الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لاستحالة تجزئ الفعل إن فرض الاتفاق، أو لامتناع اجتماع الضدين إن فرض الاختلاف، وإما ألا تنفذ إرادتهما، فيؤدي إلى عجزهما، أو لا تنفذ إرادة أحدهما فيؤدي إلى عجزه، والإله لا يكون عاجزًا.
فصل:
من الأنواع المصطلح عليها في علم الجدل السبر والتقسيم
. ومن أمثلته قوله (عز من قائل): {ثمانية أزواج من الضأن اثنين
…
} الآيتين [الأنعام: 143، 144]، فإن الكفار [لما حرموا] ذكور الأنعام تارة وإناثها أخرى، رد تعالى عليهم بطريق السبر والتقسيم فقال: إن الخلق لله، خلق من كل زوج مما ذكر ذكرًا وأنثى، فمم جاء تحريم ما ذكرتم؟ أي ما علته؟ لا يخلو إما أن يكون من جهة الذكورة أو الأنوثة، أو اشتمال الرحم الشامل لهما، أو لا يدري له علة، وهي التعبدي، بأن أخذ ذلك عن الله [تعالى]، والأخذ عن الله [تعالى]، إما بوحي وإرسال رسول، أو سماع كلامه ومشاهدة تلقي ذلك عنه، وهو معنى قوله [تعالى]:{أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا} [الأنعام: 144]، فهذه وجوه التحريم؛ لا تخرج عن واحد منها.
والأول: يلزم عليه أن يكون جميع الذكور حرامًا.
والثاني: يلزم عليه أن يكون جميع الإناث حرامًا.
والثالث: [يلزم] عليه تحريم الصنفين معًا، فبطل ما فعلوه من تحريم بعض في حالة وبعض في حالة؛ لأن العلة على ما ذكر تقتضي إطلاق التحريم، والأخذ عن الله [جل شأنه] بلا واسطة باطل ولم يدعوه، وبواسطة رسول كذلك؛ لأنه لم يأت رسول قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا بطل جميع ذلك ثبت المدعى، وهو أن ما قالوه افتراء على الله وضلال.
ومنها القول بالموجب، قال ابن أبي الأصبع: وحقيقته رد كلام الخصم من فحوى كلامه.
وقال غيره: هو قسمان:
أحدهما: أن تقع صفة في كلام الغير كناية عن شيء أثبت له حكم، فيثبتها لغير ذلك الشيء كقوله تعالى: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة
…
} الآية، فـ «الأعز» وقعت في كلام المنافقين كناية عن فريقهم، و «الأذل» عن فريق المؤمنين، وأثبت المنافقون لفريقهم إخراج المؤمنين من المدينة، فأثبت الله [جل شأنه] في الرد عليهم صفة العز لغير فريقهم، وهو الله ورسوله والمؤمنون، وكأنه قيل: صحيح ذلك، ليخرجن الأعز منها الأذل، لكن هم الأذل المخرج، والله ورسوله الأعز المخرج.
والثاني: حمل لفظ وقع في كلام الغير على خلاف مراده مما يحتمله بذكر متعلقة، [قال السيوطي رحمه الله]: ولم أر من أورد له مثالًا من القرآن، وقد ظفرت بآية منه وهي قوله [تعالى]:{ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم} [التوبة: 61].
ومنها التسليم: وهو أن يفرض المحال، إما منفيًا أو مشروطًا بحرف
الامتناع، لكون المذكور ممتنع الوقوع لامتناع وقوع شرطه، ثم يسلم وقوع ذلك تسليمًا جدليًا. ويدل على عدم فائدة ذلك على تقدير وقوعه، كقوله تعالى:{ما أتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون (91)} [المؤمنون: 91]. المعنى: ليس مع الله من إله، ولو سلم أن معه سبحانه [وتعالى] إلهًا لزم من ذلك التسليم ذهاب كل إله من الاثنين بما خلق، وعلو بعضهم على بعض، فلا يتم في العالم أمر، ولا ينفذ حكم، ولا تنظم أحواله؛ والواقع خلاف ذلك، ففرض إليهن فصاعدًا محال لما يلزم منه المحال.
ومنها الإسجال: وهو الإتيان بألفاظ تسجل على المخاطب وقوع ما خوطب به نحو: [قوله تعالى]: {ربنا وآتيا ما وعدتنا على رسلك} [آل عمران: 194]، {ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم} [غافر: 8]، فإن في ذلك إسجالًا بالإتيان والإدخال حيث وصفًا بالوعد من الله الذي لا يخلف وعده.
ومنها الانتقال: هو أن ينتقل المستدل إلى استدلال غير الذي كان آخذًا فيه لكون الخصم لم يفهم وجه الدلالة من الأول، كما جاء في مناظرة الخليل [عليه السلام] مع الجبار لما قال له:{ربي الذي يحي ويميت} [البقرة: 258]، فأجاب الجبار:{أنا أحي وأميت} ثم دعا بمن وجب عليه القتل فأعتقه، ومن لا يجب عليه [القتل] فقتله، فعلم الخليل [عليه السلام] أنه لم
يفهم معنى الإحياء والإماتة، أو علم ذلك وغالط بهذا الفعل فانتقل عليه السلام إلى استدلال لا يجد الجبار له وجهًا يتخلص به منه فقال:{فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب} [البقرة: 258]، فأنقطع الجبار وبهت، ولم يمكنه أن يقول: أنا الآتي بها من المشرق؛ لأن من هو أسن منه يكذبه.
ومنها المناقضة: [وهي] تعليق أمر على مستحيل، إشارة إلى استحالة وقوعه كقوله:{ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} [الأعراف: 40].
ومنها مجاراة الخصم ليعثر، بأن يسلم بعض مقدماته، حيث يراد تبكيته وإلزامه، كقوله تعالى: {قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباءنا فأتونا بسلطان مبين (10) قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم
…
} الآية [إبراهيم: 10، 11].
فقولهم: {إن نحن إلا بشر مثلكم
…
} الآية، فيه اعتراف الرسل بكونهم مقصورين على البشرية، فكأنهم سلموا انتفاء الرسالة عنهم، وليس مرادًا، بل هو من مجازاة الخصم ليعثر؛ فأكنهم قالوا: ما ادعيتم من كوننًا بشرًا حق [لا ننكره] ولكن هذا لا ينافي أن يمن الله تعالى علينا بالرسالة.