الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دخول حلب في حوزة الدولة الأتابكية وحوادثها فيها وهي من فروع الدولة السلجوقية
وفي سنة 522 في محرمها ملك أتابك عماد الدين زنكي مدينة حلب. وذلك أن البرسقي لما قتل وسار ابنه مسعود إلى الموصل، استناب بحلب قيماز ثم عزله بقتلغ «1» .
فلما قدم «قتلغ» من الموصل إلى حلب امتنع قيماز من تسليم حلب إليه وقال له: بيني وبين مسعود علامة لم أرها، ولا أسلّمك حلب إلا بها. وكانت العلامة بينهما صورة غزال وكان مسعود حسن التصوير. فعاد «قتلغ» لإحضار العلامة من مسعود فوجده قد مات، فرجع إلى حلب وعرّف الناس، بموت مسعود، فسلّم البلد إليه رئيسها فضائل ابن بديع وأطاعه المقدّمون واستنزلوا قيماز من القلعة وأعطوه ألف دينار، فتسلم القلعة في الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة 521 وبعد أيام ظهر منه جور وعسف عظيمان، ومدّ يده إلى الأموال- لا سيما التركات- وقرّب إليه الأشرار فنفرت منه القلوب.
وكان بالمدينة بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار الأرتقي- الذي كان صاحبها قديما- فأطاعه أهل البلد وأقاموه واليا عليها ليلة الثلاثاء ثاني شوال سنة 521 وقبضوا على كل من كان بالبلد من أصحاب قتلغ- وكان أكثرهم يشربون في البلد صبيحة العيد- وزحفوا إلى القلعة فتحصن قتلغ فيها بمن معه، وحصروه ووصل إلى حلب حسان صاحب منبج، وحسن صاحب بزاعة لإصلاح الأمر فلم يصلح. وسمع الفرنج بذلك فتقدم جوسلين بعسكره إلى حلب فصونع بمال وانصرف عنها. ثم وصل صاحب أنطاكية في جمع من الفرنج فخندق الحلبيون حول القلعة ومنع عنها الداخل والخارج، وأشرف الناس على خطر عظيم إلى منتصف ذي الحجة سنة 521.
وكان عماد الدين زنكي قد ملك الموصل والجزيرة وسيّر إلى حلب الأمير سنقردراز، والأمير حسن قراقوش ومعه توقيع عماد الدين بالشام، فأجابه أهل حلب وتقدم عسكر عماد الدين زنكي إلى سليمان وقتلغ بالمسير إلى عماد الدين زنكي فسارا إليه وهو بالموصل فأصلح بينهما ولم يردّ أحدهما إلى حلب. وكان قراقوش في مدة غيابهما كالوالي على حلب.
ثم إن عماد الدين زنكي سار إلى حلب وملك في طريقه منبج وبزاعة وطلع أهل حلب لتلقيه واستبشروا بقدومه ودخل حلب ورتب أمورها. ثم قبض على قتلغ وسلمه إلى ابن بديع فكحله فمات. وكان ملك عماد الدين زنكي لحلب وقلعتها في محرم سنة 522.
وفي سنة 524 جمع عماد الدين زنكي عساكره وسار من الموصل إلى الشام وقصد حصن الأثارب لشدة ضرره على المسلمين، فإن أهله الفرنج كانوا يقاسمون أهل حلب على جميع أعمالها الغربية، حتى على رحى بظاهر باب الجنان، بينها وبين سور حلب عرض الطريق، والغالب على الظن أنها رحى عربية. فنازل عماد الدين الحصن واجتمع عليه الفرنج، فارسهم وراجلهم، فرحل عماد الدين عن الأثارب إلى حيث اجتمع الفرنج والتقى بهم واقتتل معهم أشد قتال، فانتصر عليهم وانهزم الفرنج وأسر كثيرا من فرسانهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة بقيت منها عظام القتلى على سطح الأرض زمنا طويلا. ثم عاد المسلمون إلى حصن الأثارب وأخذوه عنوة وقتلوا وأسروا كل من فيه وخرب عماد الدين ذلك الحصن من ذلك اليوم.
