الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو لمنفعة: فالفضيلة كقوله [تعالى]: {وطور سينين (2) وهذا البلد الأمين (3)} [التين: 2، 3]، والمنفعة نحو [قوله تعالى]:{والتين والزيتون (1)} [التين: 1].
وقال غيره: أقسم الله تعالى بثلاثة أشياء؛ بذاته كالآيات السابقة، وبفعله نحو:[قوله تعالى]: {والسماء وما بناها (5) والأرض وما طحاها (6) ونفس وما سواها} [الشمس: 5 - 7]، وبمفعوله نحو:[قوله تعالى]: {والنجم إذا هوى} [النجم: 1]، {والطور (1) وكتاب مسطور} [الطور: 1، 2].
والقسم إما ظاهر كالآيات السابقة، وإما ممر، وهو قسمان:
قسم: دلت عليه اللام نحو: [قوله تعالى]: {لتبلون في أموالكم} [آل عمران: 186].
وقسم: دل عليه المعنى، نحو:[قوله تعالى]: {وإن منكم إلا واردها} [مريم: 71] تقديره: {والله} .
وقال أبو علي الفارسي:
الألفاظ الجارية مجرى القسم ضربان:
أحدهما: ما تكون كغيرها من الأخبار التي ليست بقسم، فلا يجاب بجوابه كقوله [تعالى]:{وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين} [الحديد: 8]، {ورفعنا فوقكم الطور خذوا} [البقرة: 63]، {فيحلفون له كما يحلفون لكم} [المجادلة: 18]، وهذا ونحوه يجوز أن يكون قسمًا، وأن يكن حالًا لخلوه من الجواب.
والثاني: ما يتلقى بجواب القسم، كقوله:[عز من قائل]: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس} [آل عمران: 187]، {وأقسموا بالله جهد إيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن} [النور: 53].
وقال غيره: أكثر الأقسام في القرآن المحذوفة الفعل لا يكون إلا بالواو، فإذا ذكرت الباء أتي بالعل، كقوله [تعالى]:{وأقسموا بالله} [النور: 53]، {يحلفون بالله} [التوبة: 62]، ولا تجد الباء مع حذف الفعل، ومن ثم كان خطأ من جعل قسمًا [قوله تعالى]:{بالله إن الشرك لظلم} [لقمان: 13]، {بما عهد عندك} [الزخرف: 49]، {بحق إن كنت قلته فقد علمته} [المائدة: 116].
قال ابن القيم: أعلم أنه سبحانه وتعالى يقسم بأمور على أمور، وإنما يقسم بنفسه [المقدسة] الموصوفة بصفاته، وبآياته المستلزمة لذاته وصفاته، وأقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم [آياته]، فالقسم إما على جملة خبرية- وهو الغالب-، كقوله [تعالى]:{فورب السماء والأرض إنه لحق} [الذاريات: 23]. وإما على جملة طلبية كقوله [عز من قائل]: {فوربك لنسئلنهم أجمعين (92) عما كانوا يعملون (93)} [الحجر: 92]، مع أن هذا القسم قد يراد به تحقيق المقسم عليه، فيكون من باب الخبر، وقد يراد به تحقيق القسم؛ فالمقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه، فلا بد أن يكون مما يحسن فيه ذلك، كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها.
فأما الأمور الظاهرة المشهورة كالشمس والقمر، والليل والنهار، والسماء والأرض، فهذه يقسم بها ولا يقسم عليها، وما أقسم عليه الرب فهو من آياته، فيجوز أن يكون مقسمًا به ولا ينعكس، وهو سبحانه [وتعالى] يذكر جواب القسم تارة وهو الغالب، وبحذفه أخرى، كما يحذف جواب «لو» كثيرًا للعلم به.
والقسم لما كان يكثر في الكلام، اختصر، فصار فعل القسم يحذف، ويكتفي بالباء، ثم عوض من الباء الواو في الأسماء الظاهرة، والتاء في أسماء الله [جل شأنه]، كقوله [عز من قائل]:{وتالله لأكيدن أصنامكم} [الأنبياء: 57].
