الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلام بجحدين كان الكلام إخباراً، نحو قوله تعالى:{وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام} [الأنبياء: 8]، وإذا كان الجحد في أول الكلام كان جحداً حقيقياً نحو: ما زيد بخارج، وإذا كان في أول الكلام جحدان كان أحدهما زائداً، وعليه قوله تعالى:{ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه} [الأحقاف: 26] في أحد الأقوال.
فصل:
من أقسام الإنشاء:
الاستفهام؛ وهو طلب الفهم، وهو بمعنى الاستخبار. وقيل: الاستخبار ما سيق أولاً، ولم يفهم [حق] الفهم؛ فإذا سألت عنه ثانياً كان استفهاماً. حكاه ابن فارس في: فقه اللغة.
وأدواته: «الهمزة» ، و «هل» و «ما» و «من» و «أي» و «كم» و «كيف» و «أين» و «أنى» و «متى» و «أيان» .
قال ابن مالك في: «المصباح» وما عدا الهمزة نائب عنها؛ ولكونه طلب ارتسام ما في الخارج في الذهن لزم ألا يكون حقيقة إذا صدر من شاك مصدق بإمكان الإعلام؛ فإن غير الشاك إذا استفهم يلزم منه تحصيل الحاصل، وإذا لم يصدق بإمكان الإعلام انتفت عنه فائدة الاستفهام. ولكل واحدة من هذه الأدات معنى تختص به.
أما الهمزة: فتكون لطلب التصور تارة ولطلب التصديق. وهل: لطلب التصديق فقط، وباقي الأدوات لطلب التصور فقط. وتختلف في أن المطلوب بكل منها شيء آخر فيطلب بـ «ما» شرح الاسم أو ماهية المسمى.
وقال السكاكي: يسأل بـ «ما» عن الجنس، وعن الوصف. ويسأل بـ «من» عن الجنس من ذوي العلم.
وقال غيره: يسأل بـ «من» عن/ العارض المشخص لذي العلم. ويسأل بـ «أي» عما يميز أحد المتشاركين في أمر يعمهما، نحو: فأي الفريقين أحق بالأمن. {أي الفريقين خير مقاماً} [مريم: 73]، ويسأل بـ «كم» عن العدد،
نحو: {سل بني إسرائيل كم ءاتيناهم من آية بينةٍ} [البقرة: 211]، ويسأل بـ «كيف» عن الحال. وبـ «أين» [عن المكان، وبـ «متى»] عن الزمان، [وبـ «أيان» عن المستقبل]. قيل: وتستعمل في موضع التفخيم، مثل:{يسال أيان يوم القيامة (6)} [القيامة: 6]. و «أنى» تستعمل تارة بمعنى «كيف» ، نحو قله تعالى:{فأتوا حرثكم أنى شئتم} [البقرة: 223]، وأخرى بمعنى «أين» نحو قوله تعالى:{أنى لك هذا} [آل عمران: 37].
قال بعض الأئمة: وما جاء في القرآن على لفظ الاستفهام، فإنما يقع في خطاب الله تعالى على معنى أن المخاطب عنده علم ذلك الإثبات أو النفي حاصل. وقد تستعمل صيغة الاستفهام في غيره مجازاً.
وألف في ذلك العلامة شمس الدين ابن الصائغ كتاباً سماه «روض الأفهام في أقسام الاستفهام» ، قال فيه: قد توسعت العرب فأخرجت الاستفهام عن حقيقته لمعانٍ، أو أشربته تلك المعاني، ولا يختص التجوز في ذلك بالهمزة، خلافاً للصفار.
الأول: الإنكار، والمعنى فيه على النفي، وما بعده منفي، ولذلك تصحبه «إلا» ، كقوله تعالى:{فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} [الأحقاف: 35]، {وهل نجزي إلا الكفور} [سبأ: 17]، وعطف عليه المنفي في قوله تعالى:{فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين} [الروم: 29]، أي لا يهدي، ومنه قوله تعالى:{أنومن لك واتبعك الأرذلون} [الشعراء: 111]، وقوله تعالى:{أنؤمن لبشرين مثلنا} [المؤمنون: 47] أي لا نؤمن. {أم له البنات ولكم البنون (39)} [الطور: 39]، {ألكم الذكر وله الأنثى (21)} [النجم: 21] أي لا يكون هذا. {أشهدوا خلقهم} [الزخرف: 19] أي ما شهدوا ذلك. وكثيراً ما يصحبه التكذيب وهو في الماضي بمعنى «لم يكن» ، وفي المستقبل بمعنى «لا يكون» نحو قوله تعالى:{أفأصفاكم ربكم بالبنين .... } [الإسراء: 40] الآية، أي لم
يفعل ذلك. {أنلزمكموها وأنتم لها كارهون} [هود: 28] أي لا يكون هذا الإلزام.
