الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخبراه بما كان من جنكز خان فحكم بإسلامه.
ثم مات جنكز خان عن ذرية كثيرة تبلغ أربعين ولدا ما بين ذكر وأنثى، إلا أن المعتبر من أولاده أربعة فقط وهم جوجى- والعرب يقولوه له طوشى أو دوشى- وجغتاي، وتولى، وأو كداي. وقبل وفاته قسم ملكه بينهم فأعطى «جوجى» دشت قفجق بأسرها وبلاد داغستان وخوارزم وبلغار وقسقسين والروس وسواحل البحر المحيط الغربي وما يؤمل أخذه إلى منتهى المعمور. وأعطى «جغطاي» بلاد إيغور وما وراء النهر بأسرها. وأعطى «تولى» خراسان وما يؤمل أخذه من ديار بكر والعراقين إلى منتهى حوافر خيولهم. وأعطى «أو كداي» بلاده الأصلية والخطا والصين إلى منتهى المعمور من طرف الشرق.
إسلام أولاد جنكز خان:
أول من أسلم من أولاد جغطاي بن جنكز خان: مبارك شاه بن قرا هلاكو، ثم أسلم بعده براق خان، ثم طرما شيرين خان. وأسلم بعده جميع أولاد جغطاي وسائر طوائف المغل والتاتار الغربيين بما وراء النهر. ثم أسلم توغلق تمير خان ببلاد كاشغر والمغل، وأسلم معه مائة وستون ألفا من المغل.
وفي سنة 694 أسلم محمود غازان خان وأسلم معه جميع قومه وسبعون ألفا وقيل أربعمائة ألف من أكابر المغل وأعيان التاتار. وكان جوجى مات قبل أبيه جنكز خان وآل ملكه إلى ولده أبي المعالي ناصر الدين السلطان بركه خان ابن جوجى بن جنكز خان وذلك في سنة 652.
وكان بركه خان اختار الإسلام دينا. وسبب إسلامه أن سيف الدين الباخرزي كان مقيما في بخارى فبعث إلى بركه خان يدعوه إلى الإسلام، فأسلم. وبعث إليه كتابه بإطلاق يده في سائر أعماله بما شاء، فرد عليه كتابه ولم يقبله. فأعمل بركه الرحلة إلى لقائه فلم يأذن له في الدخول عليه حتى تطارح عليه أصحابه وسهّلوا الإذن لبركه فدخل عليه وجدّد إسلامه، وعاهد الشيخ على إظهاره فأنجز بركه وعده وحمل سائر قومه على الإسلام فأسلموا جميعا، واتخذ المساجد والمدارس في جميع بلاده، وقرّب العلماء والفقهاء ووصلهم، وكان يحملهم إليه من أقطار العالم الإسلامي ويبالغ بالإحسان إليهم.
وروى غير واحد أن بركه خان هو أول من دخل في دين الإسلام من أعقاب جنكز خان، وأنه هو الذي أتم بناء بلدة سراي وكان أخوه باتو بدأ ببنائها وهي عاصمة دشت قفجق، ويقال عنها إنها هي البلدة المعروفة الآن باسم أردهان- المحرّفة عن أوردي خان- وكانت من أعظم المدن وضعا وأكثرها للخلق جمعا، مبنية على شط من نهر أتل (وولغا) الذي لا نظير له في العظم وعذوبة الماء، وهو قدر النيل ثلاث مرات وأكثر.
كان عند بركه خان وعند أوز بك خان- وجان بك بعده- العلامة فخر الدين الرازي، والشيخ سعد الدين التفتازاني، والشيخ جلال الدين شارح الحاجبية، وغيرهم من الفضلاء الحنفية والشافعية. وكانت بلدة سراي مجمع العلماء والأدباء. وكان انتهاء بنائها سنة 655 وابتداء خرابها عن يد تيمورلنك سنة 798.
ومن أعظم حسنات بركه خان وأكبر أياديه على الإسلام أنه قام على ابن عمه هولاكو الكافر الطاغية ينتقم منه مما فعله بالمسلمين والاستيلاء على بغداد وقتله الخليفة. فإن بركه خان أشهر عليه حربا طاحنة قصد إشغاله بها عن حرب المسلمين في البلاد الشامية فأهلك من جنود هولاكو مئات الألوف، وكسره كسرة شنيعة كانت هي السبب الحقيقي في انكسار جيوش هلاكو أيضا في الوقعة الشهيرة التي كانت بينهم وبين السلطان الملك الظاهر ببيرس سلطان مصر على عين جالوت، ولولا هذه الكسرة لكان هولاكو استولى على سائر بلاد الشام ومصر وغيرها وأباد العالم الإسلامي عن آخره.
