الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حلب وولى مكانه الأمير سيف الدين تغري بردي صاحب جامع الموازيني الذي تكلمنا عليه في محلة ساحتبزّة في الجزء الثاني. وفي سنة 799 ولي نيابة حلب أرغون شاه، نقل إليها من طرابلس فبقي في حلب مدة قليلة ومات. وفي سنة 800 ولي نيابة حلب الأمير علاء الدين أقبغا الجمالي الهذباني ثم خرج على السلطان. وفي سنة 801 ولّى السلطان الملك الناصر أبو السعادة فرج نيابة حلب الأمير دمرداش المحمدي الخاصكي.
أول تحرش العثمانيين بالمملكة المصرية:
في هذه السنة 801 استولى السلطان بايزيد يلدم خان على ملطية، وتقدمت طلائع جيوشه إلى البستان للزحف على حلب. فاهتمت حكومة مصر بهذا الأمر وأعدت جيشا لكفاح السلطان با يزيد وقررت أن يؤخذ من الأملاك أجرة شهر تنفق على الجيش. ثم رجع السلطان إلى بلاده دون أن يحصل منه ضرر، فعدلت الحكومة المصرية عن إرسال جيشها.
اقتراب شرور تيمورلنك من حلب:
وفي سنة 802 قصدت طلائع جيش تمرلنك بغداد، فكسرهم سلطانها السلطان أحمد قان فصحبوا معهم قره يوسف بن محمد التركماني، صاحب ديار بكر وماردين وما والاهما، وقدموا حلب بمن معهم من العساكر ونزلوا على نهر الساجور، فخرج إليهم الأمير دمرداش نائب حلب واستنجد بالأمير دقماق نائب حماة، وتوجّها بعسكرهما إلى الساجور فالتقى الفريقان هناك واقتتلا قتالا شديدا انجلى عن كسر دمرداش، وأسر دقماق ونهب جميع ميرة «1» العسكر وخيوله وأثاثه وقماشه، وجفلت البلاد الحلبية، ورجع دمرداش في نحو عشرة أشخاص. ثم افتدى دقماق نفسه ولحق بمكانه.
إجمال في تمرلنك
هو تيمور بن طرغاي بن جغتاي. ونسبه بعضهم إلى جنكز خان من جهة النساء، وكان طويل القامة عريض الأطراف أبيض مشربا بحمرة أعرج اليمناوين، جبارا عنيدا قهر
الملوك والجبابرة، وهو من غلاة الشيعة وكان في ابتداء أمره يقطع السبيل هو ورفقاء له فظفر بهم حاكم هراة «1» السلطان غياث الدين، فضرب تيمور وأمر بصلبه، فشفع به ولده وأخذه ووكل به من داوى جراحه حتى برىء وقربه إليه وزوّجه شقيقته. ثم إن تيمور غاضبها في بعض الأيام فقتلها وخرج على السلطان واستصفى ممالك ما وراء النهر ثم صاهر المغل وقصد مخدومه الملك غياث الدين ليدخل في طاعته فظفر به وقتله في الحبس جوعا لأنه حلف له ألّا يريق له دما. ثم عاد إلى خراسان ووضع السيف في أهل سجستان فأفناهم عن بكرة أبيهم، وخرب المدينة واستخلص جميع ممالك العجم، واستولى على بغداد وقتل أهلها وبنى من رؤوسهم مآذن، ولم يترك كبيرا ولا صغيرا ولا ذكرا ولا أنثى إلا قتله. ثم خرب المدينة بعد أن نهبها ثم مشى منها إلى الجزيرة وديار بكر وإلى الفرات.
واستعد الظاهر برقوق لمدافعته ونزل تيمور بالرها وأخذها ونهبها. وبلغه أن طقتمش خان سلطان دشت قفجق في جهات القريم قد وصل في جموع المغل إلى الأبواب فأحجم تيمورلنك وتأخر إلى قلاع الأكراد وأطراف بلاد الروم وأناخ على قره باغ ما بين أذربيجان والأبواب، ثم قوي على طقتمش وأخذ بلاده وانضمت جموع التتر إليه. ثم مشى على الهند واستولى عليها، وبلغه خبر وفاة الملك الظاهر برقوق ووفاة أحمد حاكم سيواس، فاستناب في الهند وقصد بلاد الإسلام فأتى بغداد وفتحها ثانيا وقصد سيواس وفتحها عنوة وحلف لأهلها أنه لا يريق لهم دما، فغدر بهم وألقى منهم في الحفر نحو ثلاثة آلاف إنسان.
