الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثامن والعشرون بعد المائة
علم معرفة العلوم المستنبطة من القرآن
النوع الثامن والعشرون بعد المائة
علم معرفة العلوم المستنبطة من القرآن
قال تعالى: {ما فرطنا في الكتب من شيء} [الأنعام: 38] وقال [جل شأنه]: {ونزلنا عليك الكتب تبيانًا لكل شيء} [النحل: 89].
وقال صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتن» . قيل: وما المخرج منها؟ قال: «كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم» أخرجه الترمذي وغيره.
وأخرج ابن منصور عن ابن مسعود قال: من أراد العلم فعليه بالقرآن فإن فيه خبر الأولين والآخرين. قال البيهقي: يعني أصول العلم.
أخرج البيهقي عن الحسن، قال: أنزل الله مائة وأربعة كتب، أودع علومها أربعة منها: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ثم أودع علوم الثلاثة الفرقان.
وقال الإمام الشافعي- رضي الله تعالى عنه-: جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة، وجميع السنة شرح للقرآن.
وقال أيضًا: جميع ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن.
[قال الحافظ السيوطي- رحمه الله تعالى] قلت: ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «إني لا أحل إلا ما أحل الله، ولا أحرم إلا ما حرم في كتابه» أخرجه بهذا اللفظ الشافعي في الأم.
وقال سعيد بن جبير: ما بلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله.
وقال ابن مسعود: إذا حدثتكم بحديث أنباتكم بتصديقه من كتاب الله تعالى. أخرجهما ابن أبي حاتم.
وقال الشافعي أيضًا: ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها، فإن قيل: من الأحكام ما ثبت ابتداء بالسنة، قلنا: ذلك مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة؛ لأن كتاب الله أوجب علينا إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وفرض علينا الأخذ بقوله.
وقال الشافعي [رحمه الله تعالى]: سلوني عما شئتم أخبركم عنه في كتاب الله؛ فقيل له: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور؟ فقال: بسم الله الرحمن الرحيم: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7].
وحدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن
خراش عن حذيفة بن اليمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» .
وحدثنا سفيان، عن مسعر بن كدام، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن سهاب عن عمر بن الخطاب [رضي الله تعالى عنه] أنه أمر بقتل المحرم الزنبور.
وأخرج البخاري عن ابن مسعود [رضي الله تعالى عنه] أنه قال: لعن الله
الواشمات والمتوشمات. والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله تعالى؛ فبلغ ذلك امرأة من بني أسد، فقالت له: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت، فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله [تعالى]. فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول؛ قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأت:{وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7] قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه.
وحكى ابن سراقة في كتاب «الإعجاز» عن أبي بكر ابن مجاهد أنه قال
يومًا: ما من شيء في العالم إلا وهو في كتاب الله، فقيل له: فأين ذكر الخانات فيه؟ فقال في قوله [تعالى]: {ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتًا غير مسكونة فيها متاع لكم} [النور: 29] فهي الخانات.
وقال ابن برجان: ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في شيء فهو في القرآن [به، أو فيه أصله، قرب أو بعد]، فهمه من فهمه، وعمه عنه من عمه، وكذا كل ما حكم أو قضي [به] وإنما يدرك الطالب من ذلك بقدر اجتهاده، وبذل وسعه ومقدار فهمه.
وقال غيره: ما من شيء إلا يمكن استخراجه من القرآن لمن فهمه الله، حتى أن بعضهم استنبط عمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثًا وستين سنة من قوله [تعالى] في سورة [المنافقون]:{ولن يؤخر الله نفسًا إذا جاء أجلها} [11] فإنها رأس ثلاث وستين سورة، وعقبها بالتغابن ليظهر التغابن في فقده.
وقال ابن أبي الفضل المرسي في تفسيره: جمع القرآن علوم الأولين
والآخرين بحيث لم يحط بها علمًا حقيقة إلا المتكلم بها، ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلا ما استأثر به سبحانه [وتعالى]؛ ثم ورث ذلك عنه معظم ذلك سادة الصحابة وأعلامهم، مثل الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس، حتى قال: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله [تعالى؛ ثم ورث عنهم التابعون بإحسان، ثم تقاصرت الهمم، وفترت العزائم، وتضائل أهل العلم، وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه [وسائر] فنونه، فنوعوا فنونه وعلومه، وقامت كل طائفة بفن من فنونه، فاعتنى قوم بضبط لغاته، وتحرير كلماته، ومعرفة مخارج حروفه وعددها، وعدد كلماته وآياته وسوره وأحزابه
وأنصافه وأرباعه، وعدد سجداته، والتعليم عند كل عشر آيات، إلى غير ذلك من حصر الكلمات المتشابهات، والآيات المتماثلة، من غير تعرض لمعانيه ولا تدبر لما أودع فيه، فسموا القراء.
