموا نهر جيحان وكان زائدا، فغرق به بعض العساكر.
ثم نازلوا قلعة سيس وزحف العسكر حتى بلغ السور وغنموا منها وأتلفوا البلاد والزروع وساقوا المواشي- وكان شيئا كثيرا- ثم عادوا وقطعوا جيحان، وكان قد انحطّ، ودخلوا حلب وفي أواخر ربيع الآخر وسار كلّ لبلده.
وفي سنة 722 قدم إلى حلب عسكر مصر ودمشق والساحل وانضم إليهم عسكر حلب وساروا جميعا صحبة ألطنبغا «2» نائب حلب إلى إياس من بلاد سيس ونازلوها وملكوها بالسيف، وعصت عليهم القلعة أولا ثم هرب منها الأرمن وألقوا فيها النار، وملكها المسلمون وهدموا منها ما أمكنهم. وفي سنة 723 أجدبت الأرض من دمشق إلى حلب وانحبس المطر ولم ينبت إلا القليل، واستسقى الناس فلم يسقوا. وفي سنة 724 رسم السلطان بإبطال المكوس عن سائر أصناف الغلة بالشام فأبطلت وكان شيئا كثيرا.
وفي سنة 725 أفتى قاضي القضاة كمال الدين بن محمد بن علي الزملكاني بتحريم الاجتماع بمشهد روحين ودير الزربة وأشباههما ومنع من شدّ الرحال إليها، ونودي بذلك في المملكة الحلبية فإنه كان يشتمل على منكرات وبدع، وعملت في تحريم ذلك المقامة المشهدية.
وفي سنة 727 في آخر المحرم طلب ألطنبغا إلى الديار المصرية. ثم في صفر وصل إلى حلب مكانه الأمير سيف الدين أرغون الناصري. وفيها انتزع القاضي ابن الزملكاني كنيسة اليهود المجاورة للعصرونية. وقد تكلمنا على ذلك في ترجمته، وفي الكلام على اليهود في المقدمة.
وفي سنة 731 نهار الأربعاء تاسع صفر، وصل نهر الساجور إلى حلب فزيد به نهر قويق بساقية بناها الأمير أرغون الدوادار، وكان يوم وصوله يوما مشهودا خرج لتلقّيه ملك الأمراء وسائر الناس مشاة مكبرين مهللين، وكان قبله الأمير سودي شرع بإجرائه إلى حلب فقيل له: من جرّه يموت في عامه، فتركه. وقيل مثل ذلك لأرغون فلم يلتفت إلى هذا القول فمات بعد أربعين يوما وذلك في ربيع الأول، وخرجت جنازته مكشوفة عليها كساء خلق من غير ندب ولا نياحة «1» ولا قطع شعر، ولا لبس جلّ، ولا تحويل سرج، طبق ما أوصى به، ودفن بسوق الخيل قبليّ القلعة وعملت له تربة حسنة سقفها السماء «2» . وقبره دارس. وكان متقنا لحفظ القرآن الكريم مثابرا عليه متشرعا في أحكامه كتب بخطه صحيح البخاري- بعد ما سمعه على الشيخ أبي العباس أحمد بن الشحنة الحجّار، وويزة بنت عمر أسعد النجا بمصر في سنة 715 بقراءة الشيخ أبي حيان- واقتنى الكتب النفيسة وكان فيه ديانة رحمه الله. وفي جمادى الأولى سنة 731 عاد الأمير علاء الدين ألطنبغا إلى نيابة حلب وفرح الناس به وأظهروا السرور.
وفي سنة 733 في خامس [عشر]«3» شعبان وصل حلب شادّا «4» : الأمير بدر الدين لؤلؤ القندشي وعلى يده تذاكر وصادر المباشرين وغيرهم ومنهم النقيب بدر الدين محمد بن زهرة الحسيني، والقاضي جمال الدين بن ريان ناظر الجيش، وناصر الدين محمد بن قرناص عامل الجيش، وعمه المحبّي عامل المحلولات، وعدة ذوات من الحلبيين، واشتد به الخطب وانزعج الناس كلهم [حتى] البريئون، وقنت «5» الناس في الصلاة يدعون عليه وقال ابن الوردي فيه:
قلبي لعمر الله معلول
…
بما جرى للناس مع لولو
يا ربّ قد شرّد عنّا الكرى
…
سيف على العالم مسلول
وما لهذا السيف من مغمد
…
سواك يا من لطفه سول
لولو، هذا: كان مملوكا لقندش ضامن المكوس في حلب، ثم صار ضامن العداد، ثم صار منه ما صار وعزل ونقل إلى مصر، ففعل بها أعظم ما فعله بحلب، وعاقب حتى المخدّرات «1» .