وفي سنة 530 سارت عساكر أسوار- نائب عماد الدين زنكي بحلب- ومعه عساكر حلب وحماه إلى بلاد الفرنج بنواحي اللاذقية، وأوقعوا بمن هناك من الفرنج وكسبوا من الجواري والمماليك والأسرى والدوابّ ما ملأ الشام من الغنائم وعادوا سالمين. وفي سنة 531 نازل عماد الدين حصن بعرين- وكان به الإفرنج- فضيق عليهم وطلب الفرنج منه الأمان فقرر عليهم تسليم الحصن وخمسين ألف دينار يحملونها إليه، فرضوا بذلك وأطلقهم وتسلم الحصن والدنانير. وكان عماد الدين مدة إقامته على الحصن المذكور قد استخلص المعرة وكفر طاب من الفرنج، وحضر أهل المعرة وطلبوا أملاكهم التي كانت لهم قبل أن يأخذ الإفرنج المعرة، فطلب عماد الدين منهم كتب أملاكهم، فذكروا أنها عدمت. فكشف في ديوان حلب عن الخراج وردّ كل ملك لصاحبه حسب مفهوم الديوان.
وفي سنة 532 وصل الروم إلى بزاعة- وهي على ستة فراسخ من حلب- وحاصروها وملكوها بالأمان ثم غدروا بأهلها وقتلوا منهم وأسروا وسبوا وتنصّر قاضيها.
وجملة من تلف بها من أهلها أربعمائة نسمة. ثم رحل الروم إلى حلب ونزلوا على قويق وزحفوا على حلب، وجرى بين أهلها وبينهم قتال كثير قتل فيه من الروم بطريق كبير، وعادوا خاسرين وأقاموا ثلاثة أيام ورحلوا إلى الأثارب وملكوها وتركوا فيها سبايا بزاعة، وتركوا عندهم من الروم من يحفظهم. وسار الروم جميعهم من الأثارب إلى شيزر فخرج أسوار- نائب زنكي بحلب- بمن معه وأوقع بمن في الأثارب من الروم فقتلهم وفك أسرى بزاعة وسباياها.
وفي سنة 533 جاءت زلزلة عظيمة بالشام والعراق وغيرهما من البلاد فخرّبت كثيرا وهلك تحت الردم عالم كثير، وهدمت الدور والمنازل، وتوالت بالشام وخرّبت كثيرا من البلاد لا سيما حلب، فإن أهلها فارقوا بيوتهم وخرجوا إلى الصحراء. ودامت من رابع صفر إلى تاسع عشره. وفي سنة 539 فتح أتابك عماد الدين زنكي مدينة الرّها واستردها من الفرنج الصليبيين مع غيرها من البلاد الجزرية، وكان فتحا عظيما. وفي سنة 541 قتل عماد الدين زنكي، قتله جماعة من مماليكه منازلا قلعة جعبر، ودفن بالرقة. ولما قتل كان ولده نور الدين محمود زنكي حاضرا عنده فأخذ خاتمه من إصبعه وجاء إلى حلب وملكها.
وفيها راسل جوسلين الفرنجيّ- صاحب تل باشروما جاورها- أهل الرها، وكلّهم من الأرمن، بأن يمتنعوا عن المسلمين ويسلموا البلد إليه، ففعلوا وملك جوسلين البلد دون القلعة. فأسرع نور الدين الرحيل إليه من حلب، ولما قارب الرها خرج منها جوسلين هاربا ودخلها نور الدين ونهبها وسبى أهلها فلم يبق منهم أحد. وفي سنة 542 دخل نور الدين صاحب حلب بلاد الفرنج وفتح منها مدينة أرتاح بالسيف وحصر مابولة وبصرفوت وكفر لاثا. وفي سنة 543 كان بين نور الدين وبين الفرنج مصاف بأرض يغرى من العمق، فانهزم الفرنج وقتل وأسر منهم جماعة كثيرة، وأرسل نور الدين إلى أخيه سيف الدين غازي صاحب الموصل من الأسرى والغنيمة.
قال في الروضتين في أخبار الدولتين: وفي رجب هذه السنة ورد الخبر من ناحية حلب بأن صاحبها نور الدين أمر بإبطال: «حيّ على خير العمل» في أواخر تأذين الغداة،