واعتنى النحاة بالمعرب منه والمبني من الأسماء والأفعال [والحروف العاملة وغيرها، وأوسعوا الكلام في الأسماء وتوابعها وضروب الأفعال، واللازم والمتعدي]، ورسوم خط الكلمات، وجميع ما يتعلق به حتى أن بعضهم أعرب عن مشكله، وبعضهم أعربه كلمة كلمة.
واعتنى المفسرون بألفاظه، فوجدوا منه لفظًا يدل على معنى واحد، ولفظًا يدل على معنيين، ولفظًا يدل على أكثر، فأجروا الأول على حكمه، وأوضحوا المعنى الخفي منه، وخاضوا في ترجيح أحد محتملات ذي المعنيين
والمعاني، وأعمل كل منهم فكره، وقال بما اقتضاه نظره.
واعتنى الأصوليون بما فيه من الأدلة العقلية والشواهد الأصلية والنظرية، مثل قوله تعالى:{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء: 23] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، فاستنبطوا منه أدلة على وحدانية الله، ووجوده، وبقائه، وقدمه، وقدرته، وعلمه، وتنزيهه عما لا يليق به، وسموا هذا العلم بأصول الدين.
وتأملت طائفة منهم معاني خطابه، فرأت منها ما يقتضي العموم، ومنها ما يقتضي الخصوص، إلى غير ذلك، فاستنبطوا منه أحكام اللغة، من الحقيقة والمجاز، وتكلموا في التخصيص والإخبار، والنص والظاهر، والمجمل والمحكم والمتشابه، والأمر والنهي، والنسخ، إلى غير ذلك من أنواع الأقيسة واستصحاب الحال والاستقراء، وسموا هذا الفن أصول الفقه.
وأحكمت طائفة صحيح النظر وصادق الفكر، فيما فيه من الحلال والحرام وسائر الأحكام، فأسسوا أصوله، وفرعوا فروعه، وبسطوا القول في ذلك بسطًا حسنًا، وسموه بعلم الفروع وبالفقه أيضًا.
ولمحت طائفة ما فيه من قصص القرون السالفة والأمم الخالية، ونقلوا أخبارهم ودونوا آثارهم ووقائعهم، حتى ذكروا بدء الدنيا وأول الأشياء،
وسموا ذلك التاريخ والقصص.
وتنبه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال والمواعظ، التي تقلقل قلوب الرجال، وتكاد تدكدك الجبال، فاستنبطوا مما فيه من الوعد والوعيد، والتحذير والتبشر؛ وذكر الموت والمعاد، والنشر والحشر والحساب، والعقاب، والجنة والنار فصولًا من المواعظ، وأصولًا من الزواجر، فسموا بذلك الخطباء والوعاظ.
واستنبط قوم مما فيه من أصول التعبير، مثل ما ورد في قصة يوسف في البقرات السمان، وفي منامي صاحبي السجن، وفي رؤيا الشمس والقمر والنجوم ساجدة، وسموه تفسير الرؤيا.
واستنبطوا تفسير كل رؤيا من الكتاب، فإن عز عليهم إخراجها منه فمن السنة التي هي شارحة للكتاب؛ فإن عسر فمن الحكم والأمثال، ثم نظروا إلى اصطلاح العوام في مخباطاتهم، وعرف عاداتهم الذي أشار إليه القرآن بقوله:{وأمر بالمعروف} [الأعراف: 199].
وأخذ قوم مما في آية المواريث- من ذكر السهام وأربابها، وغير ذلك- علم الفرائض، واستنبطوا منها ذكر النصف والثلث والربع والسدس والثمن حساب الفرائض، ومسائل العول، واستخرجوا منه أحكام الوصايا.
ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالات على الحكم الباهرة في الليل والنهار، و (الشمس) و (القمر) ومنازله، و (النجوم) و (البروج) وغير ذلك؛ فاستخرجوا منه: علم المواقيت.
ونظر الكتاب والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ وبديع النظم وحسن
السياق، والمبادئ والمقاطع والمخالص، والتلوين في الخطاب، والإطناب والإيجاز وغير ذلك، فاستنبطوا منه المعاني والبيان والبديع.