قال: ثم هو سبحانه [وتعالى] يقسم على أصول الإيمان التي تجب على الخلق معرفتها؛ تارة يقسم على التوحيد، وتارة يقسم على أن القرآن حق، وتارة على أن الرسول حق، وتارة على الجزاء والوعد والوعيد، وتارة يقسم على حال الإنسان.
فالأول: كقوله [تعالى]: {والصافات صفا (1)} إلى قوله: {إن إلهكم لواحد} [الصافات: 1 - 4].
والثاني: كقوله [تعالى]: {فلا أقيم بمواقع النجوم (75) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (76) إنه لقرآن كريم (77)} [الواقعة: 75 - 77].
والثالث: كقوله: {يس (1) والقرآن الحكيم (2) إنك لمن المرسلين (3)}
[يس: 1 - 3]، {والنجم إذا هوى (1) ما ضل صاحبكم وما غوى (2) .... } الآيات [النجم: 1 - 5].
والرابع: كقوله [تعالى]: {والذاريات ذروا (1)} إلى قوله: {إنما توعدون لصادق (5) وإن الدين لواقع (6)} [الذاريات: 1 - 6].
والخامس: كقوله: {والليل إذا يغشى (1)} إلى قوله: {إن سعيكم لشتى (4)} الآيات [الليل: 1 - 4]{والعاديات} إلى قوله: {إن الإنسان لربه لكنود (6)} [العاديات: 1 - 6]، {والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر (2) .... } إلى آخرها [العصر: 1، 3]، {والتين} إلى قوله: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (4)
…
} الآيات [التين: 1 - 8]، {لا أقسم بهذا البلد (1)} إلى قوله:{لقد خلقنا الإنسان في كبد (4)} [البلد: 1 - 4].
قال: وأكثر ما يحذف الوجوب إذا كان في نفس المقسم به دلالة على المقسم عليه، فإن المقصود يحصل بذكره، فيكون حذف المقسم عليه أبلغ وأوجز كقوله [عز وجل]:{ص والقرآن ذي الذكر} [ص: 1]، [فإن المقسم به من تعظيم القرآن]، ووصفه بأنه «ذو الذكر» المتضمن لتذكير العباد ما يحتاجون إليه، والشرف، والقدر، ما يدل على المقسم عليه، وهو كونه حقًا من عند الله غير مفترى كما يقوله الكافرون، ولهذا قال كثيرون: إن تقدير الجواب (إن القرآن لحق)، وهذا مطرد [في كل ما شابه ذلك] كقوله [جل شأنه]:{ق والقرآن المجيد {[ق: 1] وقوله [تعالى]: {لا أقسم بيوم القيامة} [القيامة: 1]، فإنه يتضمن إثبات المعاد، وقوله [جل شأنه]: {والفجر
…
} الآيات [الفجر: 1]، فإنها أزمان تتضمن أفعالًا معظمة من المناسك وشعائر الحج
التي هي عبودية محضة لله [تعالى] وذل وخضوع لعظمته، وفي ذلك تعظيم ما جاء به محمد وإبراهيم- عليهما الصلاة والسلام-، قال: ومن لطائف القسم [قوله][عز من قائل]: {والضحى (1) والليل إذا سجى (2)
…
} الآيات [الضحى: 1، 2]، أقسم تعالى على إنعامه على رسوله وإكرامه له؛ وذلك متضمن لتصديقه له، فهو قسم على النبوة والمعاد، وأقسم بآيتين عظيمتين من آياته. وتأمل مطابقة هذا القسم وهو نور الوحي الذي وافاه بعد احتباسه عنه، حتى قال أعداؤه: ودع محمدًا ربه، فأقسم بضوء النهار بعد ظلمة الليل على ضوء الوحي ونوره بعد ظلمة احتباسه واحتجابه.