الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به وحده علاوة على رزقه من بيت المال الذي كان لا يقل عن تسعين ألف ذهب عثماني في الشهر.
ما هي الأملاك السنية والجفاتلك الهمايونية
؟
لما استولت الدولة العثمانية على هذه البلاد كان العمار غالبا على برّها، والزراعة سائدة في أكثر أنحائها، ثم لم تلبث غير قليل بسبب سوء إدارة حكامها إلا وأخذ العمار ينزح عنها ويحل محله الخراب حتى كاد يعم جهتي الجنوب والشرق من ولاية حلب. وكانت جهة الجزيرة في منتهى درجات العمار بحيث كانت ولاية عظيمة عاصمتها الرقة، ولما دخلت تحت استيلاء الدولة العثمانية اعتبرتها أيضا ولاية واستمرت ترسل إليها واليا يحكمها على انفرادها، إلى أن أخذ عمرانها بالانحطاط صارت تعهد بالولاية عليها إلى والي حلب وتسمّيه والي حلب والرقة. وما زال الخراب يشن عليها غاراته حتى ألقى فيها جرانه «1» وخلت من السكان الحضر، ولم يبق من أرضها معمورا سوى واحد في المئة وخلت مدينة الرقة من الحكومة وأصبحت عاصمة الرشيد قرية يسكن أهلها تحت مضارب الشعر مستمرة على هذه الحالة نحوا من قرن ونصف.
ولما جلس السلطان عبد المجيد خان على العرش العثماني ألفت نظره إلى جميع ما في المملكة العثمانية من القفار الواسعة والمفاوز الشاسعة، خصوصا ما كان من ذلك في الشام والجزيرة والعراق، فاعتبر السلطان هذه البراري، مواتا وعزم على إحيائها لتكون ملكا له بحكم:
«من أحيا مواتا فهي له» «2» . فعمل لأجل هذه الغاية ديوانا خاصا جعل وظيفته السعي والاهتمام بإحياء هذه الأراضي، وأمده بشيء من ماله لينفقه في هذا السبيل ودعا هذا الديوان (جفتلك همايون إداره سى) إدارة المزارع السلطانية، وفوضه أن يشتري له مسقّفات وأملاكا في البلاد العثمانية. فباشر هذا الديوان وظيفته واشترى له عدة أملاك وعقارات في حلب وغيرها كالخانات والحمامات والبساتين. ومن جهة أخرى بذل الديوان اهتمامه بإحياء الأراضي واستعان على إعمارها بالولاة والأمراء العسكريين، وبعد العناء الطويل
تمكن الديوان من تحضير بعض العشائر البدوية وإسكانها في قرى حقيرة بنيت لهم في تلك البراري. ومن ذلك اليوم عادت روح العمار تدبّ رويدا رويدا في جهتي الشرق والجنوب من ولاية حلب، وجهة الجزيرة التي عاصمتها الرقة.
ولما جلس السلطان عبد الحميد خان على كرسي المملكة العثمانية سنة (1293) اهتم بهذه المسألة اهتماما عظيما وأسس لها في استانبول ديوانا خاصا سماه (خزينه خاصه نظاره سى) نظارة الخزينة الخاصة. وجعل له فرعا في كل بلدة يوجد في برّها أراض موات، سماه إدارة الجفتلك الهمايوني. فاجتهدت هذه الإدارة بإعمار القرى على أطلالها القديمة وأسكنتها جماعة من العربان وقدّمت لهم ما يحتاجونه من الدواب والمؤنات وآلات الحراثة، وسامحتهم من الجندية وسائر الضرائب الأميرية سوى رسوم عدّ الغنم التي توجد في هذه القرى أو التي تمر منها، وسوى الأعشار وكومة الطابو، فإن الإدارة جرت في أخذها من الزراع على قاعدة سمّتها التخمين، وهي أن يقدر أهل الخبرة البيدر- قبل أن يدرس- بقدر معلوم من الحب ويكتب على صاحبه سبعة عشر في المئة من مجموع الحبّ المقدر، عشرة من هذه السبعة عشر هي العشر الشرعي، والباقي- وهو سبعة أجزاء- أجرة الأرض وتسمى كومة الطابو، وبعد أن تتم دراسة البيدر ويتمحض الحب يحمل صاحبه القدر المفروض عليه إلى المستودع المعين لناحيته ويسلّمه إلى حافظ المستودع ويأخذ به وصلا. وكانت إدارة الجفتلك هذه تأخذ العشر الشرعي أيضا لنفسها مع أن العشر حق بيت المال كما لا يخفى.
وقد نجحت هذه الفروع في أعمالها، وجد في ولاية حلب قرى كثيرة يربو عددها على الخمسمائة، وكثر عدد سكان الرقة واستعمل عليها حاكم صغير باسم مدير، ثم زاد العمار في جهاتها وأنشأ فيها السلطان جامعا وجعلت مركز قضاء وتعين لها قائمقام. وهكذا كان العمل في منبج. وقد بلغ دخل السلطان من هذه القرى التي هي في شرقي الولاية وجنوبها سبعين ألف ذهب عثماني في السنة المتوسطة بين الخصب والجدب، وذلك عدا رسوم الأغنام التي كان يستأثر بها السلطان أيضا. ولما خلع هذا السلطان وضعت الحكومة يدها على سائر الأملاك والمزارع المذكورة وسمتها الأملاك المدورة ثم الأملاك الأميرية وصارت تجبي غلاتها على قاعدة التخمين السالفة الذكر إلى جهة خزانة الحكومة، وألغيت النظارة الخاصة في استانبول وفروعها في خارجها وأنيط النظر في الأملاك المذكورة بدواوين مالية الدولة
التي تعرف باسم المحاسبة وسميت هذه الأملاك بالأملاك الأميرية.
وفي هذه السنة ورد من نظارة المعارف رخصة بإصدار عدة صحف إخبارية مثل جريدة الشهباء وصدى الشهباء والشعب والتقدّم وغيرها، فصدرت أكثر هذه الجرائد وأقبل الناس عليها ولا إقبال الجياع على القصاع، لأنهم في عهد الاستبداد الحميدي كانوا لا يطّلعون على جريدة مصرية أو بيروتية إلا بشق الأنفس. وفي هذه السنة أعلن البلغاريون استقلالهم بالروملّي. وفيها انتهت أعمال سكة حديد الحجاز وبدأ القطار يسير من دمشق إلى المدينة المنورة.