وكان بين بركه خان والسلطان الملك الظاهر مكاتبات عديدة ومودة صادقة أكيدة.
ومن جملة ما وصل منه إلى الملك الظاهر كتاب مسهب يذكر فيه من أسلم من قبائل التاتار وعشائرهم وعظمائهم وذراريهم وحشمهم وجيوشهم الجرّارة. ثم يقول: هؤلاء أسلموا بأسرهم وقاموا بالفرائض والسنن والزكاة والغزو والجهاد في سبيل الله، وقالوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وقرأنا: «آمن الرسول بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون» الآية. فليعلم السلطان أني حاربت هولاكو الذي هو من لحمي ودمي لإعلاء كلمة الله العليا تعصبا لدين الإسلام لأنه باغ والباغي كافر بالله ورسوله إلخ
…
وتاريخ هذا الكتاب سنة 661 ومات هولاكو مقهورا من بركه خان في ربيع الأول
سنة 663 وكان قد ارتدع قليلا عن أذيّة المسلمين وخفض من عداوتهم وقد خامر قلبه شيء من أحوال الدين الإسلامي وشاهد من جماعة الرفاعية بعض الكرامات، فأعطاهم ولده نكودار للتربية فأسلم على يدهم وتسمى أحمد وصار سلطانا بعد أخيه أبغا، وكتب إلى السلطان الملك الظاهر البندقداري كتابا مسهبا أخبره فيه بإسلامه وبغير ذلك من المسائل السياسية والدينية، وأجابه عنه السلطان بكتاب مسهب أيضا أثبتهما ابن العبري في كتابه مختصر الدول فليراجعه من أحب الاطلاع عليه. اه.
وكانت وفاة بركه خان سنة 665 وجميع سلسلة ملوك المغل الذين جلسوا على سرير السلطنة كانوا مسلمين إلا أنهم لم يكونوا مثل بركه خان في التعصب للدين والحرص على أحكامه، إلى أن جلس على كرسي سلطنة دشت قفجق السلطان الملك غياث الدين محمد أوز بك خان، وهو من أعقاب جوجى بن جنكز خان، وكان شابا حسن الصورة حسن الإسلام شجاعا قتل عددا عظيما من الأمراء والأعيان أهل البطش والاستبداد، وقتل كثيرا من الايغورية وهم البخشية، أي الكهنة والسحرة، وأظهر كلمة الإسلام، وكان جلوسه على سرير على سرير الملك في أواخر رمضان سنة 712 وكان يعد من الملوك السبعة الذين هم كبراء ملوك الدنيا وعظماؤهم، وكان عظيم المملكة شديد القوة قاهرا أهل القسطنطينية العظمى مجتهدا في جهادهم وبلاده متسعة والمؤرخون يطلقون عليها مملكة القريم وليست هي القريم وحدها وإنما من جملتها القريم والكفا والمجر وأوزاق وخوارزم وحاصرته سراي.
وجميع من كان في جواره من ملوك طوائف الجركس والروس واللاز كانوا كالرعايا له وكثيرا ما كان يسبي نساءهم وذراريهم ويحملها تجار الرقيق إلى أقطار الأرض ويبيعونها.
وكان بينه وبين ملوك مصر مراسلات حبّية، والرسل بينهما تتردد دائما، وهداياهما إلى بعضهما في تواصل مستمر. وكان ملوك الروس يقدمون إلى أزبك خان عبوديتهم ويهابونه ولا يخرجون عن أوامره، وكان هو الذي ينصب عليهم الكيناز ويعطيه منشور تملكه، ومتى أراد عزله عزله ونصب غيره وكان الكيناز عند الروس كالإمبراطور. وكان أزبك خان مع هذه السطوة يرفق بالروس ويحترم كهنتهم وقد ظل الروس تحت سلطة التاتار ملوك الدشت والقريم مدة 150 سنة إلى أن وقع الخلف بينهم ودخل بلادهم تيمورلنك واستولى على قسم عظيم منها وتفرقت كلمة ملوكهم واشتغلوا بقتال بعضهم، فاغتنم الروس هذه الفرصة وقاموا نحو بلاد الدشت فطمت بحار غلبتهم عليها وكادوا يعمّونها بالاستيلاء لولا