الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الماضي إما أن يكون نفياً واحداً مستمراً، أو نفياً فيه أحكام متعددة، وكذلك النفي في المستقبل. فصار النفي على أربعة أقسام، واختاروا له أربع كلمات:«ما» و «لم» و «لن» و «لا» . وإما «أن» و «لما» فليسا بأصلين. فـ «ما» و «لا» في الماضي والمستقبل متقابلان. و «لم» كأنه مأخوذ من «لا» و «ما» ؛ لأن «لم» نفي للاستقبال لفظاً، والمضي معنى، فأخذ اللام من «لا» التي هي لنفي المستقبل، والميم من «ما» التي هي لنفي الماضي، وجمع بينهما إشارة إلى أن في «لم» إشارة إلى المستقبل والماضي، وقدم اللام على الميم إشارة إلى أن «لا» هي أصل النفي؛ ولهذا ينفي بها في أثناء الكلام، فيقال: لم يفعل زيد ولا عمرو. وأما «لما» فتركيب بعد تركيب، كأنه قال:«لم» و «ما» لتوكيد معنى النفي في الماضي. وتفيد الاستقبال أيضاً، ولهذا تفيد «لما» الاستمرار /.
تنبيهات:
[الأول]: زعم بعضهم أن شرط صحة النفي عن الشيء صحة اتصاف المنفي عنه بذلك الشيء، وهو مردود بقوله تعالى:{وما ربك بغافل عما يعملون} [البقرة: 144]، وقوله تعالى:{وما كان ربك نسياً} [مريم: 64]، وقوله تعالى:{لا تأخذه سنة ولا نوم} [البقرة: 255]، ونظائره.
والصواب أن انتفاء الشيء عن الشيء قد يكون لكونه لا يمكن منه عقلاً. وقد يكون لكونه لا يقع منه مع إمكانه.
الثاني: نفي الذات الموصوفة، قد يكون نفياً للصفة دون الذات، وقد يكون نفياً للذات أيضاً.
من الأول قوله تعالى: {وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام} [الأنبياء: 8]، أي بل هم جسداً يأكلونه، ومن الثاني قوله تعالى/:{لا يسئلون النسا إلحافاً} [البقرة: 273]، أي: لا سؤال لهم أصلاً، فلا يحصل منهم إلحاف.
وكذا قوله تعالى: {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع} [غافر: 18]، أي: لا شفيع لهم أصلاً، وقوله تعالى:{فما تنفعهم شفاعة الشافعين (48)} [المدثر: 48] بدليل قوله تعالى: {فما لنا من شافعين (100)} [الشعراء: 100]. ويسمى هذا النوع عند أهل البديع: نفي الشيء بإيجابه.
وعبارة ابن رشيق في تفسيره: أن يكون ظاهر إيجاب الشيء وباطنه نفيه، بأن ينفي ما هو من سببه كوصفه وهو المنفي في الباطن.
وعبارة غيره: أن ينفي الشيء مقيداً، والمراد نفيه مطلقاً، مبالغة في النفي وتأكيداً له، ومنه قوله تعالى:{ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به} [المؤمنون: 117]، فإن لا إله مع الله لا يكون إلا عن غير برهان. وقوله تعالى:{ويقتلون النبين بغير حقٍ} [آل عمران: 21] فإن قتلهم لا يكون إلا بغير الحق.
وقوله تعالى: {الله الذي رفع السماوات بغير عمدٍ ترونها} [الرعد: 2] فإنها لا عمد لها أصلاً.
الثالث: قد ينفي الشيء رأساً لعدم كمال وصفه، أو انتفاء ثمرته، كقوله تعالى - في صفة أهل النار-:{ثم لا يموت فيها ولا يحيى (13)} [الأعلى: 13]، فنفي عنه الموت لأنه ليس بموت صريح، ونفي عنه الحياة؛ لأنها ليست بحياة طيبة ولا نافعة. وقوله تعالى:{وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} [الأعراف: 198]؛ فإن المعتزلة احتجوا بها على نفي الرؤية؛ وأن النظر في قوله تعالى: {إلى ربها ناظرة (23) [القيامة: 32] لا يستلزم الإبصار. ورد بأن المعنى: أنها تنظر إليه بإقبالها عليه، وليست تبصر شيئاً. وقوله تعالى: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الأخرة من خلاقٍ ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} [البقرة: 102]، فإنه وصفهم أولاً بالعلم على سبيل التوكيد القسمي، ثم نفاه آخراً عنهم لعدم جريهم على موجب العلم. قاله السكاكي.
الرابع: قالوا: المجاز يصح نفيه بخلاف الحقيقة، وأشكل على ذلك قوله تعالى:{وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال: 17] فإن المنفي فيه هو الحقيقة. وأجيب: بأن المراد بالرمي هنا المترتب عليه؛ [وهو] وصوله إلى الكفار؛ فالوارد عليه النفي هنا مجاز لا حقيقة؛ والتقدير: وما رميت خلقاً إذ رميت كسباً، أو ما رميت انتهاء إذ رميت ابتداء.