الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توفر الدواعي وشدة الحاجة، والتحدي للكافة، والصرفة، والبلاغة، والإخبار عن الأمور المستقبلة، ونقض العادة، وقياسه بكل معجزة.
قال: ونقض العادة هو أن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة، منها الشعر، ومنها السجع، ومنها الخطب، ومنها الرسائل، ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث؛ فأتى القرآن، بطريقة مفردة خارجة عن العادة، لها منزلة في الحسن تفوق به كل طريقة، وتفوق الموزون الذي هو أحسن الكلام.
قال: وأما قياسه بكل معجزة؛ فإنه يظهر إعجازه من هذه الجهة؛ إذ كان سبيل فلق البحر وقلب العصا حية، وما جرى هذا المجرى في ذلك سبيلاً واحدًا في الإعجاز، إذ خرج عن العادة، وقعد الخلف فيه عن المعارضة.
وقال القاضي عياض في الشفا:
اعلم أن القرآن منطو على وجوه من الإعجاز كثيرة، وتحصيلها من جهة ضبط أنواعها في أربعة وجوه
.
أولها: حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته، ووجوه إيجازه، وبلاغته الخارقة عادة العرب الذين هم فرسان الكلام، وأرباب هذا الشأن.
الثاني: صورة نظمه العجيب، والأسلوب الغريب، المخالف لأساليب كلام العرب، ومنها نظمها ونثرها الذي جاء عليه، وقفت عليه مقاطع آياته وانتهت إليه فواصل كلماته، ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له. قال: كل واحد من هذين النوعين: الإيجاز والبلاغة بذاتها، والأسلوب الغريب بذاته نوع إعجاز على التحقيق، لم تقدر العرب على الإتيان بواحد منهما، إذ كل واحد خارج عن قدرتها، مباين لفصاحتها وكلامها، خلافًا لمن زعم أن الإعجاز في مجموع البلاغة والأسلوب.
الثالث: ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات وما لم يكن، فوجد كما ورد.
الرابع: ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة، والأمم البائدة، والشرائع الدائرة، مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفذ من أخبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك، فيورده صلى الله عليه وسلم على وجهه ويأتي به على [نصه]؛ وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب.
قال: فهذه الوجوه الأربعة من إعجازه بينة [لا نزاع] فيها.
ومن الوجوه في إعجازه غير ذلك أي وردت بتعجيز قوم في قضايا وإعلامهم أنهم لا يفعلونها، فما فعلوا ولا قدروا على ذلك، كقوله:[تعالى] لليهود: {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولن يتمنوه أبدًا} [البقرة: 94، 95]، فما تمناه [واحد] منهم، وهذا الوجه داخل في الوجه الثالث.
ومنها الروعة التي تلحق قلوب سامعيه عند سامههم، والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته، وقد أرسلهم جماعة عند سماع آيات منه، كما وقع لجبير بن
مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، قال: فلما بلغ هذه الآية: {أم خلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون} إلى قول قوله: {المصيطرون} [الطور: 35 - 37]، كاد قلبي أن يطير، قال: وذلك أول ما وقر الإسلام في قلبي. وقد مات جماعة عند سماع آيات منه أفردوا بالتصنيف.
ثم قال: ومن وجوه إعجازه كونه آية باقية، لا يعدم ما بقيت الدنيا؛ مع تكفل الله (تعالى) بحفظه.
ومنها: أن قارئه لا يمله، وسامعه لا يمجه، بل الإكباب على تلاوته يزيده حلاوة، وترديده يوجب له محبة، وغيره من الكلام يعادى إذا أعيد، ويمل من الترديد، ولهذا وصف صلى الله عليه وسلم القرآن بأنه:«لا يخلق على كثرة الرد» ، ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب، ولا أحاط بعلمها أحد في كلمات قليلة وأحرف متعددة.