الثاني: التوبيخ، وجعله بعضهم من قبيل الإنكار؛ إلا أن الأول إنكار إبطال، وهذا إنكار توبيخ، والمعنى على أن ما بعده واقع جدير بأن ينفي، فالنفي هنا قصدي، والإثبات قصدي عكس ما تقدم.
ويعبر عن ذلك بالتقريع أيضاً. نحو قوله تعالى: {أفعصيت أمري} [طه: 93]، {أتعبدون ما تنحتون} [الصافات: 95]، {أتدعون بعلاً وتذرون أحسن الخالقين (125)} [الصافات: 125]. وأكثر ما يقع التوبيخ في أمر ثابت، وبخ على فعله كما ذكر، ويقع على ترك فعل كان ينبغي أن يقع؛ كقوله تعالى:{أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر} [فاطر: 37]، {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} {النساء: 97].
الثالث: التقرير، وهو حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده.
قال ابن جني: ولا يستعمل ذلك بـ «هل» ، كما يستعمل بغيرها من أدوات الاستفهام.
قال الكندي: ذهب كثير من العلماء في قوله تعالى: {هل يسمعونكم إذ تدعون (72) أو ينفعونكم} [الشعراء: 72، 73]. إلى أن «هل» تشارك الهمزة في معنى التقرير والتوبيخ؛ إلا أني رأيت أبا علي أبي ذلك، وهو معذور فإن ذلك من قبيل الإنكار. ونقل أبو حيان عن سيبويه أن استفهام التقرير لا يكون بـ «هل» ، إنما يستعمل فيه الهمزة.
ثم نقل بعضهم أن «هل» تأتي تقريراً كما في قوله تعالى: {هل في ذلك قسم لذي حجرٍ (5)} [الفجر: 5].
والكلام مع التقرير موجب، ولذلك يعطف عليه صريح الموجب، ويعطف على صريح الموجب، فالأول: كقوله تعالى: {ألم نشرح لك صدرك (1) ووضعنا عنك وزرك (2)} [الشرح: 1، 2]، وقوله:{ألم يجدك يتيماً فأوى (6) ووجدك} [الضحى: 6، 7]، {ألم يجعل كيدهم في تضليل (2) وأرسل} [الفيل: 2، 3].
والثاني: نحو: {أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علماً} [النمل: 84] على ما قرره الجرجاني من جعلها مثل قوله عز وجل: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً} [النمل: 14].
وحقيقة استفهام التقرير، أنه استفهام إنكار، والإنكار نفي، ونفي النفي إثبات، ومن/ أمثلته قوله تعالى:{أليس الله بكافٍ عبده} [الزمر: 36]، {ألست بربكم} [الأعراف: 172]؛ وجعل منه الزمخشري {ألم تعلم أن الله على كل شيءٍ قدير} [البقرة: 106].
الرابع: التعجب أو التعجيب، نحو قوله تعالى:{كيف تكفرون بالله} [البقرة: 28]، {مالي لا أرى الهدهد} [النمل: 20]. وقد اجتمع هذا القسم وسابقاه في قوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر} [البقرة: 44].
قال الزمخشري: الهمزة للتقرير مع التوبيخ والتعجب من حالهم. ويحتمل التعجب والاستفهام الحقيقي في {ما ولاهم عن قبلتهم} [البقرة: 142].
الخامس: العتاب، كقوله تعالى:{ألم يأن للذين امنوا أن تخشع قلوبهم لذرك الله} [الحديد: 16].
قال ابن مسعود: ما كان بين إسلامهم وبين أن عوتبا بهذه الآية/ إلا أربع سنين، أخرجه الحاكم.
ومن ألطفه ما عاتب الله به خير خلقه صلى الله عليه وسلم بقوله عز من قائل: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} [التوبة: 43]، ولم يتأدب الزمخشري بأدب الله في هذه الآية، على عادته في سوء الأدب.
السادس: التذكير، وفيه نوع اختصار، كقوله تعالى:{ألم أعهد إليكم يا بني ادم أن لا تعبدوا الشيطان} [يس: 60]، {ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض} [البقرة: 33]، {هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه} [يوسف: 89].