وفي سنة 735 في شوال عاد عسكر حلب ونائبها من غزاة بلد سيس وقد خربوا بلد أدنة وطرسوس وأحرقوا الزرع واستاقوا المواشي، وأتوا بمائتين وأربعين أسيرا وما عدم منهم سوى شخص واحد غرق في النهر وكانوا عشرة آلاف سوى من تبعهم. فلما علم أهل إياس بذلك أحاطوا بمن عندهم من المسلمين التجار البغاددة وغيرهم نحو ألف نسمة، وحبسوهم في خان وأحرقوهم، وقليل من نجا منهم، وذلك في يوم عيد الفطر، واحترق في حماة مائتان وخمسون حانوتا، واحترقت أنطاكية إلا القليل منها.
وفي سنة 736 وصل الأمير سيف الدين أبو بكر الباشري إلى حلب وصحب معه منها الرجال والصنّاع لعمارة قلعة جعبر، وكانت خربة من زمن هولاكو، وهي من أمنع القلاع. وقد لحق المملكة الحلبية وغيرها- بسبب عمارتها ونفوذ ماء الفرات إلى أسفل منها- كلفة كثيرة. وفي صفر طلب من البلاد الحلبية رجال للعمل بنهر قلعة جعبر ورسم أن يؤخذ من كل قرية نصف أهلها فخلت عدة ضياع بسبب ذلك. ثم طلب من أسواق حلب رجال استخرجت أموالهم، وتوجه نائب حلب إلى القلعة المذكورة مع قريب من عشرين ألف رجل.
وفي سنة 737 توفي الأمير الشاب الحسن جمال الدين خضر ابن ملك الأمراء علاء الدين ألطنبغا نائب حلب، ودفن بتربة حسنة بالمقام عملها له والده عند جامع المقام خارج حلب. وفي رمضان قدم إلى حلب أمراء من مصر ودمشق وطرابلس وحماة ومعهم عسكرهم والمقدّم على الكل ألطنبغا نائب حلب، ورحلوا إلى بلاد الأرمن وحاصروا ميناء إياس ثلاثة أيام. ثم قدم رسول الأرمن من دمشق بكتاب نائبها يتضمن طلب الكف عنهم على أن يسلموا البلاد والقلاع التي في شرقي نهر جيحان. فتسلموا منهم ذلك وهو ملك كبير وبلاد كثيرة: كالمصيصة وكوبرا والهارونية، وسرفند كار، وإياس ونجيمة والنقير، فخرب المسلمون برج إياس الذي في البحر واستنابوا في البلاد وعادوا منها في ذي الحجة.
وفيها ورد الأمر بالسماح في جميع مراكز المملكة عما يؤخذ على الأغنام الدغالي»
الداخلة إلى حلب، وأن يقتصر بأخذ الرسم على الأغنام الكبار، وفيها وقف صلاح الدين يوسف ابن الأسعد الدواتدار «2» داره النفيسة بحلب- المعروفة أولا بدار ابن العديم- مدرسة على المذاهب الأربعة، وشرط تدريسها على القاضي الشافعي والقاضي الحنفي.
وفي سنة 738 في صفر توفي بدر الدين بن محمد بن إبراهيم بن الدقاق الدمشقي ناظر الأوقاف بحلب. وفي أيام نظره فتح الباب المسدود الذي بالأموي شرقيّ المحراب الكبير، لأنه سمع أنّ بمكانه رأس زكريا عليه السلام فارتاب في ذلك، فأقدم على فتح الباب بعد أن نهي عنه، فوجد بابا عليه تأزير رخام أبيض، ووجد فيه تابوت رخام أبيض فوقه رخامة بيضاء مربعة. فرفعت الرخامة عن التابوت فإذا فيها بعض جمجمة فهرب الحاضرون هيبة لها وردّ التابوت بغطائه إلى موضعه وسد عليه الباب، ووضعت خزانة المصحف الشريف على الباب وقد أثرت هذه الهيبة بالناظر المذكور وابتلي بالصرع إلى أن عض على لسانه فقطع ومات.
