الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع العشرون بعد المائة
علم فواتح السور
أفرده بالتصنيف ابن أبي الأصبع في كتاب سماه «الخواطر السوانح في أسرار الفواتح» .
قال الحافظ السيوطي- رحمه الله تعالى-: وأنا ألخص هنا ما ذكره مع زوائد من غيره.
أعلم أن الله افتتح سور القرآن بعشرة أنواع من الكلام، لا يخرج شيء من السور عنها:
الأول: الثناء عليه-[سبحانه] وتعالى-. والثناء قسمان: إثبات لصفاح المدح: ونفي وتنزيه من صفات النقص، فالأول: التحميد في خمس
سور، وتبارك في سورتين والثاني: التسبيح في سبع صور.
قال الكرماني في متشابه القرآن: التسبيح كلمة استأثر الله بها، فبدأ بالمصدر في بني إسرائيل؛ لأنه الأصل، ثم بالماضي في (الحديد) و (الحشر) و (الصف)؛ لأنه أسبق الزمانين، ثم بالمضارع في (الجمعة) .....
و (التغابن)، ثم بالأمر في الأعلى؛ استيعابًا لهذه الكلمة من جميع جهاتها.
الثاني: حروف التهجي في تسع وعشرين سورة، وقد مضى الكلام عليها مستوعبًا في نوع المتشابه.
الثالث: النداء في عشر سور: خمس بنداء الرسول صلى الله عليه وسلم: (الأحزاب)، و (الطلاق)، و (التحريم)، و (المزمل)، و (المدثر). وخمس بنداء
الأمة: (النساء)، و (المائدة)، و (الحج)، و (الحجرات)، و (الممتحنة).
الرابع: الجمل الخبرية، نحو {يسألونك عن الأنفال} [الأنفال]، {براءة من الله} [التوبة]، {أتى أمر الله} [النحل]، {اقترب للناس حسابهم} [الأنبياء]، {قد أفلح المؤمنون} [المؤمنون]{سورة أنزلناها} [النور]، {تنزيل الكتاب} [الزمر]، {الذين كفروا} [محمد]، {إنا فتحنا} [الفتح]، {اقتربت الساعة} [القمر]، {الرحمن * علم القرآن} [الرحمن]، {قد سمع الله} [المجادلة]، {الحاقة} [الحاقة]، {سأل سائل} [المعارج]، {إنا أرسلنا نوحًا إلى قومه} [نوح]، {لا أقسم} في موضعين [القيامة، والبلد]، {عبس} [عبس]، {إنا أنزلناه} [القدر]، {لم يكن} [البينة]، {القارعة} [القارعة]، {ألهاكم} [التكاثر]، {إنا أعطيناك} [الكوثر]: فتلك ثلاث وعشرون سورة.
الخامس: القسم في خمس عشرة سورة: سورة أقسم فيها
بالملائكة، وهي (والصافات). وسورتان بالأفلاك:(البروج)(والطارق). وست سور بلوازمها: فـ (النجم) قسم بالثريا، (والفجر) بمبدأ النهار، [(والشمس) بآية النهار]، (والليل) بشطر الزمان، (والضحى) بشطر النهار، (والعصر) بالشطر الآخر، أو بجملة الزمان. وسورتان بالهواء الذي هو أحد العناصر:(والذاريات)(والمرسلات). وسورة بالتربة التي هي منها أيضًا، وهي:(الطور). وسورة بالنبات: (والتين)، وسورة بالحيوان الناطق وهي:(والنازعات)، وسورة بالبهم وهي:(والعاديات).
السادس: الشرط في سبع سور: (الواقعة)، و (المنافقون)، و (التكوير)، [و (الانفطار)، و (الانشقاق)، و (الزلزلة)]، و (النصر).
السابع: الأمر في ست سور: {قل أوحى} [الجن]، {اقرأ} [العلق]، {قل يا أيها الكافرون} [الكافرون]، {قل هو الله أحد} [الإخلاص]، و (المعوذتين).
الثامن: الاستفهام [في ست سور]: {هل أتى} [الإنسان]، {عم يتساءلون} [النبأ]، {هل أتاك} [الغاشية]، {ألم نشرح} [الشرح]، {ألم تر} [الفيل]، {أرأيت} [الماعون].
التاسع: الدعاء في ثلاث: {ويل للمطففين} [المطففين]، {ويل لكل همزةٍ} [الهمزة]، {تبت} [المسد].
العاشر: التعليل في {لإيلاف قريشٍ} [قريش].