ونظر فيه أرباب الإشارات وأصحاب الحقيقة، فلاح لهم من ألفاظه معان ودقائق جعلوا لها أعلامًا اصطلحوا عليها، مثل الفناء، والبقاء، والحضور، والخوف، والهيبة، والأنس، والوحشة، والقبض،
والبسط، وما أشبه ذلك، هذه الفنون التي أخذتها الملة الإسلامية منه.
وقد احتوى على علوم أخرى من علوم الأوائل، مثل الطب، والجدل، والهيئة، والهندسة، والجبر، والمقابلة، والنجامة وغير ذلك.
أما الطب: فمداره على حفظ نظام الصحة واستحكام القوة؛ وذلك إنما يكون باعتدال المزاج بتفاعل الكيفيات المتضادة، وقد جمع ذلك في آية واحدة وهي قوله تعالى:{وكان بين ذلك قواما} بالفرقان: 67]، وعرفنا فيه بما يعيد نظام الصحة بعد اختلاله، وحدوث الشفاء للبدن بعد اعتلاله في قوله تعالى:{شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} ، ثم زاد على طب الأجسام بطب القلوب وشفاء الصدور.
وأما الهيئة: ففي تضاعف سوره، من الآيات التي ذكر فيها ملكوت السماوات والأرض، وما بث في العالم العلوي والسفلي من المخطوطات.
وأما الهندسة: ففي قوله [تعالى]: {انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب (30)
…
} الآية [المرسلات].
وأما الجدل: فقد حوت آياته من البراهين، والمقدمات، والنتائج، والقول بالموجب والمعارضة، وغير ذلك شيئًا كثيرًا، ومناظرة إبراهيم [عليه السلام] نمرود ومحاجته قومه أصل في ذلك عظيم.
وأما الجبر والمقابلة: فقد قيل: إن أوائل السور فيها ذكر مدد وأعوام وأيام لتواريخ أمم سالفة، وإن فيها تاريخ بقاء هذه الأمة، وتاريخ مدة [أيام] الدنيا، وما مضى وما بقي، مضروب بعضها في بعض.
وأما النجامة ففي قوله [تعالى]: {أو أثارة من علم} [الأحقاف: 4]، فقد فسره بذلك ابن عباس [رضي الله عنهما].
وفيه أصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها، كالخياطة في قوله [تعالى] {وطفقا يخصفان عليهما} [الأعراف: 22].
والحدادة [في قوله تعالى]: {آتوني زبر الحديد} [الكهف: 96]، {وألنا له الحديد} الآية [سبأ: 11].
والبناء في آيات.
والنجارة [في قوله تعالى]: {واصنع الفلك بأعيننا} [هود: 37].
والغزل [في قوله تعالى]: {نقضت غزلها من بعد قوة} [النحل: 92].
والنسج [في قوله تعالى]: {كمثل العنكبوت اتخذت بيتًا} [العنكبوت: 41].
والفلاحة [في قوله تعالى]: {أفرءيتم ما تحرثون (63)
…
} الآيات [الواقعة: 63].
والصيد في آيات.
والغوص [في قوله تعالى]: {كل بناءٍ وغواص} [ص: 37]، {وتستخرجوا منه حلية} [النحل: 14].
والصياغة [في قوله تعالى]: {واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلًا جسدًا} [الأعراف: 148].
والزجاجة [في قوله تعالى]: {صرح ممرد من قوارير} [النمل: 44]، [وقوله]:{المصباح في زجاجة} [النور: 35].
والفخامة [في قوله تعالى]: {فأوقد لي يا هامان على الطين} [القصص: 38].
والملاحة [في قوله تعالى]: {أما السفينة
…
} الآية [الكهف: 79].
والكتاب [في قوله تعالى]: {علم بالقلم} [العلق: 4].
والخبز [في قوله تعالى]: {أحمل فوق رأسي خبزًا} [يوسف: 36].
والطبخ [في قوله تعالى]: {جاء بعجل حنيذ} [هود: 69].
والغسل والقصارة [في قوله تعالى]: {وثيابك فطهر (4)} [المدثر: 4].
قال: الحواريون، هم القصارون.
والجزارة [في قوله تعالى]: {إلا ما ذكيتم} [المائدة: 3].
والبيع والشراء في آيات. والصبغ [في قوله تعالى]: {صبغة الله} [البقرة: 138]، {جدد بيض وحمر} [فاطر: 27].
والحجارة [في قوله تعالى]: {وتنحتون من الجبال بيوتًا} [الشعراء: 149]. والكيالة والوزن في آيات.
والرمي [في قوله تعالى]: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال: 17]، {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} [الأنفال: 60].