وفي العشر الأوسط من ربيع الآخر عزل ملك الأمراء علاء الدين ألطنبغا عن نيابة حلب. وفي العشر الأول من جمادى الأولى قدم إلى حلب الأمير سيف الدين طرغاي نائبا بها. وفي سنة 739 نادى مناد في جامع حلب وأسواقها- وقدامّه شادّ الوقف «3» بدر الدين تيليك الأسند من أمراء العشرات- بما صورته: «معاشر الفقهاء والمدرسين والمؤذنين وأرباب الوظائف الدينية، قد برز المرسوم العالي أن كل من قطع منكم وظيفته وغمز عليه، يستأهل ما يجري عليه» . فانكسرت لذلك قلوب الناس لأن هذا النداء يدل على بغض أهل العلم والدين. ثم نكب بدر الدين لكلمة صدرت منه وعقد له بدار العدل يوم العيد مجلس مشهور، وأفتى العلماء بتجديد إسلامه وعزله وضربه، فشمت به الناس.
وفي سنة 741 عزل طرغاي عن حلب وكان- على طمعه- يصلي ويتلو كثيرا.
وفيها وصل إلى حلب نائبا عليها طشتمر سيف الدين الناصري المعروف بحاجي خضر.
وفيها وصل إلى حلب فيل وزرافة جهزهما الملك الناصر لصاحب ماردين. وفي سنة 742 نهب ألطنبغا مال طشتمر حاجي خضر نائب حلب لأنه لم يوافقه على رأيه في خلع السلطان، وهرب طشتمر المذكور إلى الروم وفيها عوقب بحلب لولو القندشي المكّاس المتقدم ذكره، وعذب بدار العدل حتى مات واستصفي وشمت به الناس.
وفي ذي الحجة وصل الأمير علاء الدين أيدغش الناصري إلى حلب نائبا في حشمة عظيمة، وخلع على كثير من الناس وأقام إلى صفر ثم نقل إلى نيابة دمشق وتأسف الحلبيون عليه. وفي هذه السنة وهي سنة 742 توفي أحد أمراء حلب، بدر الدين محمد بن الحاج أبي بكر، ودفن بجامعه الكائن قرب جسر الدباغة المعروف بمسجد أولاد أبي بكر. وقد أسلفنا الكلام عليه عند ذكر محلة حسر السلاحف من الجزء الثاني. وفي هذه السنة ولي حلب الأمير سيف الدين طقزتمر الحموي، ودخلها في عاشر صفر سنة 743 وفي رجب هذه السنة نقل طقزتمر إلى نيابة دمشق وولي مكانه حلب الأمير علاء الدين ألطنبغا المارداني.
وفيها وصل علاء الدين القرع إلى حلب قاضيا للشافعية. وأول درس ألقاه بالمدرسة قال فيه: «كتاب الطهارة باب الميّات» «1» ، بإبدال الهاء تاء، قال ابن الوردي: فقلت للحاضرين: لو كان باب الميّات لما وصل «القرع» إليه ولكنه باب الألوف. ثم قال القاضي:
قال الله تعالى: وجعلها كلمة باقية في عنقه، مكان «عقبه» ، فقال ابن الوردي: لا والله ولكنها في عنق من ولّاه. فاشتهر عن ابن الوردي هاتان التنديدتان في الآفاق.
وفيها توفي بحلب الشيخ كمال الدين المهمازي وكان مقبولا عند الملك الناصر ووقف عليه حمّام السلطان، وسلم إليه تربة ابن قره سنقر، وبه سميت هذه التربة. وفيها اعتقل القرع بقلعة حلب معزولا، ثم فك عنه الترسيم وسافر إلى القاهرة. وفيها توفي بحلب الحاج معتوق الدبيسري، وهو الذي عمر الجامع بطرف بانقوسا ودفن بتربة بجانب الجامع. وفي سنة 744 في صفر توفي الأمير علاء الدين ألطنبغا المارداني نائب حلب ودفن خارج باب المقام.