السابع: الافتخار، نحو قوله تعالى حكاية عن فرعون:{أليس لي ملك مصر} [الزخرف: 51].
الثامن: التفخيم، نحو قوله تعالى:{مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً} [الكهف: 49].
التاسع: التهويل والتخويف، نحو قوله تعالى:{الحاقة (1) ما الحاقة (2)} [الحاقة: 1، 2] وقوله تعالى: {القارعة (1) ما القارعة (2)} [القارعة: 1، 2].
العاشر: عكسه، وهو التسهيل والتخفيف، نحو قوله تعالى:{وماذا عليهم لو امنوا بالله} [النساء: 29].
الحادي عشر: التهديد والوعيد، نحو قوله تعالى:{ألم نهلك الأولين (16)} [المرسلات: 16].
الثاني عشر: التكثير، نحو قوله تعالى:{وكم من قريةٍ أهلكنها} [الحج: 45].
الثالث عشر: التسوية، وهو الاستفهام الداخل على جملة يصح حلول المصدر محلها، نحو قوله تعالى:{سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم} [البقرة: 6].
الرابع عشر: الأمر، نحو قوله تعالى:{أسلمتم} [آل عمران: 20] أي أسلموا، وقوله تعالى:{فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91] أي انتهوا، وقوله تعالى:{أتصبرون} [الفرقان: 20] أي: اصبروا.
الخامس عشر: التنبيه، وهو من أقسام الأمر، نحو قوله تعالى:{ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} [الفرقان: 45] أي انظر، وقوله تعالى:{ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرةً} [الحج: 63]. ذكره صاحب الكشاف عن سيبويه، ولذلك رفع الفعل في جوابه. وجعل منه قوم: {فأين
تذهبون (26)} [التكوير: 26] للتنبيه على الضلال، وكذا قوله تعالى:{ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه} [البقرة: 130].
السادس عشر: الترغيب، نحو قوله تعالى:{من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً} [البقرة: 245]، وقوله تعالى:{هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذابٍ آليم} [الصف: 10].
السابع عشر: النهي، نحو قوله تعالى:{أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه} [التوبة: 13] بدليل قوله تعالى: {فلا تخشوا الناس واخشون} [المائدة: 44]، وقوله تعالى:{ما غرك بربك الكريم} [الانفطار: 16] أي لا تغتر.
الثامن عشر: الدعاء، وهو كالنهي، إلا أنه من الأدنى إلى الأعلى، نحو قوله تعالى:{أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} [الأعراف: 155] أي لا تهلكنا.
التاسع عشر: الاسترشاد، نحو قوله تعالى:{أتجعل فيها من يفسد فيها} [البقرة: 30].
العشرون: التمني، نحو قوله تعالى:{فهل لنا من شفعاء} [الأعراف: 53].
الحادي والعشرون: الاستبطاء، نحو قوله تعالى:{متى نصر الله} [البقرة: 214].
الثاني والعشرون: العرض، نحو قوله تعالى:{ألا تحبون أن يغفر الله لكم} [النور: 22].
الثالث والعشرون: التخضيض، نحو قوله تعالى:{ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم} [التوبة: 13].
الرابع والعشرون: التجاهل، نحو قوله تعالى:{أءنزل عليه الذكر من بيننا} [ص: 8].
الخامس والعشرون: التعظيم، نحو قوله تعالى:{من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة: 255].
السادس والعشرون: التحقير، نحو قوله تعالى:{أهذا الذي يذكر الهتكم} [الأنبياء: 39]، وقوله تعالى:{أهذا الذي بعث الله رسولاً} [الفرقان: 41]، ويحتمله وما قبله قراءة:{من فرعون} [الدخان: 31].
السابع والعشرون: الاكتفاء، نحو قوله تعالى:{أليس في جهنم مثوى للمتكبرين} [الزمر: 60].
الثامن والعشرون: / الاستبعاد، نحو قوله تعالى:{أنى لهم الذكرى} [الفجر: 23].
التاسع والعشرون: الإيناس، نحو قوله تعالى:{وما تلك بيمينك يا موسى (17)} [طه: 17].
الثلاثون: التهكم والاستهزاء، نحو قوله تعالى:{أصلوتك تأمرك} [هود: 87]، وقوله تعالى:{ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون (92)} [الصافات: 91، 92].
الحادي والثلاثون: التأكيد لما سبق من معنى إرادة الاستفهام قبله كقوله تعالى: {أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار (19)} [الزمر: 19]،