وفيه من أسماء الآلات، وضروب المأكولات والمشروبات والمنكوحات وجميع ما وقع ويقع في الكائنات ما يحقق معنى قوله [تعالى]:{ما فرطنا في الكتب من شيء} [الأنعام: 38]. انتهى كلام المرسي ملخصًا.
وقال ابن سراقة: من بعض وجوه إعجاز القرآن ما ذكر الله [جل شأنه] فيه من أعداد الحساب، والجمع، والقسمة، والضرب، والموافقة، والتأليف، والمناسبة، والتصنيف، والمضاعفة، ليعلم بذلك أهل الحساب أنه صلى الله عليه وسلم صادق
في قوله، وأن القرآن ليس من عنده؛ إذ لم يكن ممن خالط الفلاسفة، ولا تلقى الحساب وأهل الهندسة.
وقال الراغب: إن الله تعالى كما جعل نبوة النبيين بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم مختمة، وشرائعهم بشريعته من وجه منتسخة، ومن وجه مكملة متممة، جعل كتابه المنزل عليه متضمنًا لثمرة كتبه التي أولاها أولئك، كما نبه عليه بقوله:{يتلوا صحفًا مطهرة فيها كتب قيمة (3)} [البينة: 2، 3]، وجعل من معجزة هذا الكتاب أنه مع قلة الحجم متضمن للمعنى الجم بحيث تقصر الألباب البشرية عن إحصائه، والآلات الدنيوية من استيفائه كما نبه عليه بقوله:{ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} [لقمان: 27]، فهو وإن كان لا يخلو للناظر فيه من نور ما يريه ونفع ما يوليه:
كالبدر من حيث التفت رأيته
…
يهدي إلى عينيك نورًا ثاقبًا
كالشمس في كبد السماء وضوؤها
…
يغشى البلاد مشارقًا ومغاربًا
وأخرج نعيم وغيره، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قال: قيل لموسى عليه السلام: يا موسى، إنما مثل كتاب أحمد في الكتب بمنزلة وعاء فيه لبن، كلما مخضته أخرجت زبدته.
وقال القاضي أبو بكر ابن العربي في قانون التأويل: علوم القرآن خمسون علمًا وأربعمائة علم، وسبعة آلاف علم، وسبعون ألف علم، على
عدد كلم القرآن، مضروبة في أربعة، إذ لكل كلمة ظهر وبطن، وحد ومطلع، وهذا مطلق دون اعتبار تركيب وما بينها من روابط، وهذا ما لا يحصى، ولا يعلمه إلا الله [عز وجل].
قال: وأما علوم القرآن فثلاثة: توحيد، وتذكير، وأحكام؛ فالتوحيد: يدخل فيه معرفة المخلوقات، ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله. والتذكير: منه الوعد والوعيد، والجنة والنار، وتصفية الظاهر والباطن. والأحكام: منها التكاليف كلها، وتبيين المنافع والمضار، والأمر والنهي والندب، ولذلك كانت الفاتحة أم القرآن؛ لأن فيها الأقسام الثلاثة، وسورة [الإخلاص][ثلثه] لاشتمالها على أحد الأقسام الثلاثة، وهو التوحيد.
وقال ابن جرير: القرآن يشتمل على ثلاثة أشياء: التوحيد، والأخبار، والديانات، ولهذا كانت سورة [الإخلاص] ثلثه؛ لأنها تشتمل التوحيد كله.
وقال علي بن عيسى: القرآن يشتمل على ثلاثين شيئًا: الإعلام والتنبيه، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، ووصف الجنة والنار، وتعليم الإقرار باسم الله، وبصفاته [وأفعاله] وتعليم الاعتراف بإنعامه، والاحتجاج على المخالفين، والرد على الملحدين، والبيان عن الرغبة والرهبة، والخير والشر، والحسن والقبيح، ونعت الحكمة، وفضل لمعرفة، ومدح الأبرار، وذم الفجار، والتسليم، والتحسين، والتوكيد، [والتوكل] والتقريع، والبيان [عن ذم الأخلاق، وشرف الأداء].
وقال شيذلة: وعلى التحقيق أن تلك الثلاثة التي قالها ابن جرير تشمل هذه كلها بل أضعافها، فإن القرآن لا يستدرك، ولا تحصى عجائبه.