ثم نهب البلد وخربها ومشى إلى بهسنى فحاصر قلعتها مدة طويلة وفتحها صلحا مع ما هو عليه من العتوّ والعناد. ولذلك سببان أحدهما متانة القلعة وحصانتها وثانيهما أن نائب قلعة المسلمين التي كانت تعرف بقلعة الروم- وهو الناصري محمد بن موسى بن شهري- كان يخرج للغارات على معسكر تيمور عندما كان مقيما على حصار قلعة بهنسى. وكان الناصري المذكور ذا قوة وشجاعة ورأي وتدبير، فلم يسع تيمور إلا الانصراف عن قلعة بهسنى إلى قلعة المسلمين فكاتب نائبها الناصري المذكور بقوله: إني أتيت من أقصى بلاد سمرقند ولم يقف أحد أمامي وسائر ملوك الأرض حضروا إليّ، وأنت سلّطت على جموعي من يشوّش عليهم ويقتل من ظفر بهم، والآن قد مشينا عليك
بعساكرنا فإن أشفقت على نفسك ورعيّتك فاحضر إلينا لترى من الرحمة والشفقة ما لا مزيد عليه وإلا نزلنا عليك وخربنا بلدك، وقد قال تعالى إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ
فاستعدّ لما يحيط بك إن أبيت الحضور.
فلم يلتفت الناصري إلى كلامه وحبس رسوله. فمشى إليه تيمور وبرز له الناصري في أوائل عسكره وقاتله قتالا شديدا رأى فيه تيمور من الناصري شدة حزم، فرجع عن محاربته وأخذ في مخادعته فطلب منه الصلح وأن يرسل له مالا وخيلا فلم ينخدع وتنازل معه إلى أن طلب منه جانبا فلم يعطه، وعاد عنه تيمور خائبا وعساكر الناصري في أواخر عسكر تيمور قتلا ونهبا وأسرا مع أنهم كانوا زهاء ثمانمائة ألف عسكري. كل ذلك وباب قلعة الناصري لم يغلق يوما واحدا وفيه يقال:
هذا الأمير الذي صحّت مناقبه
…
ليث الوغى عمّت الدنيا مفاخره
ولّى تمرلنك مكسورا أوائله
…
منه فارا ومذعورا أواخره
كان الناصري من السلالة العمرية ذا مروءة وصدق ودين وعلم. ثم إن تيمور استولى على حلب ودمشق، وما بينهما على الوجه الذي نبسطه، ثم رجع إلى ممالك الروم فكاتب سلطانها السلطان با يزيد خان الغازي فلم يلتفت إلى كتابه وتوجه لقتاله وجمع العساكر على ميل من مدينة أنقرة، ونشبت الحرب بينهم وكانت وقعة عظيمة انكشفت عن أسر السلطان يلدرم با يزيد خان ولما أيقن بالهلاك قال لتيمور: أوصيك ألّا تترك التتر بهذه البلاد فإنهم يفسدونها وألّا تقتل رجال الأروام فإنهم ردء الإسلام، وألّا تخرب قلاع المسلمين، ولا تجلهم عن مواطنهم.
قال هذا وهو مكبل بقفص من حديد قد فغر الموت له فاه لابتلاع حياته بعد سويعات، فلم يذهله هذا الموقف الرهيب عن المحاماة عن رعيته، ولم تضطره الأثرة بروحه إلى التوسل بالدفاع عنها دون الدفاع عن رعاياه.
وقد قبل منه تيمور تلك الوصايا. وبعد سويعات توفي السلطان با يزيد في قفصه ورجع تيمور إلى بلاده فمرض في مدينة أنزار وجعل يشرب من عرق الخمر إلى أن تفتت كبده ومات في ليلة الأربعاء سابع عشر شعبان سنة 807 وحملوا عظامه إلى سمرقند وعمره فوق