هكذا جمع أبو شامة.
قال: وما ذكرناه في (قسم) الدعاء يجوز أن يذكر مع الخبر، وكذا الثناء كله خبر إلا {سبح} فإنه في قسم الأمر، و {سبحن} يحتمل الأمر والخبر. ثم نظم ذلك في بيتين فقال:
أثنى على نفسه سبحانه بثبوت
…
الحمد والسلب لما استفتح السورا
والأمر شرط الندا والتعليل والقسم الدعا
…
حروف التهجي استفهم الخبرا
وقال أهل البيان: من البلاغة حسن الابتداء؛ وهو أن يتأنق في أول الكلام؛ لأنه أول ما يقرع السمع، فإن كان محررًا أقبل السامع على الكلام ووعاه، وإلا أعرض عنه، ولو كان الباقي في نهاية الحسن، فينبغي أن يؤتى في بأعذب اللفظ وأجزله وأرقه وأسلسه وأحسنه نظمًا وسبكًا، وأصحه معنى، وأوضحه وأخلاه م التعقيد، والتقديم، والتأخير الملبس، أو الذي لا يناسب.
قالوا: وقد أتت جميع فواتح السور على أحسن الوجوه وأبلغها وأكملها، كالتحميدات وحروف الهجاء والنداء، وغير ذلك.
ومن الابتداء الحسن نوع أخص منه يسمى براعة الاستهلال، وهو أن يشتمل أول الكلام على ما يناسب الحال المتكلم فيه، ويشير إلى ما سبق
الكلام لأجله؛ والعلم الأسن في ذلك سورة (الفاتحة)، التي هي مطلع القرآن، فإنها مشتملة على جميع مقاصده كما قال البيهقي في «شعب الإيمان»: أخبرنا أبو القاسم بن حبيب، أنبأنا محمد بن صالح بن هانئ، أنبأنا الحسين بن الفضل، حدثنا عفان بن مسلم، عن ربيع بن صبيح، .....
عن الحسن، قال: أنزل الله مائة وأربعة كتب، أودع علومها أربعة منها:«التوراة» ، و «الإنجيل» ، و «الزبور» ، و «الفرقان» . ثم أودع علوم «التوراة» و «الإنجيل» ، و «الزبور» ، و «الفرقان» [في «القرآن»]، ثم أودع علوم «القرآن» المفصل، ثم أودع علوم المفصل (فاتحة الكتاب)، فمن علم تفسيرها، كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة.
وقد وجه ذلك بأن [العلوم] التي احتوى عليها القرآن قامت بها الأديان أربعة:
1 -
علم الأصول ومداراه على معرفة الله وصفاته، وإليه الإشارة بـ {رب العالمين * الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 2 - 3]. ومعرفة النبوات، وإليه الإشارة بـ {الذين أنعمت عليهم} [الفاتحة: 7]. ومعرفة لمعاد، وإليه الإشارة بـ {مالك يوم الدين} [الفاتحة: 4].
2 -
وعلم العبادات، وإليه الإشارة بـ {إياك نعبد} [الفاتحة: 5].
3 -
وعلم السلوك وهو حمل النفس على الآداب الشرعية والانقياد لرب البرية، وإليه الإشارة بـ {وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 5 - 6].
4 -
وعلم القصص: وهو الاطلاع على أخبار الأمم السالفة والقرون
الماضية، ليعلم المطلع على ذلك سعادة من أطاع الله، وشقاوة من عصاه، وإليه لإشارة بقوله:{صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [الفاتحة: 7]. فنبه في الفتحة على جميع مقاصد القرآن؛ وهذا هو الغاية في براعة الاستهلال، مع ما اشتملت عليه من الألفاظ الحسنة، والمقاطع المستحسنة وأنواع البلاغة.
وكذلك أول سورة {اقرأ} [العلق]، فإنها مشتملة على نظير ما اشتملت عليه الفاتحة؛ من براعة الاستهلال لكونها أول ما أنزل من القرآن، فإن فيها الأمر بالقراءة والبداءة فيها باسم الله، وفيه الإشارة إلى علم الأحكام، وفيها م يتعلق بتوحيد الرب وإثبات ذاته وصفاته من صفة ذات وصفة فعل. وفي هذه الإشارة إلى أصول الدين. وفيها ما يتعلق بالأخبار من قوله:{علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق: 5]؛ ولهذا قيل إنها جديرة أن تسمى عنوان القرآن؛ لأن عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة في أوله.