قال الحافظ السيوطي- رحمه الله تعالى- وأنا أقول: قد اشتمل كتاب الله العزيز على كل شيء؛ أما النوع المعلوم فليس منها باب ولا مسألة هي أصل إلا وفي القرآن ما يدل عليها، وفيه عجائب المخلوقات وملكوت السموات والأرض، وما في الأفق الأعلى وتحت الثرى، وبدء الخلق، وأسماء مشاهير الرسل
والملائكة، وعيون أخبار الأمم السالفة، كقصة آدم وإبليس- عليه اللعنة- في إخراجه من الجنة، وفي الولد الذي سماه وقصة عبد الحارث، ورفع إدريس، وغرق قوم نوح، وقصة عاد الأولى والثانية، وثمود والناقة، وقوم يونس، وقوم شعيب [الأولين] والآخرين، وقوم لوط، وقوم تبع، وأصحاب الرس، وقصة إبراهيم في مجادلة قومه ومناظرته نمرود ووضعه [ابنه] إسماعيل مع أمه بمكة، وبنائه البيت، وقصة الذبيح، وقصة يوسف وما أبسطها، وقصة موسى في ولادته وإلقائه في اليم:[وقتله] القبطي، ومسيره إلى مدين وتزوجه بنت شعيب، وكلامه تعالى بجانب الطور، ومجيئه إلى فرعون، وخروجه وإغراق عدوه، وقصة العجل والقوم الذين خرج بهم وأخذتم الصعقة، وقصة القتيل وذبح (البقرة)، وقصته مع الخضر، وقصته في
قتال الجبارين، وقصة القوم الذين ساروا في سرب من الأرض إلى الصين، وقصة طالوت وداود مع جالوت وفتنته، وقصة سليمان وخبره مع ملكة سبأ وفتنته، وقصة القوم الذين خرجوا فرارًا من الطاعون فأماتهم الله ثم أحياهم، وقصة ذي القرنين، ومسيره إلى مغرب الشمس ومطلعها، وبنائه السد، وقصة أيوب، وذي الكفل، وإلياس، وقصة مريم، وولادتها عيسى عليه السلام وإرساله ورفعه، وقصة زكريا وابنه يحيى، وقصة أصحاب الكهف، وقصة بخت نصر، وقصة الرجلين الذين لأحدهما الجنة، [وقصة أصحاب الجنة]، وقصة [مؤمن] آل ليس، وقصة أصحاب الفيل.
وفيه من شأن النبي صلى الله عليه وسلم دعوة إبراهيم به، وبشارة عيسى، وبعثه وهجرته، ومن غزواته:[سرية ابن الحضرمي] في [البقرة]، وغزوة بدر في سورة [الأنفال]، وأحد في [آل عمران]، وبدر الصغرى فيها، والخندق في [الأحزاب]، والحديبية في [الفتح]، والنضير في [الحشر]، وحنين وتبوك في (براءة)، وحجة الوداع في [المائدة]، [ونكاحه] زينب بنت
جحش، وتحريم سريته، وتظاهر أزواجه عليه، وقصة الإفك، وقصة الإسراء، وانشقاق القمر، وسحر اليهود إياه.
وفيه بدء خلق الإنسان إلى موته وكيفية الموت، وقبض الروح وما يفعل بها بعد، وصعودها إلى السماء، وفتح الباب للمؤمنة وإلقاء الكافرة، وعذاب القبر والسؤال فيه، ومقر الأرواح، وأشراط الساعة الكبرى: وهي نزول عيسى، وخروج الدجال، ويأجوج ومأجوج، والدابة، والدخان، ورفع القرآن، والخسف، وطلوع الشمس من مغربها، وغلق باب التوبة، وأحوال البعث من النفخات الثلاث، نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة القيام، والحشر والنشر، [وأهوال الموقف]، وشدة حر الشمس، وظل العرش، والميزان والحوض، والصراط، والحساب لقوم ونجاة آخرين منه، وشهادة الأعضاء، وإيتاء الكتب باليمين والشمال وخلف الظهر، والشفاعة، والمقام المحمود، [والجنة وأبوابها وما فيها من الأنهار والأشجار والثمار والحلي والأواني والدرجات ورؤيته تعالى. والنار وأبوابها] وما فيها من
الأودية وأنواع العقاب وألوان العذاب، والزقوم، والحميم.
وفيه جميع أسمائه تعالى الحسنى كما ورد في حديث، ومن أسمائه مطلقًا ألف اسم، ومن أسماء النبي صلى الله عليه وسلم جملة.
وفيه من شعب الإيمان البضع والسبعون، وشرائع الإسلام الثلاثمائة وخمسة عشر. وفيه أنواع الكبائر، وكثير من الصغائر.
وفيه تصديق كل حديث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلى غير ذلك مما يحتاج شرحه إلى مجلدات.
وقد أفرد الناس كتبًا فيما تضمنه القرآن من الأحكام كالقاضي إسماعيل، وبكر بن العلاء، وأبي بكر الرازي، والكيا الهراسي، وأبي بكر